23 ديسمبر، 2024 1:31 ص

مِداد في عباب 1 – 14

مِداد في عباب 1 – 14

اذا لم نكتب لنقول جديداً، ونطرح جديداً، ونفتح نوافذ معرفية جديدة، وآفاقاً علمية رحبة لقراءنا، اذا لم يكن حافز الكتابة ان ننير آفاقاً ضبابية داكنة، او نوقظ افكاراً يكاد النعاس يأخذها ويقضي على نضرتها وجدتها وفعلها في النفوس.. فلماذا نكتب؟ هذا الهاجس يراودني باستمرار، لا يقتصر عليّ وحدي بل على اخواني من حملة القلم، فان سعادة حمل القلم بأمانة وطهر ونقاء لا تعادلها سعادة على الارض.
وأقول، رداً على الاستفهام الذي صار وقراً في اذني، الافضل اذا لم نكن مجددين ومحدثين، ان تصدر مساحة كتاباتنا خاوية بيضاء من ان نعتبر انفسنا ملزمين بملئها ولو بفراغ يغطي المساحة ولكن بلا عمق ولا نكهة ولا محتوى.
ان لذة الطرح الرائد، نشوة الحالمين بامداء بعيدة لا تدرك تخومها، انه تحقيق ذاتنا المهنية والادبية على مستوى يعز نظيره.
تأمل، ان تفرض علينا، انت (القارئ) وانا (الكاتب) مواضيع رتيبة لا تثير انفعالاً، ولا تحرك دهشة، تأمل، كم يبلغ مدى التعاسة عندنا، كم نشعر اننا عبيد وتافهون واغبياء.
ان حرية التفكير وأتيان النتاج الكتابي الخلاق الحديث غير المنقول ولا الكاسد ولا المألوف، هي من الهناءات التي خلقها المولى عز وجل، لتكون فردوسنا الارضي وجنة عدن لعقلنا وفكرنا، ثم الغذاء الخالد الذي به نقتات دون ان نرتوي، ولعلها تلك حكمة النهم الدائم الذي نحياه ونسعد بأن يتعاظم فينا الجوع الى الابد. لهذا الشعور دون غيره نعيش نحن حملة القلم.
-2-
تعثرنا، تاهت خطانا، تناثرت اشلاؤنا عند مفارق الطرق، انقضت علينا الضباع تأكل بقايانا، والايام تغرس انيابها في لحمنا.
اغتالتنا الحياة، سخرت منا، ضحكت ملء الاشداق، انتصرت علينا، فكيف نواجهها:
بهزيمتنا، بفشلنا، بضعفنا، بانكسارنا..؟
كيف نهرب منها وحصارها يمتد حولنا كألسنة اللهب؟
اين نهرب؟ في زمن بات فيه الهروب مستحيلاً؟
صهرتنا المعاناة، صبتنا في قوالب جديدة.
تغيرت ملامحنا، صار لنا ألف وجه، وألف قناع.. تعبنا، صرخنا، ضاعت اصواتنا في زمن الصمت.
ذبلت اوراقنا، فرت احلامنا مذعورة .
اشباح الخوف تطاردنا، والحزن يعربد فينا.. وانا وانت، طائران يذبحهما الألم. دموعنا تجري، والعمر يمضي، يحمل جراح الزمن وحقائب الندم.
-3-
ان وجود طوائف مسيحية في عراقنا او في عموم وطننا العربي، يعزى الى ان الاسلام حين بدأ ينتشر لم يطلب ولم يلزم سكان البلاد المفتوحة باعتناق الاسلام، لماذا؟ لسبب بسيط، هو ان الاسلام لم يطرح نفسه نقيضاً للمسيحية. الاسلام هو الدين الوحيد الذي لم يترك نبياً من الانبياء الا وذكره. الاسلام يعبر عن سماحة هي سماحة النفس العربية. من هنا، فأن الاسلام تتويج للتطور الروحي في الارض العربية التي شهدت ولادة الديانات السماوية كلها.
المسيحية موجودة في الاسلام والعكس صحيح ايضاً. المسيحي الحقيقي لا يمكن ان يشعر بتناقض في داخله بين الديانتين، اذ ان الواحدة تكمل الاخرى. والامر نفسه ينطبق على المسلم الحقيقي.
لا ينبغي ان نغفل امراً آخر: ان كون المسيحيين هم مسيحيون اليوم، يعزى الى ايمانهم وتمسكهم بدينهم، وهذا يعبر عن استعداد نضالي قوي في الروح العربية.
المسيحية في الوطن العربي، هي مسيحية عربية، اذن، انه أمر طبيعي ان تكون الثقافة الدينية جزءاً من تكوين الثقافة القومية، لانها ثقافة حب وسمو، وتسامح.. اننا نشعر جميعاً مسلمين ومسيحيين.. وبهذا النسب الرحمي الرحماني، بصرف النظر عن الانتماء الديني.
-4-
في علوم الطب أعادة التأهيل او فترة النقاهة، مصطلح تمكن ترجمته بــ (الالم الوهمي) او (الالم الشبحي). وهو حالة تصيب المريض الذي تبتر ساقه بعد اشهر او سنوات من الآلام المبرحة.
يستيقظ مبتور الساق كل صباح ولسنوات طويلة، ولا يهم فقط بالسير وكأن ساقه لم تبتر بل يشعر بنفس الآلام التي كانت تداهمه كل صباح قبل بتر الساق.
ان عراقنا اليوم قد بتر منذ 9/ نيسان/ 2003، وما زال العراقيون يعيشون فترة (الالم الشبحي) الذي يشعرون به كلما استيقظوا في نهاية جولة من جولات التدمير الجهنمي، متوهمين ان الوطن مازال هناك.
واذا كانت اوهام الفرد المبتور الساق تستمر بضعة لحظات كل صباح، فهي لدى الجماعة المبتورة الوطن، تستمر سنوات.
والعراقي الحصيف حسب الرؤية الابوكاليبسية وغير البعيدة عن الواقع، هو الذي يُركَبّ وطناً خشبياً ويستأنف حياته بالتعايش الواقعي والمنطقي مع عاهته.
ومن خصوصيات التعددية العراقية، ان الساق السنية لا يبترها الا منشار سني. والساق الشيعية لا يبترها الا منشار شيعي.. الى آخر المنشرة الطوائفية.
والوطن العراقي يجتاحه الفيروس (الاجنبي/ الاعجمي) ولا يبتره الا (منشار) عراقي.
وفي ظل هذه (المناشر)، هل يمكن اهمال ما نقوله؟
* ابو كاليبس- يونانية، تعني الكشف عن الغيب، رفع الغطاء، نهاية العالم.
-5-
في دهاليز دولتي، سرقوا حقيبتي، وبها كل الحقائق والادلة عن قضيتي.
فمن ذا الذي يريد ان يسرق حقيبتي ليطمس حقيقتي، وبها عمري وتاريخي؟!
لا الجوامع مسحت لي دمعتي
ولا المقاهي اعادت لي بسمتي
ولا المطاعم فتحت لي شهيتي
وهناك من ينشر اوصافي، ويعلن عن فقد جثتي
ما مت بعد، ولا فقدت هويتي، ولكن في دهاليز دولتي، سرقوا حقيبتي، وبها كل الحقائق والادلة عن قضيتي.
لي اهل واحباب، ينتظرون ويرجون عودتي
كيف اعود
وكيف اثبت هويتي
ودهاليز دولتي تؤجل عودتي؟!
-6-
تواجه انساننا العراقي اليوم ظروف قاهرة وشائكة واشكالات مختلفة ومعقدة لا احسب اننا اذا قلنا انها ميزته واعطته معاناة خاصة. هذه الاشكالات ما هي الا صور متعددة لحقيقة الوجود الاجنبي الاعجمي بين ظهرانينا، فوجوده يشكل مشكلة الانسان العراقي، ونتيجة منطقية يترتب عليها تفككه وتقهقره، فأنساننا يعاني من تخلف مروع في القيم والعلاقات التي تسود مجتمعه وتحكم سلوكه وتصرفاته، ومن تصوره لفهم طبيعة المرحلة التي يجتازها، وهو يعاني من انفصام بين شخصيته المهزوزة في واقعه الراهن والشخصية المثال التي ارتسمت في مطامحه، ومن الهوة الواسعة بين واقعه المتخلف المنحل ومدى امكاناته التي وضعها استعداداً لتجاوز هذا الواقع، وصولاً الى تحقيق شخصيته.
ان على انساننا العراقي المثقل بتركه من المعضلات التي ورثها عبر قرون التخلف، مع خطورة الاهداف التي يطمح لتحقيقها.. ان ينطلق من الموقف الايجابي السليم للانتماء، في فهمنا ليس ترفاً فكرياً ولا انسياقاً وراء مظهر حضاري عصري، انما هو بالنسبة لانساننا العراقي المعاصر ضرورة ملحة لا غنى له عنها، فهو غير مخير في الحقيقة بين ان ينتمي او لا ينتمي، انه مخير بين ان يكون او لا يكون، فهو اما ان ينهض بهذه الاعباء الجسام او يتخلى عنها الى جيل غيره اجدر بها واقدر عليها، ويترك ميدان المعركة ليعيش حياة العزلة والانسحاق.
من هذا الفهم يتحدد نوع الانتماء الذي يريده، وبمعنى اصبح، نوع الانتماء المفروض عليه، فلسنا مخيرين بين اشكال مختلفة كثيرة للانتماء، فأما ان تنتمي بشكل اصيل وثوري او لا تنتمي على الاطلاق.
ان الانتماء الاصيل يفرض علينا ان ننطلق من انفسنا، وان نوثق علاقتنا بها. ان مهمتنا الحقيقية تنحصر في ان نشق طريقنا عبر كل رواسب التخلف لنصل الى جوهرنا الصافي النقي، وننشد هذا الجوهر طارحين عنا كل اشكال الزيف وانواع العلاقات التقليدية المتخلفة.
فلكي يكون انتماؤنا ثورياً واصيلاً، ينبغي اولاً ان نقطع صلتنا بكل الولاءات والعرقيات وغيرها.. من القيم التي تجاوزها التاريخ وحكم على بدائيتها او تخلفها، وبذلك نكون قد حققنا خطوة هامة على طريق الظفر.
-7-
عندما يكون كرسي المنصب أكبر من صاحبه تكون هناك مشكلة كبيرة وصعبة، اذ ان ذلك يعني وجود خلل واضطراب في تصريف امور العمل. فكيف يدير الكرسي من هو اضعف حالاً منه؟ وكيف يتحرك عليه من لا يعرف نوعية الكرسي واسلوب التعامل معه؟
ان الصورة الكاريكاتيرية ترسم الكرسي فوق صاحبه احياناً، وفي احيان تجعل الكرسي في اوضاع لا تتناسب مع صاحبه، وهذا الامر ينطبق على من يعطي او يصل الى منصب قيادي لا يقدر ان يدير شؤونه او لا يعرف فن معاملة الناس سواء العاملون معه مباشرة او خارج دائرة كرسيه.
ننصح هؤلاء: ان يتعرفوا اولاً على نوعية الكرسي وحجمه والطريقة المثلى للجلوس والوقت المناسب للنهوض منه، وألا تعثرت مسيرتهم القيادية في الشؤون الادارية والتنظيمية.. والبلاء اولاً وآخراً لنا نحن العامة وبالتالي الوطن العزيز.
-8-
نعلم جميعاً اهمية العلم في حياتنا وكذلك في معركتنا مع اعدائنا، ولكننا نلاحظ وبكثرة في بعض مواد العرض الدرامي- تلفزيوني، سينما.. ان اصحاب الشهادات يعيشون كالمتسولين، وان معظم الذين يعملون بالمهن الحرة والحرف.. هم الذين يعيشون في رغد وفي نعيم من العيش.
ونلاحظ في هذه المواد سواء المسلسلات او الافلام، ان البطل المتعلم المثقف حامل الشهادة الجامعية، لا يتزوج من يحبها بل انها تتزوج صاحب الحرفة الأمي، مما يعطي تأثيراً مباشراً على عقول الشباب المراهقين ويصبح في حكم المؤكد لديهم ان الشهادات ليست هي مفتاح المستقبل وانها فقط عبارة عن ورقة كارتون صقيلة تؤطر كأي لوحة فنية عادية- للفخفخة- امام الناس وانه لن يصل الى آماله وطموحاته الا اذا سلك طرقاً ملتوية واساليباً غير مشروعة لكي يحصل على ما يريد وهو ما يسمونه في هذه الاعمال بالشيطنة/ الفهلوة، وتفتيح المخ، فاذا كانت هذه حالات من واقع صعب فرضته ظروف السياسات الجائرة والغبية ، فانه يجب ان لا تقدمها بهذه الطريقة البائسة حتى لا تغدو هذه النظرة المريضة مثلاً يحتذى به شبابنا، فيسقط بذلك العلم وتصبح الثقافة عالة يسعى صاحبها للتخلص منها لانها سبب فقره وبؤسه.
ان الاشياء الطارئة والمفاهيم العارضة مجرد زبد يذهب جفاء واما ما ينفع المجتمع والوطن فيمكث في السلوك الحضاري والمواطنة.. والنصر اولاً واخيراً للعلم والثقافة ولو كره الاميون وبعض المنتجين والمخرجين ذلك.
-9-
هل اصبح المثقف العراقي تاجراً؟
وهل تخلت الثقافة العراقية عن جوهرها التحريري لوعي المجتمع ورسالتها التنويرية لعقل المواطن وقلبه وروحه؟
وهل تحول رجل الثقافة صاحب الفكر والقلم الى بائع متجول يعرض بضاعته على ارصفة المال العربي ويبيعها لمن يدفع الثمن الاعلى؟
مأساة! حقيقية انها لمأساة!
فمنذ عقود قليلة من السنين كانت الكتابة تشبه التصوف، وكان الكتّاب والمفكرون يغتربون في صورتهم وفي سلوكهم وفي انماط حياتهم من اصحاب الدعوات والرسالات والنضالات الكبرى في تاريخ البشرية..
اما اليوم، فلقد باتت الكتابة لدى البعض مهنة سهلة لا تحتاج الى مشقة او معاناة، وغدا بعض الكتاب واصحاب الاقلام أشبه بأصحاب مكاتب الاستيراد والتصدير الذين تعج بهم شوارع بغداد في عصر الانحطاط والسقوط الاخلاقي.
-10-
اذا اردت ان تعرف حقيقة شخص– اي شخص- اغضبه، نعم، اغضبه. طريقة ناجحة لكشف زيف النفوس من اصالتها، اهتدى اليها اسلافنا عبر تجاربهم الطويلة حتى لخصوها بهذه المقولة التي اتخذت معياراً لمعرفة مكنون النفوس بعد ان اخفى التصنع والادعاء ومحاولات التزييف والتزويق معالم الشخصية الحقة.
فالغضب للنفوس كالبركان للارض، ثورة داخلية ورجة عنيفة تسقط كل لصيق وتدفع للوجه ما استكن اصيلاً في الاعماق، خبثاً كان او معادن اصيلة.
وثمة اسلوب جديد قدمه المختصون بالبحث عن خبايا الشخصية وهواة سبر النفوس. سريع التأثير، صادق النتيجة، لا تخطئه اذن ولا يعمى على بصر، تنهار امامه كل جدران الطلاءات المموهة ووسائل التجميل وديكورات النفوس المريضة.. وهو اذا اردت ان تعرف حقيقة انسان، فسلمه منصباً، فان كريم النفس، نبيل الخصال، وجد في المنصب مجالاً لاثبات خصاله وتأكيد نبله، يدنيه منصبه من الناس، يحسن الى المحسن ويتجاوز عن المقصر، يرشد ويوحي، صوت الفعل عنده اقوى من صوت القول، أب لمرؤوسيه، صديق لرؤسائه.
اما الهجين في المضمار، فيعلو صوته ويخبو فعله، يفهم المنصب على انه وسيلة لتعويض نقص، يحسب انه الوحيد الذي خلق له كرسي وراء مكتب. فكم عقدته المكاتب بانحناءاته الذليلة امامها.. فرصة سانحة للتشفي واثبات الذات.
قصرت ذراعه عن العطاء، فأمتدت وطالت في الاساءة، طاووس في مكتبه، يضحك من نفسه، ويضحك الآخرون من ضحكه، وأكثر ما يضحك ان لم يكن يبكي.
ازدواجية سلوكه.. قط متمسح لرؤوسائه، طاووس ينشر ذيله امام مرؤوسيه، يخطو وكأن الاذن ما خلقت الالتسمع وقع خطاه، يشغل نفسه بالتوافه، ويتعامى عن سواها، يؤذيه ان تسير الامور سيرها الطبيعي، يتدخل فتتعقد الامور فيلمس لنفسه اثراً ويرتاح.
مسكينة تلك النفوس التي ترتاح بالاذى، ما اجدرها بالرحمة لا الكراهية.
-11-
ان اي عنصر وظيفي يسهم في رفعة المؤسسة العامل فيها وينمي دخلها، ينعكس ايجاباً على بقية الموظفين، ويعزز اوضاعهم المعيشية، وان ليس من المنطق في شيء ان يدعو احد الى توظيف الفاشلين اختصاراً للنفقات، لأن الفاشلين لا يجلبون الا الفشل، وليس ذلك عنصر النجاح والنهوض بالمؤسسة.
كذلك، ليس عدلاً ان يطلب العاديون معاملتهم على مستوى المتفوقين، فالخلق كان درجات، والمساواة لا تكون بين عباقرة وتافهين، بل بين انداد متعادلين في القدرة والكفاية، فعلى الارض كثير من الناس تظلمهم المساواة وينصفهم التمييز.
ان العبقرية والتفوق لا يجوز ان نبادرهما بالحسد وبالرغبة غير المبررة في ان نوازيهما ولو تعسفاً ودون وجه حق.
ان هناك حدود لكل أمر او مطلب، وعقلاً اعطانا الله إياه ليحلل ويرشدنا الى الصواب لا الى الجهالة والبلادة والغرور.
مطالب عادلة؟
نعم، لكن بمحاذاتها رفض كبير لكل تنطح اجوف وغبي.
-12-
ان وهن حركة الترجمة، له علاقة بانكسار مشروع النهضة الحضاري الذي بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، بشكل خاص له علاقة بالنظر الى الآخر.
هل من الضروري معرفة الآخر كما هو ام لا؟
هل يشكل الآخر اضافة للأنا ام نفياً لها؟
وهل العلاقة حدية تناقضية على هذا النحو ام ثمة ابعاد لدى الآخر يمكن الاستفادة منها؟ بمعنى: ان الآخر ينطوي على العديد من العناصر في نفس الوقت دون ان يختصر الى عنصر واحد هو العدو.
على سبيل المثال: هل ثقافات الآخر تقف من وجهة نظرنا موقف الند لثقافتنا؟ هل تملك شرعيتها التاريخية كما تمتلكها ثقافاتنا؟
الى هذه الاسئلة.. فالعلاقة مع الاخر هي جذر الترجمة.
-13-
سبب انحسار حركة الترجمة عندنا في العراق، هو انها لم تعد نشاطاً يدر عائداً له الحد الادنى من الكرامة، وهذا مؤشر وبرهان على انحدار قيمة الثقافة عن ذي قبل.
لهذا، فلن نجد احداً من المترجمين يعكف على عمل كبير يستغرق منه كذا شهر لترجمته، الا اذا كان من الفدائيين او ممن ينتظرون..
-14-
ما اضيق العيش لولا فسحة الامل.
جزيئة من الشعر المقفى والموزون تستقر هذه الايام في قلبي المعذب، ووجداني المصلوب على اعواد المحنة.
جزئية من الشعر، اجد فيها نفسي او اجدها في نفسي كلما حاولت فعلاً او سمعت خبراً او رأيت منظراً عاماً او موقفاً سياسياً فخرياً.
اعترف، انني كثيراً ما أقف امام جدار مسدود هائل الارتفاع والاتساع يحول بيني وبين الحركة الطبيعية للانسان الموصوف بأنه حيوان سياسي.
اعترف انني مكون بشعورين متناقضين، مرتهن لحالتين متعاكستين. فالقرف السياسي حولني الى (صَدَفَة) فارغة او جثة خامدة او كتلة باردة هامدة.
اعماقي ملاعب للخيبة والمرارة والاحباط، ولكن القلب مازال مسافراً في مساحات الامل، والثقة والتفاؤل الغيبي الأخضر.
الواقع الرسمي العراقي مغموس من قمة قدمه الى اخمص رأسه في وعاء الآسن، ضائع بين رمال اليأس، محمل الاثمار والازهار، ولكني مازلت اراهن على بزوغ الفجر الجماهيري وطلوع الحقيقة الوطنية، وسطوع شمس الشخصية الوطنية، وتعملق شجرة ديننا الاسلام باعتباره رسالتنا الخالدة..
اعترف انني لا امارس ذاتي الا بالنقد، ولا اجد مكاني الا في صفوف المعارضة لكل الحكومات المتعاقبة والمؤسسات والتنظيمات التابعة لها.. رغم انني لست خارجها او خارجاً عليها بل لعلي مشدود اليها بجبل سري يشبه ارتباط الاجنة بالارقام.
اعترف، انني اعشق التطرف رغم انتمائي لزمن الاعتدال، وأخص على الفعل رغم كوني رهين الانفعال، وادعو للمبادرة والمباشرة والاقتحام رغم انني قابع وسط خميلة السكون، جالس فوق اريكة السلبية.
رغم ان كلماتي قد فقدت وحشيتها واضاعت الانياب والمخالب والاوتار الصوتية، الا انني مازلت اعاقر الكتابة تحت مظلة الادعاء بالرغبة في ايقاظ النائمين وتبديد غبار الكسل والاحباط الذي تكدس وتكلس فوق الملامح النضالية الشعبية وجبين القمر العراقي.
اعترف، انني اكتب بحد الحزن ومداد الاسى وريشة القهر، ولكنني ازعم ان هدفي ليس ترسيب الاحزان في الاعماق او تخصيب العملية المأساوية في النفوس، بل تفجير الاحزان وتأجيج الصدور ونسف الحالة السوداوية التي تهيمن على ملايين العراقيين وكذلك العرب.
اعترف اخيراً، ان الحروف الربانية بالرومانسية التي اشتلها في حدائق الصحف والمواقع الالكترونية.. ليست اكثر من اصداء وانداء قد تعين على الصمود ولكنها لن تنال شرف المساهمة في التحرير الوطني.. فالوحدة الوطنية هي جسر العودة والعزيمة العراقية المسلحة، هي اداة السيادة والاستقلالية، والبندقية وليس القلم، هي الناطق الرسمي باسم الطموح العراقي.
[email protected]