23 ديسمبر، 2024 2:52 م

مَنْ يَحْكُمُ مَنْ ؟!!!

مَنْ يَحْكُمُ مَنْ ؟!!!

بعد سقوط حكومة صدام حسين في 9/4/2003 من قبل قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العراق المعاصر .. لعلها تشبه مرحلة مابعد سقوط حكومة العثمانيين عام 1918 على أيدي بريطانيا العظمى .إلا أن الفارق بين الحالتين ؛ إنَّ التغيير حصل عام 1918 بإرادة بريطانية استعمارية تهدف إلى تدمير المعسكر الألماني وحلفائه ، أما ما حصل في عام 2003 فالغاية هي كسر شوكة صدام حسين .. الذي عاث في الأرض فساداً و دمارا .. عانت من ويلات حكمه الأسود دول الجوار كافة ، ناهيك عما عاناه الشعب العراقي من المآسي والويلات ، ما جعل الفرحة تعم المنطقة بأسرها ، والعراق بأعمه الأغلب ،إلا المتضررين ، فلم ينالوا من ذلك نصيبا .

والحالة هذه ؛ فالعراق بين إحتلالين .. إحتلال عام 1918 وإحتلال عام 2003 .. كلاهما احتلال ؛ إلا أن الإحتلال الأول (برأيي المتواضع) كان أفضل من الإحتلال التالي ، فالإحتلال الأول جاء ليوطد حكومة ملكية رصينة إعتمدت على إرادة الجماهير المطالبة بنوع الحكم الملكي الهاشمي العربي الواحد ، وفعلت . بينما في الإحتلال التالي عام 2003 خرّبت الإدارة الأمريكية بقيادة المستر بول بريمر جميع المنظومة السياسية الحقيقية في تاريخ العراق الجهادي والنضالي خلال الحكم البعثي الصدامي ، بحيث خلطت الغث مع السمين ، والقش مع الياسمين .. خلطت الأوراق.

هذه الحالة ؛ جعلت من الواقع السياسي العراقي أشبه ما يكون بعلبة ثقاب (شخاطه) .. عندما يحترق عودٌ منها تحترق العلبة برمتها وتتحول رمادا ، وهذا ما أرادته الإدارة الأمريكية بخطتها لتدمير العراق سياسياً ، لأجل إحراق التاريخ الجهادي والنضالي للشيوعيين والمسلمين الشيعة في بوتقة السياسات المختلقة والعائمة والطافحة والطارئة على بحيرة السياسة العراقية ، بحيث تركد وتأسن سياسياً .. دون تبادل و تناضح مع روافد المد الثوري والنضالي العالمي المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .

وعندما أحرقت أمريكا جميع الصحف الثورية ونظرياتها المبدئية في أتون التوافقات السياسية ، هي لم تكن تقصد إذابة الفرقاء في منصهر سياسي وطني واحد ، لكنها أرادت من ذلك إحراق البرامج السياسية التي تعاهدها المعارضون خلال مرحلة مابعد إسقاط صدام حسين ، فأفشلت أمريكا تلكم الأحلام الوردية بولاعة التوافقات السياسية ومجلس الحكم. وكان الأجدر بأمريكا أن تحد من إقامة أي مجلس للحكم في العراق ، وأن توقف النشاطات السياسية في تلك المرحلة التغييرية من تاريخ العراق السياسي ،حتى تستتب الأمور وتستقر على حالة معالجة الصدمة التغييرية لطبيعة الحكم الذي يجب أن يكون في العراق ، وأن تخضع العراق تحت الإنتداب الأمريكي برعاية مباشرة من الأمم المتحدة ، لأجل بناء العراق وإصلاح ما أحدثه الدمار خلال السنوات السوداء من حروب صدام وقوات الإحتلال ، بحيث تشترط الأمم المتحدة وضع العراق تحت بند الرعاية الدولية التنموية لمدة عشر سنوات ، يؤول بعدها أمر الحكم في العراق إلى حكومة عراقية منتخبة من قبل الشعب العراقي ، ولا يحق لأي حزب أو تنظيم سياسي أن يعترض على هذا البند ، إلا بعد إخراج العراق منه بعد المدة المحددة دولياً .

من هنا يكون قد تحقق الآتي :

أولاً : قيام الأمم المتحدة بإعمار العراق وتوزيع ثرواته الوطنية على الشعب العراقي بهيمة أمريكية ، وتفعيل عمل الشركات الأجنبية لبناء العراق وكافة بناه التحتية لمدة عشر سنوات .

ثانياً : غربلة التناقضات السياسية الطفيلية على العملية السياسية الوطنية وتاريخها النضالي والجهادي ، بحيث يحصل إستقرار سياسي وطني في ظل الهيمنة الأمريكية ، شرط تعاهد كافة الأطراف عبر مؤتمر وطني ترعاه الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية على وقف كافة النشاطات السياسية والقتالية ضد الإدارة الأمريكية بوثيقة شرف وطني دولي مشترك لمدة عشر سنوات، وعدم اعتبار الوجود الأمريكي وقوات التحالف إحتلالاً للعراق ، بل راعياً له .

ثالثاً : إنسحاب وانكماش الأجندات الأقليمية الخارجية ذات التدخل بالشأن السياسي العراقي ، خوفاً من ضربات العملاق الأكبر ، ما يؤدي إلى انكماش تنامي الميلشيات المحلية المتحاربة .

رابعاً : وضع الإدارة الأمريكية ودول التحالف والأمم المتحدة على المحك الواقعي ، بإدعائهم نشر الديمقراطية في العراق وإعماره وإسعاد شعبه والتوزيع العادل لثرواته الوطنية على جميع العراقيين .

خامساً : حماية العراق من الغزو الخارجي كتنظيمات القاعدة وداعش والميلشيات المحلية ، بحماية دولية وإدارة أمريكية صارمة .

سادساً : تأهيل الجماهير التي تعودت على العبودية والرق والإقطاع والشيفونية للأنظمة التي توالت على حكم العراق ، بحيث تتولد ثقافة ديمقراطية وطنية دون مطامع في الحكم ، وإنّ مدة عشر سنوات يأس من الوصول إلى كراسي الحكم تعد كافية جداً لتربية الذات الوطنية في إدارة حكم نفسها بنفسها من خلال صناديق الإقتراع الإنتخابية ، عن نضج لا عن مفاجأة .

سابعاً : وبعد مرور عشر سنوات تتسلم حكومة وطنية عراقية منتخبة مقاليد إدارة البلاد والعباد بمعاهدة صداقة مشتركة مع المنظومة الدولية التي ساندت البناء التنموي في السنوات العشر الماضية ، وإبرام معاهدة أمنية مشتركة تجعل القوات الدولية والأمريكية رهن الإسناد الجوي والبري والبحري حالما يتطلب الموقف الأمني الحاجة إلى ذلك .

وأقولها بكل ثقة ؛ بأن العراق لو بقي تحت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية برعاية الأمم المتحدة ، خلال العشر سنوات الماضية من تاريخ العراق الحديث ، لما حدث في العراق ما حدث اليوم ، من ويلات وكوارث وفشل حكومي مستمر. إذ لم تحقق التجربة الماضية بإخراج عاجل للإدارة الأمريكية شيئاً يستحق الثناء ، ثم ما نفع حكومة وطنية متناحرة لم تتفق على رأي واحد في العراق ، (واللهِ) لو كان العراق تحت رعاية دولية خلال العشر سنوات الماضية لما آل إلى ما آل إليه اليوم من خراب ، وإن آل إلى ما آل إليه من خراب ، فالوزر يقع على الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة لا على الحكومة العراقية المنتخبة، لكن المأساة أننا تحكمنا حكومة عراقية وطنية منتخبة طردت الأمريكان .. طردت الأمم المتحدة .. ثم عادت تتوسل بروسيا وإيران وأمريكا تعالوا أنقذونا من داعش وغيرهم .فلاحكومتنا حققت لنا خيراً ، ولم يدعوا غيرهم يبنون بلادنا!؟