18 ديسمبر، 2024 8:51 م

مَوْجاتُ الحنين .. تضربُ شواطئَ الحاضر

مَوْجاتُ الحنين .. تضربُ شواطئَ الحاضر

حين طلب مني الباحث والإعلامي مالك العظماوي ، تقديم كتابه الذي حمل عنوان : (التحديات التي تواجه المرأة في العصر الحديث) , شعرتُ أنني أمام واجب عليَّ القيام به , وليس رجاء عليَّ النظر فيه . وخلف موقفي هذا اسباب عليَّ الافصاح عنها .    أولاً : الطلب جاء من ذي قار التي أعتز بأنها الارض التي ضربتُ فيها أوتادَ خيمة عمري الاولى . فموجات الحنين الى مرافئ الطفولة تأتي هادرة من أعماق الماضي لتضرب شواطئ الحاضر بقوة تطرد النسيان ، وتشحن نضيدة الذاكرة .
    وثانياً : ان الطلب جاء من باحث (ناصري) ، إن صح التعبير . لم تربطني به معرفة مباشرة قبل مطلع عام 2013 . وحين التقينا قامت بيننا علاقة احترام متبادل . وخطا العظماوي الخطوة الاولى نحوي بأن أهداني كتابه الموسوم (العشيرة بين الشريعة والقانون) . وكتبتُ عرضاً للكتاب نُشر في جريدة (صوت بغداد) بتاريخ (20/11/2013) وبتاريخ (25/11/2013) ، تسلمتُ منه رسالة إمتنان رقيقة ، رِقَّة أهل ذي قار . تلك بعض الخطوات المتبادلة بيننا . واستمرت علاقتنا على طريق الفهم المشترك والاحترام المتبادل .    ثالثاً : إن تقديم الكتاب ، يتيحُ لي الاطلالة على القارئ من باب عمارة كتابية أخرى . لذلك يحصل مَنْ يكتب مقدمة لكتابٍ ما على ميّزة مُضافة تحقق له الوصول للقارى , من نوافذ غير تلك التي اعتاد الاطلال منها .   رابعاً : ان تفاعل الأجيال التي تمارس البحث والكتابة مطلوب وضروري : أخلاقياً و عملياً . فهذا التفاعل يُغني العناصر الداخلة فيه , وقد يؤدي الى ( مُنتَج) جديد متطورٍ عــنــهــا : كــمـّـاً ونوعاً .
    تلك هي بعض الأسباب المهمة التي جعلتني أستجيب لطلب الباحث مالك العظماوي . وأعيد القول : أن هذه الاستجابة تنفيذ لواجب مطلوب للأسباب التي ذكرت . 
**    هذا التمهيد أراه ضرورياً ، لكي أضع القارئ الكريم في أجواء علاقتي بالباحث مالك العظماوي , وعلاقته بي . وبصراحة أقول : بدون هذه الاجواء , لا أتوقع ان يصلني طلب من الباحث , كما لا اتوقع استجابة مني . هذا المناخ هو الذي وفُر ( مقومات الطلب والاستجابة ) .**    والآن أضع مخطوطة كتاب العظماوي (التحديات التي تواجه المرأة في العصر الحديث) على الطاولة . وعلى الفور أقول : أنني لن أنوب عن الكاتب في تعريف كتابه للقارئ . فهو أب لهذا المولود المبارك ، وهو الأحق والأجدر على الحديث عنه . ولكن تبقى لي مساحة ما , في تقييم الكتاب , ولو من مواقع رصد بعيدة .
    دون شك , يتصدى الباحث لموضوعٍ  حساس وشائك , فيه من التعقيد الشيء الكثير . وعبر فصوله الستة , وأبوابه العديدة , يتطرق الباحث , بالسرد والتحليل , الى موضوعات مهمة تخص البيت العائلي المسلم ( الشرقي – العراقي) خاصة . وفي (خاتمة) كتابه / بحثه ، يقول الباحث : (لقد حاولنا اثبات النظرة الاسلامية للمرأة , التي تتجاوز كل نظرة أخرى عبر التاريخ القديم والحديث . وقد اختلفت نظرة الاسلام للمرأة عن كثيرين ممن تعاملوا مع المرأة بأساليب غير انسانية وفيها سلب كثير من الحقوق التي فرضها الله تعالى لها .. ) . هذه بعض نتائج البحث . ولم يكن الوصول اليها سهلاً , بل مَرَّ عبر مضائق ومحدّدات كثيرة , لا يمكن الاستهانة بها . ومن البديهي القول : ان الكتب التي تعالج الموضوعات الحساسة , هي التي تستقطب الاهتمام اكثر من غيرها . ولعل كتاب الباحث العظماوي ضمن هذه الكتب .
    قالوا : (ليس بالضرورة ان يقول الغلاف أو العنوان كُلًّ المضمون) . لذلك تصبح قراءة الكتاب بتأنٍ , مطلوبة لفهم أعمق .**
    وهنا التقط ملاحظة مهمة : العراقي يعيشُ ظروفاً قاهرة , فيها من القسوة الشيء الكثير . لكنه يخرج من دوامة القسوة الى فضاءآت العطاء . هكذا يتمسك العراقي بعطائه , ويقدمه على تلبية الحاجات المعيشية الاساسية الأخرى . وهذا ما فعله العظماوي .في هذه اللحظات , أشعر أنني من بعض الشهود القلة الذين دعاهم الباحث لحضور حفل ميلاد كتابه , ولإزاحة الستار عن الجدارية التي تحمل عنوان الكتاب.
    ومبروك للعظماوي مولوده الجديد .