23 ديسمبر، 2024 10:09 ص

مَن انتصر، ومن انهزم في حلب؟

مَن انتصر، ومن انهزم في حلب؟

مقدما، إن حلب ليست سوريا، والذين حوصروا في أحيائها الشرقية ليسوا هم الشعب السوري، ولا هم الطائفة السنية السورية، كما زعم بعض الطائفيين السنة، ولا هم الثورة السورية، بملايينها الصامتة الصابرة.
فلم يتقاتل في حلب فارسان بالأيدي أو بالمسدس، على طريقة أفلام الكاو بوي. بل الذي انتصر في حلب هو الحقد والضغينة والتخلف وجنون الانتقام، والذي انهزم فيها هو الحقد والضغينة والتخلف وجنون الالنتقام، أيضا.
فالفئة الأكبر والأقوى بين الجيوش التي كانت محاصَرة في حلب كانت النصرة، وبعضا من داعش، وفتافيت أخرى من (الثورة) السورية الدينية المتطرفة. وهي، مهما اختلفت التفسيرات والمبررات، إرهابٌ لا يمكن إنكاره بكل المقاييس والموازين.
وبالمقابل كان الذي يحاصر حلب هو الحرس الثوري ومليشيات حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية التي تجاوز عدهها الستين، وجيش بشار، وشبيحته، وقاصفات بوتين، وهي الأخرى، مهما اختلفت التفسيبرات والمبررات، إرهابٌ لا يمكن إنكاره بكل المقاييس والموازين. أيضا.
أما من كان محصورا بين هؤلاء وأؤلئك فمواطنون سوريون مدنيون غير مسلحين، مسالمون، يكرهون فجور النظام وعمالته لإيران ولروسيا، ويحلمون بيوم الخلاص والعودة إلى حياة البشر.
والغائب الوحيد في مجمل ما جرى في حلب كان الشرف والخلق والفروسية والشهامة والرجولة والآدمية والحق والعدل والدين.
وبانهزامية باراك أوباما، وفساد خياله الاستراتيجي، وخمول عقله وقلبه وروحه، تمكنت إيران من حشد ما في استطاعتها حشدُه من سلاح وأموال ومليشيات لقهر الثورة السورية التي كان تغوُّلُ النفوذ الإيراني في سوريا وهيمنتُه على سلطة النظام أهمَ أسباب اندلاع التظاهرات التي تدرجت مطالبها من (تغيير النظام) إلى (إسقاط النظام).
ثم تلاقت انهزامية أوباما بانتهازية بوتين الذي يريد أن يثبت للشعب الروسي المأزوم الذي تأكل روحَه وعقله وقلبه عقدةُ الهزيمة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أنه ستالين جديد يخوض مع أمريكا والغرب حروبا كثيرة وينتصر فيها كلها، بأية وسيلة، عادلة وظالمة، مُحلـَلـَة ومحرمة، أخلاقية ولا أخلاقية، فكان ما كان، واحترق الأخضر واليابس، واختلط الحابل بالنابل، واشتعل الرأس شيبا.
جميعُ هذا الجبروت المخيف من الطائرات والمدافع والجيوش والمليشيات كان محشورا في ثلاثة كيلومترات لتحرير بضعة أحياء من مدينة مهدمة يتحصن فيها بعضٌ من ثوار غدر بهم القريب والبعيد، وحفنةٌ من إرهابيين يَذبحون ويكبرون، ويحملون شارات (الله ورسوله) وهم كاذبون أو موهومون أو مضلـَّلون، وآلافٌ صابرة من المدنيين المغلوبين على أمرهم، والمأسورين الممنوعين من الرحيل.
إذن فالتي نُصرت في حلب هي الجيوشُ المتآخية الإيرانية والروسية والعراقية واللبنانية والأفغانية والسورية المتخمة بأحدث الأسلحة ومختلف أنواعها.
والتي هُزمت في حلب بنادقُ صيد العصافير وقناني الغاز المحوَلة إلى مقذوفات عشوائية تسقط على غير أهدافها.
أما المنتصر الأكبر في حلب فقد كان نتياهو الذي (حزن) كثيرا وهو يشاهد مناظر الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الذين دفنتهم الطائرات والصواريخ (المجاهدة) تحت الأنقاض.
حتى أن وزير دفاعه، أفيجدور ليبرمان، من جانبه، أعلن أن الرئيس السوري بشار الأسد “جزار”، “يجب أن يرحل مع حلفائه الإيرانيين”.
وزاد قائلا: ” من وجهة نظر أخلاقية، لا يمكننا أن نقبل بمثل هذه المجزرة أمام أعين العالم بأكمله”.
إذن فالإيرانيون، وحشودهم المجاهدة القادمة للأخذ بثارات الحسين من أحفاد يزيد، دفنوا فلسطين في حلب، وقرأوا عليها السلام من الآن ولعشرات الأجيال القادمة، وجعلوا عنفَ حكومة نتياهو في معاقبة فلسطيني يدهس أحد جنودها بالسيارة، أو يطعنه بسكين، نقطةً في بحرٍ مائجٍ هائجٍ من الحرق والقتل وتقطيع الجثث ومن السلب والنهب والاغتصاب باسم الله ورسوله وآل بيته المعصومين.
ألم تسمعوا مسؤول العلاقات العامة في جهاز الحرس الثوري الايراني العميد رمضان شريف، وهو يقول “إن الانتصار في حلب سيمهد لتحرير الموصل وتسوية أزمتي اليمن والبحرين”؟.
وإن” أعداء الامة الاسلامية كانوا يحاولون من خلال الدخول في حلب والاجراءات الارهابية بدءَ مرحلة جديدة من مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يسعى الاميركان والصهانية لتمريره منذ سنوات، ولكن المقاومة الباسلة للشعب والجيش السوري وحزب الله والحشد الشعبي العراقي والحكومة الروسية وكذلك تواجد المستشارين الايرانيين الذين لعبوا دورا مصيريا ومؤثرا للغاية، ساهم في افشال مخططهم هذا”.
أما جزار القرن الحادي والعشرين، بشار الأسد، فقد شبّه ما حصل في حلب، قبل وبعد هدمها، بما حصل قبل وبعد ميلاد السيد المسيح!، وبما حصل قبل وبعد “نزول الوحي على سيدنا رسول الله”! . وقال: “التاريخ ليس هو نفسه قبل تحرير حلب وبعد تحريرها”.
بهذه العبارة فقط، وربما مرة واحدة في حياته، صدق بشار الأسد. فإن سوريا قبل حلب هي غيرُها بعدها. وذلك لأن حلب تبقى مدينة واحدة من مدن، وميدان حربٍ واحدا من ميادين، من الآن وإلى يوم يبعثون.
ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا، وإن يكن الثمن بحرا من دمٍ ودموع.