23 ديسمبر، 2024 1:53 م

مُجرد أرقام … في روح الأثيّر وفي صَدى النُحاس

مُجرد أرقام … في روح الأثيّر وفي صَدى النُحاس

دائما أقول بإمكاني أن أُعيد ترتيب الأرقام وهي تتسلقُ بعضَها البعض ولاتنتهي ،وحين أبدأ وأحاول تأخذني لمكانٍ أخر أرقام تُركت وحدها في ذاكرتي كأن تكون رقما لباص ، رقما لدار رقما لصفحة في كتاب رقما لمقعدٍ جلسَ عليه من أنتبه لي ورحل ، لذلك لم أوّفق يوما في إيصال تلك الأرقام السالفة بعضها لبعض .. مرات أهذي في نومي بأرقام تكون مخرجاتها ذات معنى ، أرقام لها علاقة بالفاقة وبالفواجع وأكثرها لها علاقة بالموت ، منذ زيارتي قبل عشرين عاما لمقبرة الأرمن الكاثوليك وأنا أحفر بذاكرتي تسلسل تلك البلاطات المرمرية الصغيرة وذلك الكم من النباتات التي حملت أنواعا من الأزهار . كان بودي أن أعبث بشئ أخر ، أن أنسى ساحة الطيران لكي يساعدني ذلك على أن أنسى مقابر العالم لكن لا سبيل فطريقي اليومي يمر عبرها وكذا مرت طفولتي ومراهقتي

والجزء الأول من شبابي وحين أعتدلت أمام رموز أخرى وجدت أنني أفسر كُلَ شئ بمفهوم لايحيد عن مفهوم الرياضيات بدءا من مقتنيات هذا العلم من الضرب والقسمة والجمع والطرح وأشلاء المربعات والمكعبات واللوغاريتمات فأجد كل مرة أن الإلتصاق بهذه الصفة سيكون مجرد هراء وهو فعلا هراء كلما تحدثت به أمام زملاء لي تجمعني طاولة كل ليلة معهم وأمامي وهم كل ليلة يُنّكِتونَ عن أرقام عيون القطط التي تنهش المزات من الصحون وينكتون عن أرقام البرتقالات التي ستساقط حوالينا من أشجار غير أشجار البرتقال وشيئا فشيئا توسعت دائرة الأرقام لتغطي على الصفاء في النفس وتتلألأ احيانا بالمعجزات فأصبحَ الحلمُ له رقما والمرآة لها رقما وأعمدة النورلها رقما وقد أدى ذلك أن يذهب الوجود إلى شئ من الإفراط بالنقيض وفقا لضائقة غير متوقعة وغير منظورة لاتنفك أن تجعلك رهينة لسخريتها عليك

وتبدأ تفكر ..

أي أرقام …!

أي مسخرة ..؟

أين ذلك العقل الممتلئ بالأسرار

من هنا بدأ البديل بملء الحواشي ووضع علامات النجوم وأستهجان الأرقام التي كانت صدىً لسكك الحديدي التي تنتظر جسد القطار وتنتظر أرقاما أخرى من الهابطين والصاعدين ،

في الواقع القصي كان كل شئ كمُسناتٍ غامضاتٍ لايّرِمن البوح بماضيهن وكان كل شئ كما أراد رامبو:

(مخاط الأثير الأزرق ) وهكذا أحذف رقما أقول سيظهر شئٌ ما ولكن لاأرى أن السماء ستمطر مراوحا في الصيف ولاأرى أن هناك فائدة كي يترك وقتا كافيا للمحتضر ليبوح ورغم ذلك كنت أأمل أن أتجاوز هلوسة الأرقام لذا ظللت أكرر بأني سأعيد ترتيبها وأنا بالمقابل على يقين بأنني لست في روح الأثير ولا في صدى النحاس وكل شئ أعيد معاينته أدعه للمجهول فكنت كل ليلة ألقي على نفسي المواعظ وفي توقيت الساعة الحادية عشر لأبحث عن من يترجم هواجسي في تلك الساعة كما فعل ذلك مالارميه لجيمز ماكنيل ولم أجد أيضا أن تلك المواعظ ذات فائدة فابتليت حين أقول لاأريد شيئا وأنا أبحث عن أشياء واسعة وعميقة وأعلم أن تلك الأشياء لم تكن ناصعة كالحليب والثلج ،وحين هُدَّ البيت وجدت أرقاما كثيرة تحت الطلاء أشبه ماتكون بسونتات على حواف زهور

طبيعية وأستغربت لهذا الإندماج وبدأت وخفيض صوتي (أرقام ، أرقام ، أرقام )ولم تعد السنة التي كانت تمثل خلفية أنطلوجية غير (واحد، ثمان ، ثمان ، ستة ، صفر ) ولم تكن السنة التي كانت عيدا من أعياد العقل غير (تسعة ،إثنان ،تسعة ، واحد ) بل حتى تلك التي أبتلى بها العالم وتدمر نصفة غير (تسعة ، ثلاثة ، تسعة ، واحد )بدأ ظمأي لشئ مجهول من الأقمار والزنابق وتراكمت سجلات السنين وعدت أوّرِق صفحاتها بالأرقام حتى كلت يداي وشفاهي فأستندتُ على شرفة في الطابق الثاني وبدأت بتفتيت الفراغ الهائل وأنا أنظر لساعتها المرصعة بالنجوم وأستمع لرامون الذي يحدثني عن مركبه الذي سيصطدم في حين لم أجد رقما واحدا على حائطها من الأرقام التي أستخدمتُها فعدت وتيقنت أن هناك أعوام أخرى لازالت أرقامها ببحرالألوان والجفاف لم ولن يقترب منها لذلك كان علي لم ولن أرتب لعنوان جديد مادامت الأضابير من خلفها مفتوحة على وقائع أشتهيها ومادمت أتبع ذلك الخيط رغم ظلامه لكنني على يقين بأنه سيصل خرم الأبرة بعدها أيضا لم ولن أقلق مهما كان الفتقُ واسعا في الرداء أن أتممت ريافتَهُ بمجهر الأرقام أو بذلك الشعور الذي رأيت صورتها أول مرة ،،

*[email protected]