19 ديسمبر، 2024 12:44 ص

نبيل جاسم وانور الحمداني وما بينهما

نبيل جاسم وانور الحمداني وما بينهما

سؤال طرحته على نفسي ، لماذا المشاهد العراقي يهوى بشغف متابعة البرامج الحوارية السياسية في بعض القنوات العربية ، ولا يهوى الا بنسبة بسيطة متابعة البرامج الحوارية العراقية ، باستثناء بعض البرامج التي لا يتعدى عددها اصابع اليد الواحدة ، رغم ان المادة التي تطرح في هذه البرامج تهم المواطن العراقي بنسبة كبيرة جدا كونها تمس واقعه وحالته الاقتصادية والاجتماعية واواضاع بلده .

عند البحث عن الاسباب ، وجدت ان نجاح اي برنامج حواري لابد ان تتوفر فيه عوامل عدة اهمها مقدم البرنامج وطريقة ادارته للحوار بشكل محترف ومهني وحيادي .

للاسف الشديد وجدت ان مقدمي البرامج الحوارية السياسية في البلاد فاقدي لكل هذه الامكانيات سوى المقدم البارع الزميل الدكتور نبيل جاسم مقدم برنامج بين قوسين على قناة السومرية ، الذي اعتقد انه الافضل على الاطلاق لما يتميز به من مهنية وحرفية وحيادية وكارزما خاصة به ، فلم يقع جاسم طيلة تقديمه لهذا البرامج في دائرة الاتهام بالانحياز او توظيف مهنته لحالة شخصية او تطابقا لرأي قد يتبناه ، لهذا فان هذا البرنامج يتابعه السني والشيعي والكردي والايزيدي والمسيحي والصابئي وكل فسيفساء الشعب العراقي دون اي ملاحظة على مقدم هذا البرنامج .

وهذه هي مهمة ومهنة الصحفي الحقيقي ، الذي اذا اراد ان ينجح عليه ان يصنع جوا من التكافؤ في الحوار ، اذ ان الحوار كالميزان فالمسؤول هو من يخضع للحوار ولا يُخضع الحوار لما يريده هو ، وهذا لا يمكن ان يحدث الا اذا كان هناك مديرا بارعا للحوار .

اما المسألة الاخرى التي يتوقف عليها نجاح اي مقدم ، هي ان المقدم لا يمكن له ان يضع نفسه كجزء من المسألة التي يدور حولها الحوار ، فحتى لو كان المقدم مقتنع تماما بكذب ما يدلو به الضيف ، عليه ان يبين كذبه بطريقة مهنية معقولة ، وليس بطريقة استفزازية سياسية مثل التي يتبعها الزميل انور الحمداني مقدم برنامج (استوديو التاسعة على قناة البغدادية ) .

فهذا هو الفرق بين نبيل جاسم وانور الحمداني ، فنبيل جاسم وظف كل مهنيته وخبرته في اطار توضيح الحقيقية بشكل في غاية المهنية ، وكانت له انجازات كبيرة وقضايا كان سبب باثارتها ، منها توريطه لبعض المسؤوليين وتهديده لمستقبلهم بطريقة مهنية بشكل كامل ، حتى ان بعضهم اقصوا من العملية السياسية ومن مناصب بسبب نبيل جاسم ، لماذا ؟ ، لان نبيل جاسم كان مستواه فوق دهاء ومكر السياسي واستطاع ان ينطقه بما كان من المفروض الا ينطقه ، وبطريقة في غاية الرقي .

بالمقابل اذا وقفنا على طريقة تقديم الزميل الحمداني لبرنامج استوديو الساعة التاسعة ، فنراه في غاية السلبية وبعيدة كل البعد عن المهنية ، رغم ان البرنامج يحضى بمشاهدة عالية حسب ما اعتقد ، الا ان نسبة المشاهدة العالية هذه ليس معناها ان طريقة الحمداني جيدة ، بل ان كثير من الذين يشاهدوا برنامج الحمداني لاجل الانتقاص منه واصطياد اخطائه.

مشكلة الحمداني انه يتطرق لملفات مهمة تحضى باهتمام الشارع العراقي ، لكنه يتناولها بطريقة تجعل ضيفه في موقع الاتهام قبل الاستفسار منه عنها ، وتجده يتسابق ليضع نفسه طرفا في المشكلة وكأنه انسانا وطنيا وضيفه خائنا وسارقا وخاطئا وووو الخ .

بصراحة هذه الطريقة ليست متابعة لمصلحة الشعب العراقي ، انما البحث عن منفعة شخصية من خلال مصالح الشعب العراقي ، فليس من المعقول استغلال المنبر الاعلامي لاهانة مسؤول في الدولة بدون اي خلفية ، وهذا هو الخطأ نفسه الذي وقع به الحمداني مع النائب عن ائتلاف دولة القانون عزت الشابندر ، عندما حاول اظهار الشابندر بمظهر الخائف امام المشاهدين ولا يخرج من بيته في المنطقة الخضراء ، دون ان يعلم بان الشابندر لا يسكن المنطقة الخضراء اساسا ، بحيث عندما نعته الشابندر بالغبي ، استثار الحمداني بشكل غريب ونسي المهنية وانهى الحوار مع الشابندر ، وكأنه فقد شيئا عزيزا كا يحتفظ به.

وهذه كارثة ، اذ كان الاحرى على الاخوة المسؤولين بقناة البغدادية ان ينتبهوا لها ، فلا يمكن لقناة ان تكتفي برضا جزء من الناس ولا تعتني برضا باقي الناس ، وهذا ما يصنعه الحمداني .

ولا اتطرق الى بعض المقلدين لمقدمين عرب ، ولا اتطرق الى المسيسيين الذين يطرحون برامجهم على المشاهد بشكل تجهل المشاهد يتقيء عندما يراه .

واخيرا لابد القول بان ما كتبته كانت وجهة نظر شخصية مهنية باعتباري ابن المهنة ، وهي لا ترفع شخص على حساب اخر.