خطر في بالي موضوع عايشته منذ طفولتي عن شركة ” IPC ” مختصر لشركة نفط العراق حيث كان والدي وأقربائي يعملون فيها في مدينة كركوك منذ بداية انفجار اول بئر نفطي بئر بابا كركر بتاريخ 14 تشرين الاول 1927 م الواقعة على بعد سبعة اميال من شمال شرق مدينة كركوك مندفعا بغزارة وبمعدل سبعة الاف طن في اليوم مرتفعا ثمانين قدما , وسبق التنقيب مفاوضات في سنة 1925 م حيث تقدمت شركة النفط التركية المحدودة التي اعيد تاليفها بعد مؤتمر سان ريمو الى الحكومة العراقية ومنح لها العقد في 14 اذار 1925م باستثمار النفط في جميع انحاء العراق – عدا البصرة و خانقين – ولمدة 75 سنة اي الى سنة 2000 م لقاء شروط خاصة نصت عليها الاتفاقية وتم تبديل اسم الشركة في مايس 1931 م الى ” I.P.C ” براس مال قدره 4,400,000 جنيه استرليني موزعة دوليا بحيث يصيب كل من الشركات البريطانية والفرنسية والامريكية والهولندية 23,75 % وان تخصص الــ 5 % المتبقية للسيد كولبنكيان الثري الارمني صاحب الشركة الارمنية التي تستغل ابار النفط القريبة من الموصل وكركوك بالطريقة القديمة منذ زمن بعيد مع التزام من قبله ان يقوم بتقديم خدمات في العراق من حصته اعلاه وقد قامت مؤسسة كولبنكيان فعلا ببناء ملعب الادارة المحلية في كركوك وبناء مدارس وخدمات اخرى لم توثق بالاضافة الى ملعب الشعب الدولي في بغداد ومن اعتقادي ومن خلال تواجدي في محيط يعمل اكثرهم في النفط كانت هناك بعض الفوائد الخدمية والمادية والعلمية قد جناها العراق وكركوك خاصة من هذه الشركة وخاصة ما يتعلق بالمساهمة في بناء وانشاء مشاريع الماء والكهرباء والمدارس وتبليط الشوارع في نهاية الثلاثينات والاربعينيات حيث كان التخلف سائدا في معظم انحاء العراق وقد تميزت مدينة كركوك عن باقي الالوية من حيث ارتفاع القدرة الشرائية للمواطنين وبناء المساكن والمجمعات وانارة الشوارع وخاصة في منطقة عرفة المقر الرئيسي للشركة والمناطق المجاورة لها بالاضافة الى الاحتكاك مع الاجانب والاختلاط معهم ومشاركة العاملين بدورات خارج القطر , كما توجهت كثير من العوائل لتسجيل ابنائها في المدارس والحصول على درجات وظيفية من هذه الشركة التي يتطلب ان يكونوا مؤهلين علميا حيث كانت الرغبة من جميع المواطنين للعمل فيها حيث تتنعم هذه العوائل بمورد اسبوعي ثابت وخدمات اجتماعية من توفير السكن والالتحاق بالمدارس وبعض الكماليات التي يتم الحصول عليها ومغريات كثيرة كانت تقدمها الشركة لاستقطاب الايدي العاملة حيث انتشرت في كركوك بداية عمل الشركة فتوى من علماء الدين بعدم شرعية استلام رواتب من الاجنبي والعمل معهم وكان رد فعل الشركة الاغراءات بكل اشكالها وبعد مرور سنتان أُعيد النظر في الفتوى بالايجاب ومن ابرز المحفزات كان لا يتم تعيين وتشغيل طالب العمل الا بعد جلب ثلاثة اشخاص من اقربائه وهي خطة ذكية من قبل المساهمين , واود ان اسرد لكم اهم الخدمات التي كانت تقدمها الشركة الى منتسبيها والتي تلاشت بعد قرار التأميم 1972 م واصبحت من خبر كان وانقرضت ولم يبقى منها سوى 5% في اكثرالاحوال وكان من المفروض ان تتجذر هذه الخدمات وتتسع لتشمل العراقيين جميعا واصبح مفهوم الاستقلال الاقتصادي الاساس في الاستقلال السياسي الكامل غير منقوص ويعني السيادة الكاملة وحصر الثروات النفطية بيد العراقيين ولكن ظهر العكس من ذلك حيث التخبط في التخطيط وعدم وجود سياسة حكومية تتعامل مع قر ار التأميم بحكمة وعقلانية وتحول قرار التاميم الى قرار محاربة العراق من جميع الاتجاهات كما لا يفوتني ان القوة الانفجارية التي بدأت للفترة من سنة 1972 – 1979 م قد لمسها العراقيين وتم قطف ثمار التاميم من خلال بناء المصانع العملاقة والمعامل والمنشآت الخدمية وتبليط الشوارع وبناء الجسور والجامعات والمدارس ولكن المؤامرة كانت اقوى حيث لم تسمح الشركات الاحتكارية التي تسير حكوماتها ان يمر هذا القرار بردا وسلاما على العراقيين وكان ما كان واصبح النفط نقمة وليس نعمة حيث كان الانتقام والصدقة شديدين من الدول التي تضررت من قر ار التاميم وتحول العراق الى بلد يعاني من المديونية ما يفوق العقل والتصور بعد ان كان يهب الاموال الى الاخرين من الدول النامية الى بلد شد الاحزمة الى البطون ووصل الحال الان الى الافلاس والاعتماد على المساعدات الدولية والبنوك الدولية التي تكبل زبائنها باغلال من حديد وتفرض شروطها القاسية لتشمل الغاء الدعم المالي على البطاقة التموينية والوقود ورواتب التقاعد التي اصبح استلامها معجزة ونصر للمتقاعد والحديث يطول وفي ادناه اهم وابرز الخدمات التي كانت تقدمها الشر كات الاحتكارية لمنتسبيها فقط الاطلاع عليها للمقارنة بين الامس واليوم :
1- تخصيص قطع اراضي وبناء دور سكنية لمن لديه خدمة خمسة سنوات فما فوق وفق تصاميم حديثة في المناطق التي يختارها المنتيب .
2- بناء مجمع عرفة السكني الكبير وتخصيص الدور للمنتسبين القريبة من مقر عملهم للعمال والمهندسين وكبار الموظفين في منطقة بابا .
3- القيام بانشاء مشروع الماء ومحطات نوليد الكهرباء ولا زالت قائمة وتسد الحاجة منفصلة عن مشاريع ماء وكهرباء اللواء ولم يعاني سكنة هذه الاحياء والدور الى الان من انقطاع الماء والكهرباء رغم الظروف حيث كان التخطيط مبرمج لمئة عام آخذين بنظر الاعتبار الزيادة السكانية وانتشار الاجهزة الكهربائية الحديثة .
4- توفير كافة المستلزمات الضرورية للعوائل من اجهزة كهربائية ومنزلية وخدمات اخرى وباقساط شهرية مريحة .
5- توفير وسائل نقل لنقل المنتسبين من مناطق السكن الى مقرات العمل مباشرة بواسطة السيارات والقاطرات الممدود لها سكك الحديد في داخل ومحيط الشركة مع توفير الدراجات الهوائية للراغبين من المنتسبين ,
6- توفير مادة نفط شهريا خدمة مباشرة للبيوت بحدود120 لتر .
7- خدمات غسل وكوي وتجفيف الملابس لكافة المنتسبين وعوائلهم موزعة من داخل محيط الشركة وفق المواصفات الحديثة لذلك الزمن بالاضافة الى محلات الحلاقة .
8- بناء مستشفى في العقد الرابع من القر ن الماضي للعلاج والرقود واجراء العمليات وكادر طبي اجنبي وعراقي وارسال الاطباء والكادر الوسطي الى لندن لتاهيلهم على مختلف الاختصاصات والمهن الطبية وارسال الحالات المستعصية الى خارج القطر وخاصة لندن وبيروت لحاملي فايروس مرض السل التدرن الرئوي MTB الشائع في ذلك الحين والعمليات الاخرى التي لا يوجد اطباء اختصاصيون لها بالاضافة مستوصفات صحية موزعة في التنظيم والتخطيط في مناطق السكن ومواقع العمل ومناطق ضخ النفط وفي المناطق النائية .
9- بناء دور استراحة للعزاب في داخل الشركة وكذلك دور استراحة للموفدين الى الشركة في كركوك والموفدين من منتسبي الشركة الى محطات الضخ ضمن لواء الانبار والموصل وتوفير المطاعم ومراكز الترفيه والسينما .
10- بناء مراكز ترفيهية (نوادي اجتماعية) للمنتسبين وعوائلهم وحسب المستوى الوظيفي الاول في منطقة بابا وفيه ملعب غولف ومسبح وساحات رياضية لكرة القدم والسلة والطائرة للدرجات الوظيفية الاولى والكادر الوسطي في منطقة عرفة والعمال والمستخدمين في داخل مركز كركوك وبنفس ما تتوفر في اولا من مسابح وعروض سينمائية في الاسبوع مرتان لاحدث الافلام كما تتوفر في جيع هذه المراكز مكتبات للقراءة والاستعارة .
11- اصدار مجلة شهرية مجلة العاملين في النفط توزع مع الراتب وكان يرأس تحريرها الاعلامي المعروف جيرا ابراهيم جيرا كما تقوم الشركة بتوزيع سجل للمذكرات سنوي مع مذكرة جيب صغيرة للملاحظات والتاريخ .
12- قامت الشركة ببناء مطاعم بسعر مدعوم ووجبات غذاء في مناطق العمل متوفر فيها كافة الشروط الصحية وتقدم وجبات الطعام بمختلف انواعه بموجب جدول أسبوعي لكافة المطاعم التي يبلغ عددها بحدود 14 مطعم (كنتين) في داخل مقر الشركة في كركوك ومناطق العمل في الداخل والخارج وباشراف طبي ورقابة وادارة مباشرة من قبل الشركة
وهذا نزر يسير خزنته ذاكرتي وكل الخدمات اصبحت من الماضي وانتهت معظمها ولم يبق منها سوى اقل من 10% وبدأت بالانقراض تدريجيا بعد عام 1972 م وعلى شكل مراحل كما حصل مع البطاقة التموينية من تقليص في المواد ونسيان وجودها من قبل المواطن واصبحنا نتحسر على الماضي الذي بحت اصواتنا من لعنه ولعن المحتكر والشركات الاحتكارية حيث كان ثمرة التحرر والخلاص من المستعمر التقاتل فيما بيننا والاهات والانين والفزع والخوف والقتل على الهوية والنهب والسلب والآفة الكبرى الفساد المالي والاداري .