لم التق به ، وربما سمعت أذناي اسمه ولكن لم تحفظه ذاكرتي رغم موسيقيته. غير ان اسمه صار عندي نموذجا انسانيا عراقيا حين قرأت كتابا عنوانه (صفحات انصارية) نص فيه كاتبه السيد عدنان اللبان على بعض ملامح شخصية ناظم رمزي بأعتباره صاحب مطبعة عراقية ذات قدرة فنية عالية المستوى لأن صاحبها ومديرها فنان عالي المستوى . انتبهت الى ما ورد عن الفنان ناظم رمزي في بعض الصفحات. كان الكتاب خارجا عن النصوص الفنية لكنه داخل الابعاد الانسانية وداخل العلاقة بين عامل في مطبعة وصاحبها . هذا النص الذي قرأته في الشهر الماضي بتفرده والتباساته عرفني بعلامة من علامات الفن العراقي ومكانته الانسانية كان عنوانها ناظم رمزي وقد شعرت بتوثق الآصرة التي ربطتني به عبر المجموعة القصصية لكتاب عدنان اللبان الذي شدتني اليه كتاباته السابقة باسم (تقي الوزان) وحل السؤال لديّ عن اختفاء هذا الاسم.
ما كتبه عدنان اللبان في مجموعته ( صفحات أنصارية) عن ناظم رمزي لم يكن فقط عرفانا بالجميل لإنسان نبيل كان قد أخفى شيوعيين معارضين لنظام مهووس بتحطيم من يلفظ بكلام لا يرضاه صدام حسين وهو في عز جبروته، بل كرس اللبان أثاراً متجلية عن إنسان مبدع على مستوى نشاطه الفني، وعن شخصية لها قدرات خلاقة في إدارة العمل الفني والطباعي في زمن لم تكن معروفة كفاءات كهذه في أوساطنا العراقية. كتب اللبان عن رمزي وشجاعته ونبله ومن خلال الصور التي نقلها لنا والتي كنت اتامل فيها وأعيد من خلالها أواصر التوصل لتلك الوجوه التي مازالت تمنحني قدراً غير محدود من الحنين لهذا الصنف النادر من العراقيين. أولئك الذين شدوا من عزيمتنا وخاطروا بحياتهم ليقولوا وبصمت عن قدسية خياراتنا. لا اعرف لحد الآن من كان يشد عزيمة الآخر وكم نحن بحاجة لتوثيق هذا الصنف النادر من العراقيين، ريما يعيد ذلك للعراقيين كشعب شيئاً من جمال روحهم التي أفسدتها الديكتاتورية والعنف والفساد والإرهاب . كانت ترتسم أمامي ومن خلال ما صوّره اللبان عن رمزي، تلك الوجوه التي فرشت أجنحتها لتحميني وغيري، وإنا شاب أضع أول قدمي في ممر العشرين من العمر. صورة صبري دوريش السبتي وعائلته ( توفى قبل سنوات في السويد)، الرجل الجليل والموسوعي جورج حبيب الخوري وأخته الحنون العمة ماري ( مؤلف كتاب اليزيدية بقايا دين قديم توفى في بغداد 1979)، طبيب الأسنان عبد الستار القيسي، ذلك الرجل الذي لم يدخر شيئاً من قواه لإخفاء الشيوعي الجنوبي. كنت ومازلت أقول، لو التقي به يوماً لقبلت التراب الذي يمشي عليه ( اعتقل في بداية الثمانيات وجرى تصفيته)، عبد العزيز أبو سعد توفي قي أواسط الثمانينات في سوريا، عبد الكريم الحكيم ( توفي في يغداد، في سنوات متأخرة عرفت انه كادر شيوعي سابق، الطبيب الجراح العراقي المعروف طارق علي الحسين، الحاج زين السلماني ( كان كادرا بعثيا ولكنه ذو مروءة، مازال يعيش في العبيدي) وغيرهم، ولكل منا أن يسترجع العديد من هذه الوجوه التي نستمد صورتها من صور رمزي في قصة عدنان اللبان ( حكايات انصارية) .
حملت المجموعة لصديقي جاسم المطير حيث زيارتي الأسبوعية له، على أمل أن يضيف لي شيئاً كعادته، خاصة أن أبا تمامة كان يبحث عن أي شيء من كتابات الأنصار. رمت سنارتي بمعلومة بسيطة عن رمزي. وانهمرت المعلومات من الموسوعة الجالسة على الكرسي المتحرك. تحدث أبو تمامة عن إبداعات ناظم رمزي في التصوير الفوتوغرافي ومشاريعه المبدعة في الخط وادراته الناجحة والفريدة في لمطبعته في بغداد وربطه الاجر باحتياجات العاملين في المطبعة وسمو خلقه ورفعته. وكيف صادر أمن السلطة مطبعته وغيره من التفاصيل، وفي خضم حكاياه رفع سماعة التلفون ليتصل ويستفسر عن وضع صديقه وليخبره عن المجموعة، لكن الوضع الصحي للفقيد لم يسمح بالحديث.
في لقاء آخر قبل ثلاثة أسابيع حضره أيضا السينمائي حميد حداد، جرى الحديث عن ما كتب عن ناظم رمزي وإبداعاته ومشاريعه، هنا التمعت فكرة واستعداد حميد حداد لتوثيق حياة وأعمال رمزي، خاصة وانه في رحلة بعد أيام الى لندن، وان لم يساعد توثيق أعمال ناظم رمزي حاليا، فالاكتفاء بتوثبق شخصه. مع كل مبادرة أو حديث في ذكر هذا المبدع تلتمع في عيون وذهن الأستاذ جاسم المطير الق المودة وكأنه تكريم واحتفاء بجيله. بادر ابو تمامة للاتصال ولكن الوضع الصحي للفقيد لم يسمح والكتاب لم يصل ليديه.
رحل ناظم رمزي بهدوء وانسل من بيننا دون أن تذكره وسائل الإعلام أو تذكر إبداعاته كما يجب وينبغي . يرحيل جيل من المبدعين العراقيين يكبر في وطنهم المنكوب جيل أو أجيال مغيبة الوعي والذاكرة. هل ستنشط حملة لإحياء تراث وابداع ناظم رمزي، ونتعرف عليه. أيهما أكثر حزنا، وطن يفقد مبدعه دون أن يذكرهم، أم مبدعون ظلت عيونهم ترنو لوطن يكون اقل قسوة عليهم..؟