22 ديسمبر، 2024 11:57 م

م/ كلمة في رحيل بوش الاب

م/ كلمة في رحيل بوش الاب

برحيل جورج بوش الاب الرئيس الواحد والاربعون في قائمة رؤساء الولايات المتحدة وعراب مشروع النظام العالمي الجديد, وجب علينا التذكير بما قدمه هذا الشخص من خدمات جليلة للشعب العراقي ابان حرب الخليج الثانية, والوقوف على قائمة انجازاته الطويلة في العراق والمنطقة سيما وانه قد تولى هرم السلطة لمدة اربع سنوات في الدولة الاقوى نفوذاً والاكثر تأثيراً في القرار الدولي. تلك الفترة التي شهد فيها العالم موجة عنيفة من التقلبات في موازين القوى وازمات سياسية وعسكرية خطيرة تسارعت وتيرتها بشكل جنوني لتقود في النهاية الى نتائج اولها انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء ما يسمى بعالم ثنائي القطبية, وحدوث ازمة سياسية خطيرة في منطقة الخليج قادت في النهاية الى نشوب حرب مدمرة برعاية امريكية-انكلوسكسونية كان العراق الضحية الاولى فيها. حرب برغم قصر مدتها الا انها انطوت على جرائم مروعة بحق الشعب العراقي وممارسات لا اخلاقية لم تعهدها الحروب السابقة ولم يكن للبعد الانساني اي وجود يذكر في حسابات من تولوا قيادة دفتها من الامريكان وحلفائهم, ما ادى في النهاية الى نتائج مدمرة لا يزال العراق يرزح تحت وطأتها الى الان.

واذا ما تحدثنا عن حجم الخسائر المادية والبشرية التي منيت بها الاطراف المتصارعة في تلك الحرب, وعلى سبيل المقارنة بين خسائر كل من العراق والكويت على وجه التحديد, سيتضح بما لا يقبل الشك ان لهذه الحرب غايات اخرى خبيثة بعيدة المدى تتعدى مسألة تحرير بلد صغير مثل الكويت وتخليصه من قبضة نظام صدام حسين بذريعة الحفاظ على الامن والسلم الدوليين. واذا ما كانت الغاية الحقيقية لهذه الحرب هي تدمير بلد بأكمله كالعراق والقضاء على حاضره ومستقبله حينها ستكون جميع الوسائل والادوات مبررة بل مشروعة في نظر الادارة الامريكية والرئيس جورج بوش الذي لم يتوانى في الافصاح عن نواياه الحقيقية بتحويل العراق الى ارض خربة وارجاعه الى فترة العصور المظلمة. فالرئيس الراحل وادارته لم يتردد يوماً قط في استخدام ما في جعبته من اسلحة فتاكة ضد الشعب العراقي, فالغاية تبرر الوسيلة كما يقول ميكافيلي في كتابه (الامير).

جانب آخر من جوانب المقارنة يتقضي الاشارة اليه فيما يخص مواقف بعض الدول وفي مقدمتها الكويت تجاه ما قام به جورج بوش في حربه ضد العراق, فالكويت شعباً وحكومةً مدينة الى يوم يبعثون للولايات المتحدة ورئيسها الاسبق بوش الاب لتخليصها من غزو غاشم اطبق على انفاسها لاكثر من ستة اشهر, واعاد لها في غضون اسابيع قليلة هيبتها واستقلالها السليبين. اما على الجانب الاخر من ميدان الصراع فجل العراقيون يعتبرونه مجرماً اوغل في قتلهم وتدمير بلدهم علاوة على فرض حرب اقتصادية ونفسية استمرت لاكثر من عقد استنزفت كل ما تبقى من طاقات وقوى البلاد.

فور سماع نبأ وفاته, اتشحت الكويت بأكملها بالسواد ونكست الاعلام حزناً على رحيل محرر البلاد, واتى الموقف الرسمي مسرعاً في التعبير عن التعازي الحارة بهذا المصاب الاليم. لقد شاء الله تعالى ان يؤجل منيته الى ما بعد التسعين, وابتلاه بالمرض وجعله يقضي شطراً من حياته مقعداً رهين البيت والاعاقة, ومن تبصر جيداً في قدرة وارادة الله يدرك جيداً ان الله عز وجل انما يبتغي ايصال رسالة وحكمة قد لا يعلمها الا هو سبحانه وتعالى. رحل بوش الاب وبقي العراق وهو الان بين يدي الله وفي ميزان عدالته مثقلاً بالذنوب والعبرة لمن اتقى.