19 ديسمبر، 2024 3:15 ص

يقول الكاتب الانكليزي كولن ولسون في كتابه (اللامنتمي)، (عندما تكون يائسا ومحبطا، فان سماعك بموت أي شخصية مشهورة يجعلك تشعر بنوع من الارتياح). لم يوضح ولسن مصدر هذا الشعور او اسبابه، لكنه واضح من الناحية النفسية انه نوع من التعويض، او نوع من العزاء، او حتى التنفيس عن غضب كامن، بطريقة لا شعورية… ومما لا شك فيه أن قادة تنظيم داعش واقعون اليوم تحت درجة عالية من الشعور باليأس والاحباط، بعد الهزيمة الكبرى بانهيار “دولة الخلافة”. مما يجعل التفكير بخلق جرعات اضافية من المعنويات امر حيوي للمحافظة على ديمومة التنظيم وبقائه. وليس افضل في هذه الحالة من زرع الامل بتحقيق النصر الالهي ولو بعد حين، فالله كما يقول ابو بكر البغدادي في تلاعب واضح بالكلمات وبالقوانين (امرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر). هكذا يمكننا تلمس وكشف محاولات التنظيم لتحقيق هذا المسعى (بناء المعنويات على حساب الحقيقة) في كل خطوة او اصدار مرئي او مقروء. افتتاحية النبأ/ العدد 237/ جاءت بعنوان (فوضى أمريكية بعد الفيروس الصيني) وهي معدة بإتقان لرفع المعنويات لدى الدواعش، لكن بحبكة من نوع جديد. فالافتتاحية ركزت في المقدمة منها على ما تشهدها امريكا من فوضى وعنف بعد مقتل (جورج فلويد) ووصفتها بالتيه. والتيه مفهوم عميق، مستقر في الذاكرة الجمعية للمسلمين بما وقع لبني اسرائيل بسبب عنادهم وكثرة جدلهم مع انبيائهم وخصوصا نبيهم (موسى) فكان جزائهم التيه من عند الله وهو من اشد العذاب الذي لا يعلم احد كيف حدث لقوم لهم الخبرة بطرق الصحراء وشعابها المختلفة، ورغم ان الافتتاحية جاءت خالية من التوظيف المباشر للآيات القرآنية الا أن قصة التيه مذكورة في القران، (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) 26 من سورة المائدة، فالتوظيف غير المباشر للنص المقدس والاكتفاء بما مستقر في ذاكرة المسلمين تقنية اخرى أستخدمها الكاتب ببراعة للإقناع والتأثير على المتلقين. وكما اشرنا في تحليلنا السابق لكلمة المتحدث الرسمي لداعش ابو حمزة القرشي (سيعلم الكفار لمن عقبى الدار) ان داعش يراهن كثيرا على الفرص التي ستوفرها التغييرات الجارية في العالم، فما الفوضى التي يشهدها العالم بسبب كورونا او بسبب الركود الاقتصادي، وتراجع الثقة بالحكومات، وافلاس الشركات، والعجز عن تقديم النموذج الناجح الذي يرضي الناس ويحقق لهم الامان، الا دلائل على صحة تلك القراءة، (ومن ينظر الى حال العالم اليوم بعد أزمة كورونا التي أوقفت محركات الاقتصاد وعطلت واستنزفت الحكومات ونشرت البطالة في المجتمعات يجد الحالة السائدة هي التيه). ففي تقدير الكاتب ان هذا التيه والضياع سيدفع الشباب الى التمرد لكن بدون معرفة الاتجاه، وسيكون التركيز على نسف الواقع القائم، وليس تغيير شكله أو وظائفه. فالانفجار الاخير في أمريكا أكتسب زخما إضافيا بسبب ترافقه مع أزمة كورونا. وهو انفجار قابل للتكرار في دول اخرى كثيرة، اقل تحملا من امريكا، وعليه فالكاتب يعتمد فرضيتان اساسيتان. الاولى، أن العالم كله معرض للفوضى والاضطرابات على النمط الامريكي، والثانية، أن ما يجري يمكن اعتباره عامل انهاك اضافي للدول الكافرة، مما سيقلل من اهتمامها بما يحدث في بلدان المسلمين، ويصعب من قدرتهم على حربهم واعانة الطواغيت والمرتدين عليهم. هاتان الفرضيتان قادتا الى نتيجة مهمة أعتمدها الكاتب (نصر ييسره الله تعالى لعباده المستضعفين يعينهم على تقوية أنفسهم والنكاية بأعدائهم وتحقيق أهداف جهادهم ولو بعد حين). وأمام هكذا فرضيات واستنتاجات لن يبقى أمام الدول المتمدنة سوى ممارسة المزيد من الضغوط والعمليات العسكرية ضد الدواعش لجعلهم اكثر يائسا وقنوطا، وليس افضل في هذه الحالة من الاعلان عن المزيد من التعاون بين امريكا والعراق في الحرب على الارهاب، بعد المحادثات الاستراتيجية المتوقعة بعد ايام بين الطرفين بخصوص مستقبل القوات الامريكية في العراق، حيث يجب ان لا تغيب عن ذهن المفاوضين من الطرفين حقيقة رهان داعش على الانسحاب الامريكي من العراق وما توفرها من فرصة لهم للنكاية والتوحش، واي قرار ببقاء هذه القوات لأغراض التدريب والدعم اللوجستي يعتبر رسالة نفسية مهمة لتدمير معنوياتهم، فما يجب ان يكون واضحا ومفهوما للدواعش أن الحرب على الارهاب ماضية ومستمرة في جميع المستويات ولا أمل لهم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات