22 نوفمبر، 2024 10:20 م
Search
Close this search box.

مَن نَحنُ ؟

يقفز إلى ذهن قارئ عنوان المقالة ( من نحن ؟ ) كتاب السيد صامؤيل هنتكتون بنفس العنوان، إذ ناقش الكاتب الأمريكي المذكور ،أزمة الهوية والانتماء،وطرحها بعدة أسئلة وعناوين كبيرة في متن كتابه. ومن بين هذه الأسئلة ، من هم الأمريكيون الذين يعيشون على ارض الولايات المتحدة الأمريكية ؟ وأجاب عن ذلك في تحديد مفهوم الهوية والانتماء ،وتوسع بذلك كثيرا”حتى خرج إلى الفضاء الدولي ، وبدأ يصنف الدول ذات الهويات المتعددة ، وأزمتها في إيجاد هوية جامعة لها، ومناسبة لثقافتها وتأريخها ، وجغرافيتها ، ومصالحها،فضلا” عن عقيدتها الدينية .

جاءت إجابات هنتكتون على هوية الشعب الأمريكي ، بأنها الهوية الدينة ، والمستندة على العرق الانكلو سكسوني، وهي السائدة في المجتمع الأمريكي،ورفعها على ماسوا ها من هويات فرعية ، مثل الهسبان (شعوب أمريكا اللاتينية- الناطقين بالاسبانية ) ، أو السود ذوي الأصول الإفريقية ، أو الأسيويين ذوي الأصول اليابانية ، والصينية ، وسواهما، وجاء المسلمون أيضا ضمن التصنيف ، وان كانوا لايشكلون سوى نسبة قليلة من سكان الولايات المتحدة الأمريكية .

ربما لم يقنعني أو المتلقين أللآخرين ،حول تحديد هوية لشعوب الولايات المتحدة ، الدولة حديثة التكوين ، والتي لم يمضي على تشكيلها أكثر من 400 عام ، بسبب التعدد العرقي والقومي والديني والطائفي واللغوي وغيرها ، ولكنه أقنعني إن المصالح المشتركة بين الأمريكيين ، فضلا” عن الدستور الأمريكي والرؤية الأمريكية للحرية جمعتهم تحت علم واحد ، وفي بوتقة الانتماء الموحد للولايات المتحدة الأمريكية .

اليوم نطرح نفس السؤال داخل العراق ، من نحن ؟ وللإجابة عن هذا السؤال ، تقفز إلى الأذهان ، الهويات القومية ، العربية وهي السائدة بنسبة 83% تقريبا”، ثم الكردية بنسبة 11% تقريبا”، ثم القوميات الأخرى ، التركمانية ،وغيرها ،وهذه الأخيرة بنسب ضئيلة جدا”، ثم تأتي الهويات الدينية ، الإسلام وهو السائد ، ثم المسيحية ، ثم الصابئة ، ثم الآيزيدية ،وغيرها وهذه الأخيرة بنسب ضئيلة جدا” لأترقى إلى 1%تقريبا”.ثم تأتي هويات فرعية أخرى ، وهي المذهبية داخل الدين الواحد، فالإسلام فيه مذاهب متعددة والأبرز في العراق ، هما الشيعة ، ثم السنة، أما المسيحية

فلها العديد من المذاهب ، الكلدانية ، والآشورية ،والارمنية ، والكاثوليكية ، والبروتستانتية ، والارثذوكسية، الخ .وبهذا فهناك هويات فرعية أخرى ترتبط بالجغرافية ، مثل شمال العراق ، جنوب العراق ، وسط العراق ، الفرات الأوسط . وهناك هويات مرتبطة بالتقسيم الإداري الذي نشأ بعد تشكيل الدولة العراقية عام 1921،مثل محافظة بغداد ( البغدادي ) ،البصرة (البصري ) ،الموصل ( المصلاوي ) … الخ . وهناك هويات ادني من ذلك ترتبط بالا قضية ، مثل سامراء ( السامرائي ) ، الفلوجة ( الفلوجي ) ،جصان ( الجصاني ) ، آل بدير ( البد يري ) … الخ .وهناك هويات ادني من ذلك ترتبط بالقبيلة ، مثل شمر ، وربيعة ، وزبيد ، وطي …. الخ . وهناك هويات ترتبط بالعشائر ، مثل العبيد ،الحبور ، السواعد ،السعديون ….الخ .وهناك هويات ادني من ذلك ترتبط بأفخاذ العشائر .

إما الهويات الأدنى من ذلك ، فهي التي ترتبط بالمهن والحرف ، مثل البنائين ، الحدادين ، النجارين ، الصاغة ، الفنانين ، الصحفيين ، الأطباء ، المهندسين ، المعلمين …. الخ .وهناك انتماءات ادني من ذلك ، مثل نوادي الرياضة والتشجيع ، برشلونة ، ريال مدريد ، مانشستر …الخ .

ولو تأملنا وفق هذه الخارطة ، لوجدنا هناك مئات من الهويات الفرعية ، والتي تتشكل عبر روابط مختلفة ، إلا إن الهوية الجامعة ربما تكون غائبة في فترة ما ، بسبب تشظي المجتمع تحت ظروف قاهرة كما هو الحال في العراق الآن. وهنا تحديدا”وتحت هذه الظروف ، نجد إن الهويات الفرعية تتصارع فيما بينها ، لإثبات علو الانتماء والشأن لكل مجموعة عن سواها،وربما تتدخل السياسة بشكل فج وسلبي في تعميق ذلك ولأسباب حزبية ضيقة تبغي الاستثمار في هذا التشظي والانفلات المرجعي .

الإخطار التي يواجهها العراق ، تتصدى لها الهويات الفرعية بشكل منفرد عن بعضها البعض ،ويصل الأمر إلى استخدام السلاح في صد الإرهاب تحت رايات حزبية وطائفية وعشائرية ، وفيما بينها في بعض الأحيان ، لغرض استثمار هذا الموضوع وبعوائد مختلفة ، بينما تلف نعوش من يقتل ، بالعلم العراقي ، وهذه مفارقة لانستطيع تفسيرها.

وبعد هذا التعدد والتشظي الذي يمكن إن يسلب العراقيين هويتهم الحقيقة الأصلية ، وهي هوية الانتماء للعراق ، إي الهوية العراقية ، نجد ان السؤال الذي يمكن طرحه ، بعد إن اجبنا على تساؤل من نحن ؟ ، لمن ننتمي نحن العراقيين ؟.

هل ننتمي إلى العرب فقط ؟ ، أم ننتمي للعالم الإسلامي ؟ ،أم إلى الشرق الأوسط ؟ ،أم إلى الخليج العربي ؟.

نعم نحن ننتمي إلى العرب وهم الأغلبية المطلقة ، وكذلك ننتمي إلى الإسلام بنسبة اكبر من العرب ، وننتمي إلى الشرق الأوسط بفعل الجغرافية وروابط أخرى ، وكذلك إلى حوض الخليج العربي لنفس الأسباب السابقة ، وكل هذه الانتماءات هي عابرة للحدود وربما لاتغني العراق عن هويته الوطنية وان تعددت المصالح والروابط مع هذه المسميات الجغرافية .

الانتماء الوطني للعراق يشكل الأرضية الجامعة ، وهو الانتماء الوحيد الذي يمكنه مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية ،فهو انتماء قديم ، قدم الحضارات التي تعاقبت على جغرافيته . وبالتالي فلا بديل لهذا الانتماء الذي هو عنوان كبير تسود فيه مبادئ المواطنة والمساواة، ضمن إطار الدولة المدنية ، دولة المؤسسات ،دولة الحقوق والحريات ، وهذا مانأمله إن شاء الله.

أحدث المقالات