18 ديسمبر، 2024 6:51 م

ارتبك سائق السيارة المسرعة على الطريق السريع الرابط بين المحافظات، وهو يسمع صراخ أحد الركاب: ” نازل نازل”.
كان السائق مندمجاً في التسابق مع السيارات، في سرعة تجاوزت ما مسموح به دولياً، لعدم وجود محددات والتزام من السائقين بالسرعة التي تحافظ على الأمان، في شارع سريع يخلو من علامات الدلالة، والاشارات الفسورية والأسيجة، في طريق وصلت حوادثه الى أرقام مرعبة توازي العمليات الإرهابية، وفي معظمها إبادة لعوائل كاملة ذهبت لقضاء حوائج أو للنزهة.

 

انتبه كل الركاب على صوت الصراخ، واستيقض النيام منهم وكأنهم في حلم مرعب، لكن الراكب المذكور أشار الى سيارة متوقفة من بين السيارات، تبيع الرقي في شهر تشرين، وقال” نازل آخذ رگي”، فأجابه من جلس في صدر السيارة “رجال الّي يعبّي بالسلة رگي”، بينما قال من يجلس في الخلف انتهى موسم التمور وتناقص نخيل العراق، وعبرنا آب اللهاب الذي يكثّر الأعناب ويقلّل الأرطاب، فأجابه من يجلس جنبه: “جزنه من العنب ونريد سلتنا”، بينما قال ثالث هذا موسم الرمان، ولكن طعمه لا يكتمل إلا بعد أن يشرب ماء تشرين، ولم نرَ قطر المطر الى الآن.

 

توقفت السيارة وأسرع مهرولاً لجلب رقية كبيرة، وسأل البائع هل هي محلية أم مستوردة، فأجابه معظم ما في السوق مستورد، ومنافذ الحدود مفتوحة حتى وإن وجد المحلي أو منعت الحكومة، ولكل منفذ حدودي قانون وتسعيرة دخول وقوانين تختلف حسب مزاج السلطة المحلية أو المسؤول المباشر، وسأل هل هي شرط السكين، فأجابه لا يحتاج سكين بعد كل هذه الحرارة ولكن مع ذلك سأفتحها؛ فأذابها حمراء، فأخذها وركب في السيارة.

 

تحركت السيارة وبدأ أحدهم بفتح الرقية وتقسيمها، فوجدوها لا طعم لها وحَمارها مجرد لون امتزج بين حرارة ما تعرضت له، ومدة النقل والخزن والمواد الكيماوية التي نفختها، وتذكروا عند ذلك تمر البصرة ولبن أربيل ورقي سامراء وتين الحلة وسمك الناصرية الممزوج بملوحة النهر، وهكذا كبقية المزروعات التي تشعر من طعمها أنها نمت في أرض العراق، وأمتزج طعمها مع ترابه وماء دجلة والفرات.

 

اتفق الجميع أن تشرين لا يمكن أن تأخذ فيه “رگي”، ولكل فاكهة موسم للجني، وفي هذا لم تنضج كل فواكه الشتاء، وهو فترة خريف تتساقط فيها الأوراق، لتخضر فيها أوراق جديدة، ونقبل على موسم الشتاء حيث تكثر الفواكه، وسيعمد بعضهم على فتح الحدود لدخول المستورد ومنافسة المحلي، وفي هذا الموسم تكثر الأمراض وبالذات التنفسية، والخطر يكمن مع وجود وباء كورونا الذي اختلط وشابه الإنفلونزا، وبدأ الناس يبحثون عن البرتقال والليمون من ديالى ومناطق وسط العراق وشماله، لتحصين أنفسهم من الإصابات.

 

في تشرين كما هو نهاية الخريف بداية موسم ودورة برلمانية جديدة، وتخلص من موسم خريف وبدء موسم شتاء تتساقط فيه الأمطار ومعها تنزل النعم، وعندما تُهيّأ الأرضية المناسبة سنأكل من أطيب الفواكه والخيرات التي تميز بها العراق، عندما نختار قادة قادرين على تجاوز إخفاقات المرحلة السابقة، وحتى من الخريف هناك من يصنع سماداً من مخلفات الأشجار، كذلك من مخلفات السياسة يمكن أن يكون إصلاح يعد لمرحلة مقبلة، وبعد هذا الحديث، لام الركاب من قال: “نازل آخذ رگي”، وقالوا له في تشرين يمكنك أن تأكل رقي عراقي من بيوت زجاجية مكيفة عندما تختار قيادة صحيحة، وأن لا تبحث عن المستورد لأن معظمه مغشوش ودخل بطرق غير قانونية، وعندما تدعم المحلي الوطني الذي يستطيع استيعاب متطلباتك أو يتقارب معها، ستصنعون مستقبلاً لمن كان يفكر معك أو لم يصدق ما تقول، ومن خلال الصندوق ترسم مستقبلك، وتوفر فرص عمل لكل من يرغب أن يكون من أدوات بناء العراق وذاته