عَقدت بالأمس القِمة العربية اجتماعها الدوري الثالث والثلاثون في العاصمة البحرينية المنامة، ونوقِشت خلال الجلسة اجندةً فَرضت نفسها على محاور الاجتماع في مشهدٍ استثنائي كان عنوانه الحرب على غزة للشهر الثامن توالياً وتأزم الأوضاع في السودان وليبيا واليمن وتهديد الأمن الإقليمي وتوترات البحر الأحمر فضلاً عن حثّ الأطراف اللبنانية للتحاور وانتخاب رئيساً للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته.
ليس كما المُعتاد، لم تشهد تلك القِمة سياساتٍ تُفرض، بل شَهِدت سياساتٍ مفروضة، في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الحرجة التي تمر بها الدول العربية، حيث من الملحوظ سابقاً ظهور رؤساء الدول العربية حاملين اجنداتٍ لها اغلفةِ سياسات دولهم محاولين فرضها من خلال كلماتهم التي يلقونها في محفل الجلسة، او على اقل تقدير ترك انطباع مصالحهم إزاء القرارات التي قد تؤخذ على محمل الجد من قبل الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن، ويُستثنى من ذلك العديد من القِمم كانت ذي محاورٍ اقتصرت على الحضور لتمثيل الدول العربية في حُضن (قِمتهم) او (قاعِها).
قد يكون اللفظ هُنا جارح، إلا أنني وددتُ استخدام مُضاد كلمة (قِمة) وهي (قاع)، كعربيٍ لم يجنِ من اجتماعات القِمم العربية سوى التنظير والبيانات الخِتامية المُبهمة، لم نشهد للقمة العربية قراراً عربياً ذا يوم، بل كانت مجمل القِمم ما هي إلا طرحٍ لسياساتٍ او اراءٍ ليخرجوا خِتاماً ببيانٍ يتفقون فيه على ادانةِ موقفٍ ما او الحث على تحريك شيء راكد، لطالما حَلِمَ الشعب العربي بقِممٍ تخرج بموقفٍ صريح يُحرك جيوشاً او على اقل تقدير يتخذ تصعيداً دولياً إزاء كل ما يضر بالوطن العربي، إلا أن هذا لم ولن يتحقق على الرغم من مرورنا بالربيع العربي مطلع عام 2011 ولغاية بدء الخريف العربي خلال هذا الشهر تزامناً مع حل مجلس الامة الكويتي واقصاء امير الكويت لكل من يخالفه الرأي من خلال الملاحقات الجنائية، والامر سيّان لدولٍ قد تتأثر بما تمر بهِ الكويت، فالربيع والخريف فصلان من السَنة وليس هناك ثمة اجراءاتٍ دولية تمنع وقوعهُما سوى الميل نحو مراكز القوى الدولية من خلال التجارة مع الصديقين الحميمين (الصين وروسيا)، او الميل نحو الولايات المتحدة الامريكية وحليفيها الكهلين المملكة المتحدة وفرنسا، والانصياع لهيمنة المُهيمنين على منظمة أوبك.
شهدت القِمة العربية الأخيرة موقفاً مُضاداً للعدوان الإسرائيلي على غزة، واكتفت بالإشارة لضرورة وقف ذلك العدوان ورفع الحِصار عن غزة وإدخال المساعدات الإنسانية كافية لجميع أنحائها، إلا أن القِمة العربية لم تناقش من قبل هل هي مع او ضد عملية طوفان الأقصى، بعدما وضعت حركة حماس القِمة العربية اليوم امام مشهدٍ ليس لها فيه سوى الوقوف موقف المتفرج والمُتحسر على النفوذ الإيراني البارز في دولها، بيد أن عملية احتساب تكافؤ القوى العسكرية ما بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس تنتج ارقاماً مهولة من الضحايا وعددٍ كبير من الدور المهدمة في غزة إزاء ما تضررت بهِ إسرائيل، نظرة المُستاء ستظل على وجوهنا كلما شاهدنا اجتماع قِمةٍ عربية تُعقَد للتنديد فقط في ظل الوضع العربي الراهن، بالأمس (قِمةٌ) عربية او (قاع)، لم يعد الامر يثير اهتمامنا، فالقمة العربية بالأمس لم تكن تملك خيار دخول الحرب او ايقافها لتناقش مستقبل غزة، إلا ان ما يستحق الإشارة والإشادة في ذلك الاجتماع امرين مُهمين:
الامر الأول: ما اثارهُ تصريح الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) خلال اجتماع القِمة مُحملاً حركة حماس مسؤولية الاضرار الناتجة عن هجوم السابع من أكتوبر قائلاً: “أن العملية العسكرية التي نفذتها حماس بقرار منفرد في ذلك اليوم وفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة وتُمعن فيه قتلاً وتدميراً وتهجيراً”، لتصدر حماس بالمُقابل بياناً جاء فيه: “نعرب عن أسفنا لما جاء في كلمة رئيس السلطة الفلسطينية حول عملية طوفان الأقصى البطولية ومسار المصالحة الداخلية ونؤكد أن العدو الصهيوني لا ينتظر الذرائع لارتكاب جرائمه بحق شعبنا”، لتقف القِمة العربية وكلمتها الافتتاحية وكلمات رؤساء كل الدول العربية موقفِ الحياد، فالمُعارض لما تقوم بهِ حماس يُعَد من الشِرك بالله وتقويضاً للأعمال الجهادية التي يقرها الشرع الإسلامي ضد اليهود، أما المؤيد لها فيُعَد مُتودداً للنظام الإيراني وايديولوجية حربهِ مع من يُعادي برنامجهِ النووي المزعوم.
أما الامر الثاني: فقد شهدت القِمة العربية المُنعقدة يوم أمس إفاقة جميع رؤساء الدول خلال ساعات الاجتماع على عكس الاجتماعات المنصرمة، حيث كان من الضروري ان يضُم البيان الختامي لاجتماع القِمة بنداً صريحاً يُكتب فيه: “لم ينم احد”