عشرة أعوام مرت على وضع الحكومة العراقية حجر الأساس لميناء الفاو الكبير في شبه جزيرة الفاو المطلة على الخليج, وما زال المشروع يسير ببطء شديد لأسباب يعزوها متخصصون في الشأن الاقتصادي الى تحديات تتعلق بالتمويل, لكن يبدو أن اعذار الحكومة بشأن التمويل( واهية) خاصة إذا دققنا في الميزانيات الانفجارية للدولة العراقية ما بين عام ٢٠١٠-٢٠١٤ ففي(سنة ٢٠١٠ , دولار٨٤ مليار دولار وسنة٢٠١١ ٩٦ مليار دولار, وسنة ٢٠١٣ ١٣٨ مليار دولار,وسنة ٢٠١٤ ١٦٣ مليار دولار) مما يؤكد بان الامر لا يتعلق بالتمويل وهذا ما كشف عنه أحد مسؤولي وزارة النقل بأن(دولا مجاورة ضغطت على الحكومة العراقية لوقف المشروع او على الاقل جعل العمل يسير ببطء) مبينا أن اعذار الحكومة بشأن التمويل واهية, وأضاف اذا كان هذا هو الحال حقا, فلماذا لا تسعى الحكومة للحصول على تمويل من الشركات الكبرى التي لديها مصلحة في تنفيذ المشروع.
مشروع الفاو الكبير له اهمية استراتيجية للعراق, لانه لابد ان يكون العراق ضمن المسار الحديث لطريق الحرير باعتباره أهم طريق مستقبلي للتجارة العالمية, ولن يتحقق ذلك الا بانجاز مشروع الفاو الكبير وربطه بخط سكة حديد تمتد الى تركيا, ومن المتوقع أن يكون للمشروع مردودات مالية تعزز من إيرادات خزينة الدولة العراقية مما يعزز الاقتصاد العراقي بالاضافة الى تشغيل ما يقارب ٥٠ ألف عامل من ابناء محافظة البصرة والمحافظات الاخرى,ويهدف فضلا عن تنشيط قطاع النقل في العراق وإلى تنويع طرق الاستيراد , كما يعد المشروع حلقة وصل بين دول الخليج العربي التي تعتبر مستهلكا رئيسيا للبضائع الأجنبية ,لذا من المتوقع ان تصبح منطقة الفاو حلقة وصل تربط العديد من الأطراف مع بعضها.
كما وان تنفيذ مشروع الفاو الكبير لن يتاثر بميناء مبارك الكويتي وهو الحل العملي الوحيد, بما ان لا الكويت ولا ايران ستكونان قادرتين على خنقه وفيه يمارس العراق سيادته على أراضيه ومياهه الاقليمية.
الواقع ان الاهمية الاستراتيجية للميناء اثارت قلقا اقليميا, ان تجعل العراق بوابة للتجارة العالمية لهذا السبب جاء اعتراض بعض الدول مثل الكويت وايران في اكمال المشروع, خصوصا الكويت ترغب في اكمال مشروع ميناء مبارك وإجراء ربط سككي مع العراق ليكون ميناء مبارك الكبير الذي يشيد في جزيرة بوبيان بديلا في الاهمية عن ميناء الفاو الكبير.
إن ربط الكويت بالعراق عبر مشروع سكة حديد سيصب بالمنفعة المباشرة لميناء مبارك والمواني الكويتية الاخرى وينهي الموانئ العراقية, لاسيما ميناء الفاو والذي من المقرر ان يربط موانئ العراق عبر خط سكة حديد باوربا عبر تركيا, وكان وزير النقل السابق عامر عبد الجبار من أشد المعارضين لمشروع الربط السككي, حيث حذر في لقاءات صحفية من اضراره على الاقتصاد العراقي وعلاقته بإنشاء ميناء مبارك الكويتي واكد الوزير السابق ان ميناء مبارك قد أقيم بأجندة أمريكية كويتية وان هناك شخصيات في الحكومة العراقية تسعى الى مصالح دول الجوار أكثر من تفكيرهم بمصالح العراق.
لان هذه الدول لا تريد ان ينهض العراق ويصبح قويا ومزدهرا, بل تريد الإبقاء عليه ضعيفا مضطربا مهددا بالتمزق الطائفي وحركات التمرد الانفصالية والاقلمة, كما وان فساد الطبقة السياسية وتورط كبار المسؤولين فيه بالهدايا والرشى الكويتية لخنق الميناء العراقي والتنازل عن خور عبدالله العراقي, وقد حدثت فضائح عديدة منها فضيحة الهدايا الكويتية لوزير الخارجية السابق هوشيار زيباري والوفد المرافق له.
كما وأن وسائل الإعلام ومراكز البحوث العراقية تحفل بالعشرات من البحوث والدراسات والتقارير التي تتحدث عن استراتيجية تنفذها الكويت منذ حرب الخليج عام ١٩٩١, حيث تسعى لإحكام الطوق لخنق اقتصاد العراق وتحجيم دوره في التأثير على المنطقة والتحرك نحو دول الخليج العربي, وقد ظهرذلك جليا عبر العديد من الاجراءات والمواقف منها استغلال قرارات الأمم المتحدة عقب الغزو بشكل بشع كالتعويضات المالية المجحفة واقتطاع اجزاء من الاراضي والمياه العراقية وآخرها انشاء ميناء مبارك في مدخل خور عبد الله العراقي الذي يتحكم بحركة السفن في الموانئ العراقية,اضافة الى السعي لاقامة مشروع سكك حديد لنقل البضائع من الموانئ الكويتية عبر العراق مما يؤدي الى خنق ميناء الفاو الكبير الذي يقوم على انشائه حاليا.
لذلك يخشى أبناء الشعب العراقي الغيور والمتابعين للشأن العراقي ان تستغل الكويت أجواء الفساد التي تعم الطبقة السياسية والفوضى في العراق, وان تتمكن الكويت من إقناع بعض الأطراف الفاسدة للضغط على الحكومة العراقية لتنفيذ مشروعها, لتحقق انجازا اقتصاديا حيويا للاقتصاد الكويتي على حساب مصلحة العراق ومنها قتل ميناء الفاو الكبير الذي لم تتعامل معه الحكومات السابقة بجدية,ربما لان انجاز هذا المشروع ستتضرر منه دول اقليمية خاصة الكويت وإيران.