23 ديسمبر، 2024 1:03 ص

مَطبات عراقيّة قاتلة!

مَطبات عراقيّة قاتلة!

يَزداد المشهد العراقيّ يوما بعد يوم غموضا وربكة وتعقيدا بسبب السياسات الغامضة والمتداخلة التي تريد بناء دولة على طراز مجهول ومحيّر!
وهذا الغموض ينعكس بلا شكّ على رؤية المهتمّين من الصحفيّين والإعلاميّين والمواطنين، وبالمحصّلة تلفّ غالبيّة هؤلاء الحيرة المؤلمة من وصول العراق لدرجات مرهقة من الغموض!
وهذه السياسات المربكة أرهقت الوطن والناس، وصرنا أمام مطبّات قاتلة، ونتيجة لكثرة هذه المطبّات سنذكر بعض ما حدث منها في شهر أيلول/ سبتمبر الحاليّ حصرا.
سياسيّا، لا ندري مَنْ الذي يقود العراق، هل هو رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أم زعامات الإطار التنسيقيّ برئاسة نوري المالكي؟
وهذه الفرضيّة تأكّدت للجمهور وفقا للتصريحات العديدة التي رافقت، وأعقبت، محادثات مسرور برزاني رئيس وزراء إقليم كردستان العراق ببغداد منتصف أيلول/ سبتمبر 2023، وهذه إشكاليّة مرهقة لعموم هياكل الدولة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة!
وتبرز بين حين وآخر الخلافات المعقّدة بين بغداد وأربيل، وزيارة برزاني الأخيرة لبغداد تهدف لحلحلة الخلافات المتعلّقة برواتب موظّفي الإقليم الذين لم يستلموها منذ ثلاثة أشهر لعدم استلام حصّة الإقليم من الموازنة!
وأصل الخلافات أنّ الإقليم كان يمتلك وضعا خاصّا منذ العام 1990 وحتّى قبل بضع سنوات، وبعدها بدأت ضغوطات بغداد على أربيل تظهر للعلن، وصارت قضيّة تسليم حصّة الإقليم من الموازنة، وضرورة تسليم أربيل لأموال صادرات النفط والمنافذ الحدوديّة لبغداد الإشكاليّة الأكبر بينهما!
وهذه التعقيدات إن لم تُحْسم نهائيا فربّما ستقود لمطبّات جديدة ستظهر بوضوح في مدينتي الموصل وكركوك القلقة أصلا، وبقيّة المناطق المُتنازع عليها مع بغداد، وهذه الإشكاليّات قد تُعجّل بنهاية حكومة السوداني إذا ما قرّر الكرد الانسحاب من العمليّة السياسيّة ببغداد!
ولا ننسى في الجانب الاقتصاديّ زيارة مساعدة وزير الخزانة الأمريكيّة إليزابيث روزنبرغ للعراق يوم 12/9/2023 لمناقشة الإجراءات التي اتّخذها البنك المركزيّ العراقيّ في مجال التحويلات المصرفيّة للدولار.
وهنالك تقارير، وفقا لرويترز، تؤكّد أنّ الخزانة الأمريكيّة تُطالب العراق بمعالجة المخاطر المستمرّة الناجمة عن سوء استخدام الدولار في البنوك التجاريّة لتجنب إجراءات عقابيّة جديدة عليها، وبالذات مع وجود احتياطات تزيد عن 100 مليار دولار في واشنطن من العائدات النفطيّة العراقيّة!
وقضائيّا حكمت محكمة جنايات الأنبار الغربيّة، يوم 12 أيلول/ سبتمبر، وخلال عشرة أيّام فقط، بالمؤبّد مدى الحياة مرّتين على “مؤذّن جامع لارتكابه جريمة الاغتصاب بحقّ طفلين مشتركين بدار لتحفيظ القرآن”!
وهذا الحكم قُوبِل بموجة رفض من شخصيّات عشائريّة ودينيّة ومنهم ثامر العسافي رئيس مجلس علماء الأنبار والذي شهد بأنّ الرجل من الصالحين الأخيار، وطالب بضرورة إعادة التحقيق في القضيّة!
وشَكّلت نقابة المحامين في الأنبار الأحد الماضي لجنة لتقصي الحقيقة والدفاع عن المؤذّن (حكمت العاني)!
ويقال بأنّ القضية فُبْرِكَت لخلافات ماليّة، تتعلّق بإقراض المتّهم مبلغا ماليّا لشخصيّة أنباريّة وعند مطالبته بالسداد فَبْرَك التّهمة وفقا لعائلة العاني!
إنّ استخدام القضاء للانتقام من الناس، وسياسات تهديد الداعمين للعدالة في البلاد من الصحفيّين والإعلاميّين وغيرهم، دلالة واضحة على أنّ العديد من القوى الشرّيرة تتحكّم بمفاصل الدولة، وهذا يتناقض مع مفهوم ترميم العدالة وبناء الدولة التي تقول الحكومة بأنّها حريصة على تقويمها!
وعربيّا قضت المحكمة الاتّحاديّة العراقيّة العليا، بداية أيلول/ سبتمبر الحاليّ بإبطال “اتّفاقيّة خور عبد الله” الخاصّة بتنظيم الملاحة البحريّة بمياه الخليج العربيّ بين العراق والكويت!
وفتح القرار شهيّة بعض النوّاب العراقيّين والكويتيّين لحرب تصريحات مُشتعلة، والمطالبة بإنهاء الاستثمارات الكويتيّة بالعراق، ممّا دفع الكويت للاحتجاج الرسميّ على قرار المحكمة!
ولا ندري كيف ستُحْسم الخلافات العراقيّة الكويتيّة المتعدّدة وبالذات تلك المتعلّقة بترسيم الحدود والملاحة بالخليج العربيّ؟
ودوليّا هنالك تهديدات إيرانيّة مستمرّة تتعلّق باحتماليّة التوغّل الإيرانيّ داخل الحدود العراقيّة لملاحقة العناصر الكرديّة الإيرانيّة المعارضة!
وقد أكّد وزير الخارجيّة العراقيّة فؤاد حسين قبل عشرة أيّام أنّ العراق بدأ بنقل جماعات كرديّة إيرانيّة من حدود كردستان العراق مع إيران إلى مخيّمات بعيدة عن الحدود، لم يُحدّد مكانها!
فهل ستُقدم إيران على اقتحام الحدود العراقيّة بحجّة ملاحقة عناصر المعارضة الكرديّة الإيرانيّة التي تشنّ هجمات متوالية داخل إيران رغم تطبيق العراق للاتفاق الحدوديّ الذي وقّع في آذار/ مارس الماضي، والذي يُلْزِم بغداد بتجريد الكرد الإيرانيّين من سلاحهم وإبعادهم عن الحدود لمناطق أخرى داخل العراق؟
وهكذا صرنا أمام عشرات المطبّات القاتلة، ومنها الأرتال المعلومة والمجهولة التي تملأ شوارع المدن والضاربة لقوانين السير، والجماعات المسلّحة المعلومة والمجهولة، وتنامي تجارة المخدّرات، والأعضاء البشريّة، وتهريب النفط، والعنف المجتمعيّ والأسريّ، وحوادث الانتحار، واحتماليّة انهيار سدّ الموصل القاتل، وأزمة المياه، والدولار، والتلوّث البيئيّ، والتراجع الخدميّ والصحّيّ وغيرها الكثير من المطبّات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والمجتمعيّة والفكريّة والإنسانيّة التي لا يُمْكن التطرّق إليها في الإعلام حذرا من الملاحقات القضائيّة والجسديّة!
مَن يريد بناء العراق عليه تخليصه من القوى الشرّيرة الظاهرة والخفيّة، وأن يعمل لترميم الخراب، ونشر العدالة، وإلا فإنّ الأمور سائرة لمطبّات جديدة مهلكة للجميع!
dr_jasemj67@
نقلا عن صحيفة عربي 21