زارني صديق من أصدقاء الجامعة وهو امر جميل أن تكتشف فجأة بأن أحدهم لازال يكثر لامرك ويود الاتصال بك على الرغم من أن اغلب الناس في هذه الايام لا تروم إلا ذوي الجاه او المال ، وعلى أية حال وبسبب مجيئه إلي في المساء فقد أتجهنا إلى احد مطاعم الارصفة في المدينة وجلسنا هناك نتناول وجبة العشاء ، وليس من الامور الغريبة ان يقبل عليك المتسولون في بلد يكثر التسول والفقر فيه كما تكثر خيراته التي لا يعلم أحد أو – لايكترث – أحد أين تذهب وفي أي جيوب تنزل ، ولعلي كالغالبية العظمى من الناس ننظر إلى المتسولين والمتسولات على أن أكثريتهم هم من غير المحتاجين او المعوزين والذين أتخذوا من التسول وسيلة للنصب على الناس ، ولكن وكما يقال فأن لكل قاعدة شواذ ، وأختلط في حقيقة الامر الحابل بالنابل والفقير في وطنه غربة كما يقول الامام علي ( ع ) ، ولكن ؛ كيف بمن يعيش غربة مزدوجة ، بمعنى غربة الفقر وغربة الوطن ؟ أقتربت منا أمرأة تتسول فحاولت أن أتجاهلها لكني لمحتها وهي تمسك بيدها شيء ما وتومئ به ، لقد كانت بطاقة تعريفية تشير إلى أن المراءة هي سورية الجنسية , ولعلي لم أشعر بتعاطف كبير كالذي شعرته تجاه هذه السيدة ، ولم أفكر في حينها أن كانت نصابه أم أنها محتاجة فعلا ، كل مافكرت فيه أنها غريبة تجوب شوارع لم تعرفها من قبل ، وفي اليوم التالي تذكرتها وانا أتابع شاشة احدى الفضائيات العربية حيث أذيع الخبر التالي : برنامج الاغذية العالمي يعلق مساعداته الغذائية ل 17 مليون لاجئ سوري . فشعرت بالحزن الشديد تجاه تلك المراءة وشعرت وكأنني شريك مع كل أولئك القتلة والمجرمين ممن شردوها من وطنها ، وقد يقول قائل بأن مساعدة النازحين السوريين في العراق ليست من مسؤولية العراقيين بالدرجة الاولى وانما هي مسؤولية المنظمات الدولية والامم المتحدة قبل كل شيء ، وقد يتذرع أحدهم ويقول بأن ما نعانيه وتلك الاعداد الكبيرة التي لدينا تمنعنا عن مساعدة أخواننا واخواتنا السوريين ممن نزحوا إلى العراق وانا اعتبر أن كل ذلك أعذار واهية فألعراقيين لطالما عرف عنهم بأنهم أهل الغيرة والنخوة ، ولكن لنا أن نسأل عن سبب تأخر العراق عن الدول الاخرى على الرغم من أنه من الدول الغنية بثرواته ولم أصبح الكثير من أبنائه مشردين على الرغم من خروج القوات المحتلة منذ مدة ليست بالقصيرة ومسك الارض من قبل أبناء البلد أنفسهم ؟ أن الجواب على كل ذلك والذي يمكن أحد أهم الاسباب الرئيسية في منع العراق أن يأخذ دوره الاقليمي يتلخص بكلمة واحدة ( الفساد ) ، ان الفساد المستشري في كافة مؤسسات الدولة قد بيكون من أهم الاسباب التي أدت الى سقوط المدينة تلو الاخرى والمحافظة تلو الاخرى بيد العصابات الاجرامية ، ولكن أن يسرق البعض أموال النازحين فهذا العمل في منتهى القسوة ويدل على أن لا ذرة رحمة في قلوب أولئك المسؤولين ، وبعد أن سرقوا قوت أبناء شعبهم فكيف لنا أن نتوقع يمدوا يد العون لنازحي دول أخرى ؟ ، أن الانسان العراقي صاحب الغيرة وخصوصا من المقتدرين وذوي الثروة والمال وكذلك الجمعيات والمؤسسات التي تعمل بصدق هم الامل الوحيد للنازحين سواء أكانوا عراقيين أم غير ذلك فكلنا بشر في نهاية المطاف .