23 ديسمبر، 2024 12:08 ص

مُلْهِمْ ..في ذاكرة الزمن البعيد القريب

مُلْهِمْ ..في ذاكرة الزمن البعيد القريب

تحدث في دائرة الحياة حكايات تشكل بالنسبة للبعض خارطة من صور جميلة وأحياناً حزينة يكون لها وقع مؤثر في حياة الفرد الذي ألقت عليه تلك ألأحداث. من بين تلك الصور التي حملتني الى سنوات بعيدة ربما تصل الى أكثر من ثلاثين عاماً خلت. صورة الصديق العزيز وألأخ – الذي لم تلده لي أمي- إنه ملهم الملائكة. كان لقائي ألأول معه في سنوات الدراسة الجامعية وبالتحديد في كلية ألآداب – قسم اللغة ألأنكليزية. كان يتقدم علي بسنة أو سنتين لكن العلاقة التي ربطتني به عن طريق المصادفة تجعله من أعز ألأصدقاء الذين رسمهم التاريخ في دائرة العلاقات ألأنسانية بلا إستثناء. كان هذا ألأخ أو الصديق ينتمي الى عائلة من ألأدب والشعر والبحوث في كافة المجالات العلمية ألأدبية. 
على الرغم من أنه لم يكن قد تخرج من الكلية إلا أن معلوماته في مجالات ألأدب والشعر والنثر لاتتوقف عند حد معين لدرجة أننا كنا نعتبره – المعلم الحقيقي وليس الطالب الذي لم يكمل الدراسة بعد . من بين ألأشياء التي كنا نتجادل عليها بيت من الشعر لشاعر إنكليزي مشهور هو ” ..الفريد لورد تينيسون ” يحمل نفس عنوان القصيدة – وكنت أحفظ البيت عن ظهر قلبي وأردده أمامه لدرجة أنه يضحك علي بصوت مرتفع . ” كنتُ أتباهى أمامه لكنه لايجرح شخص أمامه مهما كان قد سبب له ذلك الشخص من إزعاج . كنا نختلف عن معنى وترجمة هذا البيت. كنتُ مطمئن مئة في المئة الى ترجمتهِ الدقيقة لكنني مع هذا أصر على المعنى الذي أترجمه أنا كي أثبت له أنني أفهم المعنى بصورة دقيقة. الغريب أنني ذهبت الى مدرس المادة إستاذ – فائز- وحينما طلبت منه ترجمة البيت الشعري أخبرني بأنه يحتاج الى وقت للتفكير بأيجاد معنى دقيق لذلك البيت ولاأعرف إذا كان يقول الحقيقة أم أنه أراد الهروب مني ومن إلحاحي الشديد. حينما أخبرت ملهم من أن الترجمة يمكن أن تكون – تتهاوى العظمة فوق جدران القلعة – أصر هو على أن الترجمة هي – ألألق يسقط فوق جدران القلعة أو يتساقط فوق جدران القلعة – في داخلي إقتنعتُ بترجمتة ولكنني ومن أجل كبرياء الشباب في ذلك الوقت أصريت على ترجمتي. الغريب في ألأمر أنني بعد أكثر من ثلاثين عاماً أعود لأستخدم ترجمة ملهم وليس ترجمتي في مقالي هذا – ألألق يسقط أو يتساقط فوق جدران القلعة – السبب الذي دفعني هذا اليوم لأستذكار صديقي وتلك القصيدة هو المقال الرائع الذي كتبه ملهم في موقع قنطرة وإطلعت عليه بالصدفة هذا اليوم وكان المقال يتحدث عن رحلة صديقي الى الفاتيكان – الموضوع باللغة ألأنكليزية- وهو موضوع أنيق جدا . 
حينما إتصلت به بعد قراءة الموضوع وهنأته على جدارته في صياغة الموضوع قال لي بالحرف الواحد كلمات هزت مشاعري ” ..هل تعرف ياثامر..حينما وقفت في وسط ذلك البناء العملاق المقدس الرائع تخيلتك ترفرف فوقه وتصرخ باعلى صوتك – ألألق يتساقط فوق جدران القلعة –وكأن العالم كان قد توقف ينصت الى صوتك الجميل ..إنه شعور غريب سيطر علي في تلك اللحظة وتمنيت لو أننا نلتقي يوماً ما كي نقبل بعضنا البعض ونستذكر سنوات الشباب التي مرت بلا عودة..حقا أنه لشعور كبير وغريب “. كنتُ يائسا في تلك اللحظة إلا أن كلماته أعادت لي أكسيراً من الحياة . طبعاً كان موضوع صديقي يرسم صورة دقيقة لما شاهده هناك والشيء الذي لفت إنتباهه هو على الرغم من أن المكان مقدس خاص بالمسيحيين ويفترض أن لايدخله إلا من كان مسيحياً إلا أن القائمون على ذلك المكان كانوا متسامحين جداً في السماح لكل ألأديان بالدخول والتجوال في كل زاوية من زواياه . شاهد نساء مسلمات من بلدان مختلفة سافرات وتحدث معهن فيما إذا كان المسؤول عن المكان قد سأل الزائرين عن جنسيتهم أو عن عدم إرتدائهن الحجاب أو لنقل ملابس محتشمة نوعاً ما حسب المفهوم الديني السائد في العالم ألأسلامي. قالت إحداهن بأنها لم تواجه أي إعتراض من قبل المسؤول كونها مسلمة أو عن عدم إرتدائها الملابس المحتشمة جدا. هنا يتسائل الكاتب عن سبب عدم السماح للسائح ألأجنبي من الدخول الى ألأضرحة المقدسة أو أماكن العبادة لدى المسلمين في بلدنا – أو هذا مافهمته من القراءة الدقيقة لموضوع المقال . هنا أتوقف قليلاً وأحاول أن أعترض على هذا المفهوم الذي ربما يعتقده الكاتب من أن التعاليم ألأسلامية في بلدنا تقف حجر عثرة في طريق السائح غير المسلم وبالذات النساء إذا كُنَّ غير مرتديات ملابس خاصة لدخول تلك ألأماكن المقدسة . بسب الثقافة الغربية الدقيقة التي عاشها صديقي في أوروبا – ربما تأثر بالعالم الغربي هناك وتحول تفكيره الى تفكير خاص ربما أجده أنا في العراق لايصلح تماما لمجتمعنا المحافظ جدا. التعاليم ألأسلامية – الحقيقية – وليس السياسية أو إسلام المصلحة إن صح التعبير تفرض شروط دقيقة لايمكن التهاون فيها في بعض الحالات سواء كانت ضد السائح ألأجنبي أو غير المسلم من الدول العربية. هنا لايمكن أن تدخل إمراة بلا حجاب أو عباءة في أي مكان مقدس وعلى شرط أن تكون مسلمة لأن القائمون على ذلك المكان يؤمنون أن غير المسلم أو المسلمة هم أنجاس من الناحية الروحية وليس الجسدية وأقصد ألأنجاس الذين لم يتطهروا بالشهادة ألأسلامية المعروفة وبذلك فأن دخولهم الى ذلك المكان يعتبر نوع من إنتهاك للقدسية الدينية التي تحملها تلك البقعة المقدسة. حينما كنت مرافقاً للصحفيين ألأجانب في الثمانينات كنت أعاني كثيرا من هذه الحالة لأن أغلب الصحفيين ألأجانب يريدون – ضمن برنامجهم الصحفي زيارة كافة ألأضرحة المقدسة ومشاهدة ماذا يجري قرب قبر الضريح المقدس. إذا كانوا من الرجال يسمح لهم بالتجوال داخل باحة الضريح دون الدخول الى القبر الداخلي كما يحدث لنا نحن المسلمون.. أما إذا كانت إمرأة فيجب علي تحضير عباءة إسلامية لها كي تدخل باحة الضريح ولايسمح لها مطلقا إذا كانت سافرة. أنا شخصياً لم أجد نص قرآني يمنع تلك النسوة من الدخول فيما إذا كنَّ غير محجبات. هل هو إجتهاد من قبل المسؤول الديني عن ذلك المكان أم أن هناك سبب آخر. أنا لاأعرف إذا كان صديقي يوافقني الرأي أم لا ولكن هذا هو واقع الحال في بلدنا . 
بالنسبة لبلدان الغرب لديهم مفهوم آخر يختلف تماما عن مفاهيمنا – هم يعتبرون ألأمر مجرد مكان سياحي يمكن أن يطلع عليه ألآخرون من كافة ألأديان وهذا لن يشكل أي خطر على دينهم. أما في عالمنا ألأسلامي وبالتحديد في العراق فأن ألأمر يختلف تماما لأن المراة العراقية لايمكن أن يسمح لها أن تدخل الى تلك ألأماكن إذا كانت سافرة. نحن ننظر الى أن المرأة – عورة- ووجودها سافرة أو في ملابس غير لائقة سيؤدي الى تدنيس المكان المقدس . حول ها الموضوع سألت الدكتورة شروق عن رأيها في هذا الموضوع – أقصد موضوع دخول النساء غير المحجبات أو غير المسلمات فقالت ” ..لماذا يذهب المسلمون الى الفاتيكان؟ وهل يدخل مسيحي مثلاً جامعاً؟ القائمون على هذه ألأماكن هم من يحددوا هذه القوانين والتعليمات فمثلاً في الجوامع وألأضرحة نجد المراقبين هم من يمنعون دخول السافرات لذلك أصبح روتين متعارف عليه إرتداء الحجاب أثناء الزيارات ولم يفعل القائمون على المقدسات المسيحية بمعنى أنهم لم يحددوا تعليمات وإستثناءات لمن يرتاد هذه ألأماكن. غير المسلمة إذا كانت غير مطلعة على ألأسلام وليس لديها تقبل للدين ألآخر ستجد صعوبة في دخول هذه ألأماكن ولكن لاضير من دخولها من باب السياحة ومعرفة بعض الشيء. لو كنتُ صاحب قرار لاأمنع أحداً من دخول المقدسات ألأسلامية على أي دين, كلها بيوت الله والله موجود حيثما وليت وجهك . الفاتيكان لو اشترط على المسلمات لبس الحجاب في الدخول لفعلن ذلك المفروض الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة أن يحترم قوانين المكان الذي يدخله واذا تعارض مع مفاهيمه الأجدر لا يدخل . 
العهر ليس دائما في كشف العورات بل كثيرا ما يكون في الفكر. والله حلال أو حرام هذا صعب رأيي انه ليس حراما إطلاقا ولكن الشارع اكيد سوف ينقسم بين مؤيد و مناهض و كيف سيعرف القائمون على الأماكن الإسلامية ديانة كل شخص يدخل؟ تدخل المسيحية بحجاب ولا أحد يعلم ديانتها . انا دخلت مرة إلى كنيسة ولم يحدث شيى. حتى العاهرات لديهن ساعات لقاء مع الرب و من حقها على الجميع احترام ذلك ما دامت لا تفسد إلا نفسها .أقصد أن لا تسبب ضررا على الآخرين” .