23 ديسمبر، 2024 5:57 م

مَن يُمْسِك بصولجان السُّلطة .. ؟

مَن يُمْسِك بصولجان السُّلطة .. ؟

سأفترض أن السيد حيدر العبادي صادق بعزمه ونواياه في أن يبدأ مرحلة جديدة من العلاقات مع العرب السنة،تنهض على الاحترام والاستجابة لمظالمهم التي اعتصوا سلميا من أجلها طيلة عام كامل،على العكس من سلفه الذي تفنن كثيرا في التشكيك بولائهم ونواياهم ومطاليبهم،ولم يبخل بأي وسيلة من أجل أذلالهم والحط من شأنهم،وكأنه بذلك يعكس موقفا شخصيا يضمره في داخله يهدف الى تكريس الافتراق الطائفي بين الشيعة والسنة.لذا لم يكن يتردد في أن يشبِّه المعركة التي يخوضها الجيش العراقي المؤتمر بأمره ضد المدن العربية السنية على انها معركة اتباع الحسين ضد اتباع يزيد ! .

من هنا كان قرار السيد العبادي بوقف عمليات القصف الجوي على المدن (الانبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك ) دليل على ماأشرنا اليه من تحول وتغير جوهري في النوايا والمنهج.

لكنني أجد أنّ سعي العبادي هذا ــ رغم أهميته في خلق ارضية جديدة للحوار والتفاهم مع العرب السنة ـــ سيصطدم بعقبة اساسية اسمها المالكي.

فكما يبدو من ظاهر الصورة التي جاءتنا بها الايام القليلة الماضية ــ بعد قرار وقف القصف ــ أن المالكي سيبذل كل مافي وسعه لكي يُفشل جهود العبادي،انطلاقا من فرضيتين..الأولى:عقدة الطائفية التي يحملها تجاه الاخرين ــ والتي لم يستطع اخفائها أو تجاوزها ــ وعبر عنها في اكثر من موقف ومناسبة،أبسطها تبدو واضحة في أنه لم يكلف نفسه زيارة اية مدينة عراقية ذات هوية عربية سنية،بذلك يكشف موقفه هذا عدم إستعداده النفسي في أن يلتقي بأبناء تلك المدن المعتصمين والتحاور معهم بشكل مباشر. .ثانيا: هو لايريد لجهود العبادي أن تثمر عن نتائج طيبة تصب في مسار تصحيح

العلاقة مع العرب السنة، بعد أن وصلت في عهده الى مرحلة القطيعة والعداء.

وفيما لو نجحت مساعي العبادي ستنكشف بذلك اكاذيبه التي طالما روّجها عن العرب السنة وحشّد من خلالها المجتمع ضدهم وخاصة جمهوره الحزبي، بهدف تسقيطهم،تمهيدا لضربهم بقسوة ووحشية كما فعل في الحويجة والفلوجة وبهرز .

إن المالكي مازال ممسكان بالصولجان،مستثمراً سلطة وسطوة ونفوذ القائد العام للقوات المسلحة على قيادات الجيش العراقي،رغم فشله في الوصول الى الولاية الثالثة.لكنه وإن بات يمارس مهام نائب رئيس الجمهورية لكن بصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة ! ..

هو اليوم ــ وكما يبدو ــ يجني ثمار إصراره وتعنته على أن يمسك بيده طيلة فترة حكمه ــ ولوحده ــ بالمناصب الامنية(الداخلية،المخابرات،الدفاع)إضافة الى الفرق العسكرية الخاصة مثل(قوات سوات والفرقة الذهبية)التي كان ارتباطها به شخصيا،ضاربا بذلك عرض الحائط بكل الجهود والمطالبات التي كانت تسعى اليها الكتل والاحزاب والشخصيات المشاركة في الحكم والتي كانت تدعو إلى أن يتخلى المالكي عن تلك المناصب لتتولاها بدلا عنه عناصر كفوءة ومهنية تملك القدرة على أن تدير الملف الامني بشكل افضل،بعد أن تسبب طغيانه واستفراده بالقرارات اضافة الى انعدام الخبرة العسكرية في إحداث فوضى عارمة عمّت البلاد بأجمعها،نتيجتها كانت عشرات الضحايا يسقطون يوميا في مدن العراق بفعل قوى الارهاب،هذا اضافة إلى سقوط نصف البلاد تحت سلطة داعش وبقية التنظيمات الارهابية.

إن المالكي استطاع طيلة فترة حكمه أن يستميل اليه قيادات الجيش ويكسب رضاهم وولائهم،خاصة بعد أن حصّنهم وحماهم بعدد من الامتيازات التي تجنبهم اية عقوبات قد تطالهم بسبب ماارتكبوه من انتهاكات وخروقات وجرائم في اكثر من مدينة، هذا اضافة الى المكاسب والمنافع المادية التي

اغرقهم بها.فكان هذا النهج ــ الذي كشف من خلاله عشقه العميق للسلطة ــ خياره الذي راهن عليه،حتى يبقي الجيش والقيادات الامنية تحت نفوذه،عندما يفشل في الوصول الى الولاية الثالثة.

وعليه يتوجب على العبادي أن يضع في الحسبان مايشكله وجود المالكي في التشكلية الحكومية من تهديد وخطورة لكل مايسعى اليه من اهداف وخطط تهدف أن تبدأ صفحة جديدة من العلاقات مابين قوى المجتمع،قائمة على تبادل الثقة والعمل المشترك لمواجهة الارهاب وبناء الوطن.

وليس من سبيل أمام العبادي ــ فيما لو اراد أن لاتذهب جهوده هباءً ــ سوى تحديد وتحجيم سلطات المالكي،أو استبعاده من الطاقم الحكومي،وهذا هو الحل الاجدى،لتجنيب البلاد أوضاعا أسوا بكثير مما هي عليه الآن، لن يتوانى المالكي في أن يوعز لقيادات الجيش أن تتسبب بها.