مُلصَق Poster اللُّورد البريطانيّ المُشير Field Marshal Herbert Kitchener (24 حزيران 1850 أيرلندة – 5 حزيران 1916م) القائد الأعلى للجَّيش البريطاني في الحرب العُظمى الاُولى، بشاربه الشَّهير في 5 أيلول 1914م، مُشيراً بإصبعه للرّائي، مع عِبارَة «وَطَنُكَ يحتاجُك Your country needs you!»، قبل التجنيد الإلزامي.
مطلع عام 2018م صدر كتاب الإعلامي العِراقي “ يحي علوان: «مطارد بين… والحدود» عن دار الفارابي، بيروت – لبنان، يقع في 415 صفحة. عناوينه الداخليَّة؛ وجع الذاكرَة، سجرتُ تنوراً غَفَا، رَكبُ الخردل، مُطارَد بين الله والحدود، رحلَة الضَّنى، طهرن- مشهد.
وَطَنُكَ يحتاجُك!..
عبرَ الكاتِب شَماليّ العِراق عبرَ تركيا إلى سوريا بين عامي 1983- 1988م، ليحطّ بهِ النَّوى في الجُّمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة ثمَّ أفغانستان، فيُقرّر: “ إنَّ هذا النصير تعِبٌ ونادِمٌ عن مشاركته في النضال العَصيب”(ص 26).
هي بالتالي ليست كتابةً نادمة على ما فات، بل نصوصاً مفتوحة، صببت فيها شيئاً من نزف الرُّوح وما جفًّ من حبال الحنجرة.. عُصارَة ما جنيته مِن خبرة حياتيَّة مُتواضعة.. أصبتُ فيها حيناً، وأخطأتُ أحياناً.. لا هي روايةٌ ولا قصَّة، لا هي نصٌّ علمي.. بمعنى لا مكان فيه للاستدلال أو التوثيق.. بل هي نصوصٌ أدبيَّة تعرض لـجانب فقط مِن تجربة شخصيَّة، لا تنفي غيرها.. إنها كتابة أدبيَّة، فيها همسٌ وبوحٌ موجوعً، حتى وهي تصرُخ أحياناً! نصوصٌ مُؤثثة بلُغةٍ غير مُستهلكة، لا علاقة لها بلُغةِ Fast Food الثقافي التي تعُجّ بها سوق الكتاب..! بهذه النصوص سأحترقُ راضياً، قنوعاً!.. هي سفرُ تسللي، ستاً مِن العُمرِ (1983-1988)، إلى وطني، ومِنه.. وما استدعاه مِن تداعياتٍ وتهويمات.. تقترب أحاناً مِن أجواء كافكا، حين يكون المرء مُطارَداً، وسط تيه.. لمّا يكون ضعيفاً، معزولاً، تحت رحمة المجهول.. خلَّواً إلّا مِن غريزة النجاة.. فقد انهارت فينا المَرجِعية، التي كانت تؤطّرنا، تنظم العالمَ مِن حولنا، تزوّدنا بموقعٍ وهُويَّة، مقابل ما نتخلى لها عن رأينا الشَّخصي..! تحطَّمَت، وغدا كُلّ مِنا لهُ مَرجِعية لذاته، مِعيارُها الصّدقيَّة.. ذلكَ أنَّ التجربة قد غمرتنا، سحقتنا، فرحنا نمشي على لحم أسناننا، مِمّا لم نتعوَّده مِن قبل”(ص27).
https://kitabat.com/2018/02/03/فريضةُ-الجّهاد-المَرجعيَّة-العِراقي/
ويُتابع: “في هذه النصوص، عندما يحضر المُتكلم بقوَّة، فأنه ليس ضمير المُفرد المُتكلم بالضَّرورَة. مركزيَّة السّارد.. كلامُ يجري فيه التعبير عن الكُل بـ”قاموسٍ ومُفرداتٍ” شخصية.. ذات جديدة مُجربة، لديها ما تقوله عن تجاربها بلغتِها الخاصَّة، غير البائتة”(ص 28). وتحت عُنوان “سجرتُ تنوراً غفا”، كتب: ندري يا صوفي، أنَّ الاستبداد والإرهاب نوّخ الناس.. رضيَت الغالبيَّة بالصَّمت نطقاً واستراحت.. تتشرنق به لتواصل العيش الشَّحيح، في حين أنَّ زُمرة مِن “النخب” باعت نفسها للحاكم لضمان العيش والمنصب!.. ولم يعد ذا قيمة أن يكون المرءُ مُثقفاً مُفكّراً، مُبدِعاً أو عالِماً إلّا إذا كان في خِدمة الحاكم يحرق له البخور!.. وهكذا أضحت القامات مِسخاً، استسهلت أن يكون الرَّأس مَداساً لأقدام الطُّغاة.”(ص 36).
“سأحمل معي، يا صوفي، كما تدري، مجموعةً مِن الكتب والمصادر، أملأ بها حقيبة ظهرٍ كبيرَة.. سيقول ر. أبو محمود (جلال الدّباغ) و ر. أبو حسن (عادل…): الطَّريق صعبة، تنهك حتى البغال.. وأنتم أوَّل مَن سيسلكها.. ما حاجتك لكتب نخشى أن ترميها في الطَّريق مِن شدَّة التعب، فيستدل العدو على الطَّريق الجديد…؟! سأقول لهما أني أحتاج إليها في عملي الإعلامي.. سيسخرون مني”(ص 64).
“نعدك أنا سنسير.. فقد رَوّضنا جُنوح الفتوَّة فينا بما ينسجم مع انضباط عسكريٍّ!.. لن نستريح عندما حملنا وأثقالنا الأرجل تعبا.. ليس مُهمَّاً كم سيطول بنا المسير، وكم عسيراً سيكون.. فلقد حملنا معنا، أيضاً زوّادَةً مِن الحماسة اللّازمة، تُعيننا.. نتقوَّت بها بعض الشَّيء عندما ترتخي أنشوطَة العزيمة!” (ص 37- 38).