لم يعد يستفزني ولايدهشني،ماأقرأه من كتابات بعضها لأصدقاء ومعارف،من بينهم فنانون وادباء ومثقفون،ومن كل الاديان والطوائف والقوميات والملل والنحل،تنضح منها افكار متطرفة -دينية ،عنصرية ،طائفية -بعد أن اقتنعت شخصيا بأن لابد لنا من أن نبذل جهدا نفسيا وفكريا كبيرا لكي نخرج من منظومة ماتوارثناه -عبر اجيال وحقب متعاقبة -من افكار تحمل نظرة استهانة بالآخر ،إن لم تكن افكارا تحمل نظرة كراهية وتطرف اعمى،ولكي نخرج من هذه الهوة السحيقةالتي تروج لها كثير من القوى التي تتحكم بمصائر الناس -داخلية وخارجية -لابد لنا من ان نستعين بفطرتناالانسانية القائمة على التآخي،قبل القراءة والدراسة والمعرفة ،خاصة قراءة فترات التاريخ الانساني التي شهدت مانشهده اليوم من تطرف،عندها سنخرج بنتيجة واحدة تقول لنا بأن :من الغباء على الانسان أن يهين عقله وآدميته وفرصته الوحيدة بالعيش على هذه الأرض ليصدق اكاذيب الساسة ومن يروج لهم من رجال دين وثقافة وفن واعلام وصحافة،وهم يصدرون لنا كل يوم خطاب التطرف والكراهية ضد بعضنا البعض مغلفا بشعارات الدفاع عن العرق والدين والطائفة،واجدني اليوم على قناعة عميقة بأن من ينساق وراء هذا الخطاب،مندفعا دونما روية وتفكير خلف طغيان موجة مشاعر التطرف والكراهية،وهو يخوض في مياهها الآسنة،لن يتمكن من تحقيق اي نصر على من يعتقد بانهم اعداءه،فضلا عن تلويث روحه فقط،بما تفرزه الكراهية من قيح وأدران،ليتحول يوما بعد آخر ودون أن يشعر الى كائن مسخ،دميم ،كئيب،حاقد على نفسه قبل الآخرين،ولتتعبأ دواخله بمشاعر وافكار تزداد قتامة الى الحد الذي يصبح فيه العالم بعينيه بلون اسود قاتم،ولم يعد يملك
مايكفي من بصيرة كافية تمكنه من رؤية الاشياء في الحياة على حقيقة الوانها الجميلة المتعددة..إنه بذلك يطعن روحه يوميا بمدية التطرف المسمومة وهو مغيب عن وعيه،ولن ينجو من هذه اللحظة الدامية إلا إذا توقف لحظة ليحاسب ذاته بما جنى،بما انتج،بما حقق من اعمال تستحق الفخر،بما ارتكب من حماقات حتى ولو كانت مجرد شتائم والفاظ، وليست افعال ،ثم ليتقدم خطوة واحدة إلى الأمام نحو النور ،نحو المعرفة،ليرى بوضوح ماحوله،ليكتشف أن وجوده كمخلوق،زائل في هذا الكون الشاسع،ولايشكل حضوره فيه سوى ذرة تراب لاترى بالعين،بينما يعتقد هو واهما،بأنه ند لهذا الكون،وانه ملك يديه،وملك مايعتقده ومايؤمن به حول نفسه ودينه وقوميته وطائفته،فقط لاغير .