رحم الله عالم الاجتماع علي الوردي فقد استطاع هذا العالم الذي لم يحظ باهتمام الحكومة فمات منسيا كغيره من علماء العراق ان يحلل المجتمع العراقي تحليلا دقيقا برؤية من عاش وتفاعل مع المجتمع المحيط به .. ولم يكن هذا العالم رقما يدرج في قوائم علماء العراق على ورق معرض للتلف بل كان رقما لايقبل القسمة على اثنين وعلما مازالت بحوثة ودراساته محط اهتمام الكثير فهو وحيد عصره يشهد له بالابداع والنبوغ المقربون منه ومن قرأ كتبه وتمعن في مايحمله من تحليل لبنية المجتمع العراقي فقد حلل هذا العالم الشخصية العراقية افضل تحليل فوضع النقاط على الحروف بتجرد بعيدا عن الانتماءات الطائفية فعتبر العراقي شخص صعب المراس لايمكن تدجينه حتى من المقربين له فالعراقي يتصف بحدة المزاج والعصبية فترى ارنبة خشمه مرفوعة حتى وان اصابته مصيبة او وقع في حالة ذل او انكسار .. والشخصية العراقية شخصية تمتاز بالعصبية والخشونة في التعامل مع المجتمع المحيط بها مثله كمثل ذلك الشخص البغدادي الذي جبل على خلق المشاكل بين افراد عائلته لسبب او بدون سبب
ورغم ان زوجته تتحاشى مواجهته كونها امراة بغدادية اصيلة جبلت على الطاعة واحترام الزوج الا انه مصر على ايجاد اي فرصة لخلق مشكلة مع الزوجة التي تقوم بتنفيذ كل الواجبات الموكلة لها من ترتيب وتنظيف البيت الى اعداد الطعام وتهياة وسائل الراحة للزوج عصبي المزاج .. وفي احد الايام دخل الزوج البيت وهو في كامل الاستعداد لايجاد مبرر لخلق مشكلة مع الزوجة فلم يجد مايوحي له بوجود سبب لخلق اي مشكلة فوجد فناء المنزل نظيفا فطلب من الزوجة تجهيز طعام المائدة وان تكون محتوياته وفق مايشتهيه هو في محاولة منه لايجاد مبرر لخلق مشكلة ولكون الزوجه تعرف طبائعه فقد جهزت له مايشتهيه من طعام بمائدة عامره بكل احتياجاته وما ان رأى محتويات المائدة لم يجد السبب لخلق مشكلة فتناول طعامه وهو يشعر في قرارة نفسه بانه مهزوم ولم يجد مايصبوا اليه لخلق مشكلة فخاطب الزوجة المسكينة هل جهزت مكان النوم ( وكان اكثر البغادة ينامون فوق سطوح المنازل ” فقالت له ان المكان جاهز وقد تم غسل وتنظيف سطح المنزل ووضع جارورة ” تنكة ”
الماء البارد قرب مكان نومه فاستلقى على الفراش وهو في حيرة من امره حيث وجد كل شيء معد سلفا وهو الشخص الذي جبل بطبعه على خلق المشاكل مع الزوجة المسكينة وما ان استلقى على الفراش حتى بدأ يؤشر على اماكن النجوم التي في السماء لمعرفة اسماءها ولكون الزوجة تعرف طبائعه فقد تعلمت اسماء النجوم فقالت له ان هذا النجم اسمه زحل وذاك اسمه عطارد فاشر لها على مجموعة نجوم تنتشر فوق فراش نومه مباشرة فقالت هذه النجوم اسمها الميزان فبدت على وجهه علامات الغضب وصرخ بزوجته قائلا ” لج كلبة بنت الكلب عفتي كل المكانات او فرشتيلي جوه الميزان بلكت وكع عليه عيار” هكذا هي شخصية الرجل البغدادي يشعر بانه الشخص المتسلط والمتجبر في بيته لايمكن النجاة من سطوته الا بطاعته طاعة عمياء بلا اعتراضات او افتراضات مثلما فعل الحكام الذين تعاقبوا على حكم العراق بعد سقوط النظام الملكي عام 1958 فكانوا يحكمون العراق بالحديد والنار حتى يحسب الشعب هو الزوجة المطيعة ولم يسلم من بطشهم الا من لزم داره وهو خائف بعيد عن سطوة الحكام ومن رفع صوته او تدخل لاعتراض ( المسيرة الظافرة ) التي حققتها الحكومات المتعاقبة فذلك يعني الويل والثبور للعائلة وقد يسفر عن طلاق الزوجة وتشريد اطفالها .. ومثلما حلل عالم الاجتماع علي الوردي شخصية الفرد العراقي حلل رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري سعيد الذي مات مسحولا في شوارع بغداد بعد سقوط النظام الملكي عام 1958 الوضع المزري الذي سيصل اليه العراق بعد سقوط حكومته فقد وصف نفسه بغطاء البالوعة
متى ما ازيح من مكانه ستخرج روائح نتنة وكريهة تزكم الانوف وفي مجادلة مع النائب محمد رضا الشبيبي قال الباشا السعيد ” اسمع شبيبي والله اذا اسقطتمونا من الحكم فسيأتي يوم تاتي العساكر الى بيوتكم وتأخذ بناتكم ولاتستطيعون ان تفتحوا حلوقكم “ومرت سنوات بعد سقوط النظام الملكي وجاء العسكر الى بيت الشبيبي واعتقلوا ابنته ولم يعد بيد الشبيبي غير ان يركب سيارته ويتوجه لمقابلة الرئيس العراقي في ذلك الوقت عبد السلام عارف ولدى الالتقاء به قال له ” الله يرحمك ابو صباح ما اصدق ماقلته لي ستأتي العساكر الى بيوتكم وتأخذ بناتكم وانتم صاغرون ” ثم روى للرئيس عبد السلام ما سمعه من نوري سعيد فلم يعد بيد عبد السلام عارف غير ان يأمر باطلاق سراحها ..رحم الله عالم الاجتماع علي الوردي ورحم الباشا نوري سعيد وكل من عاصره وعاش تلك الفترة التي كان يشعر فيها العراقي انه ابن العراق .