23 ديسمبر، 2024 7:11 م

ميليشيه المالكي تغتال صحفيا!!

ميليشيه المالكي تغتال صحفيا!!

قالوا أن المرشح للموت , يرى علامات أو دلائل تحذره, بتخطيه حاجز النهاية .. فالقدر العراقي لا وقت ولا مكان له ..والموت في بلاد الرافدين رقم سهل في ظل هذا الكم الهائل من العصابات..أنسلاخ الروح عن الجسد..ويصبح لا قيمة فيه, فتأكله الدودة أو يرمى عند أول مكان للزباله.. وجل ما أخشاه في العراق, غدر العقول المتحجرة ووساخة أيدي السفاحين ..فقد كنت في موعد غداء في بيت أخي الذي يسكن حي الشعب..وبعد الانتهاء وأثناء شرب أستكان الشاي , طلب أخي مني أن أخذ سيارته السايبه للتصليح , عند أحد من أصدقائي في بغداد الجديدة .. فرحبت بالفكرة , كما أنه أنقذني من دفع عشرة الاف دينار أجرة تاكسي .. وعانقته, وكاد يتفوه لساني ليقول له أنه الوداع.. 
وأثناء سيري على طريق القناة من حي الشعب بأتجاه بغداد الجديدة ,كنت أستمع الى صوت عبد الباسط وهو يرتل سورة الكهف ..لم يتجه عقلي أن أحدا ما يتعقبني , أو فكرة أغتيالي بعز الظهر ,فقد كنت أسير في وسط الشارع المزدحم بالسيطرات الامنية وبالسيارات والمارة أيضا ,ولم ألحظ السيارة الاوبل الحمراء التي كانت تسير بجانبي الايمن ولا البي أم دبليو الرصاصي التي تحاول الاجتياز من الجانب الايسر..فجاءة أخرج الاثنان من سيارة الاوبل مسدسات صوبت بأتجاهي ,وأحسست من الجانب الايسر أن ماءا ساخنة تسيل من أعلى كتفي الى أخمص قدمي..فيما راحت سيارتي تدخل ضيفا ثقيلا وتعبث بمحتويات محل للخضروات وسط صراخ لا أسمع ألا صداه يتكرر في أذني ( خطيه ضربوه) ..
ساعتها تذكرت قصة صديقي أحمد الذي شارك في تظاهرات ساحة التحرير, وكيف أعتقلته قوة من الشرطة الاتحادية مع زميلنا هادي المهدي..وأخذوهم معصوبين الاعين والايدي الى جهة تبدو بعيدة بعض الشئ, حيث لا يسمع فيها أصوات غير صوت رجال الشرطة..وترجلنا السيارة,وسرنا بضعة خطوات ونزلنا سلما من أثنتي عشرة درجة, أحسست بلمسة رطبة  وعلى ما يبدو, أني  دخلت في حفرة لا جدران أسمنتية فيها ..وعرفت ذلك بعد لمسي للحيطان, ثم أخذت ركنا من أركان الحفرة دون أن أدري.. ..أرخ أحدهم العصابة عن عيني , ووجه مباشرة صوبي ضوءا وبشكل مقصود, تمنيته في بيتي لشدة قوته ..أحسست بعمى مؤقت, ثم بدت ملامح الحفرة تتوضح لي شيئا فشيئا.. حاولت الصراخ, ولكن صوتي أختفى فجاءة , أو أن حباله قد جفت.. ثم رأيت شبحا أحضر في يده قنينة تشبه( بطل بيره شهرزاد) .. ووضعها بالقرب مني .. ونطق ست كلمات..( أجلس عليها أو نجلسك نحن عليها )..
 أجهشت بالبكاء والصراخ والتوسل.. خياران كلاهما صعب..كيف يكون لرجل أن يجرد من كبريائه من أحساسه أنه ذكر.. يبدو أن لا مكان للذكورية هنا , هكذا شعرت للوهلة الاولى , وكنت قد سمعت بهكذا يقال في وقت سابق.. ولكني لم أختبر نفسي بهكذه هزيمة.. كررها ثانية بقوة.. مسكت بالقنينة وأنا أرتعش ..والرعب سيطر على حواسي جميعها وفقدت السيطرة على نفسي ..وأعتقدت أنها نهايتي ..ولم أفكر يوما بنهاية موجعة كالتي أنا فيها .. كنت أقول لنفسي أن نهايتي ستكون وأنا نائما أو في بيتي مثلا.. ولكن لا تدري نفس بأي أرض تموت ..وقوتي لا تسمح لي بالمقاومة.. فأنا رجل تجاوز الستين بعام ..والرجل يبتلع ثلاثة مثلي .. دعوت الله فهو الوحيد الذي ينقذني من محنتي هذه.. صرخ بي قائلا ا: أسمع يا هذا.. أنا لا أكرر رغبتي عادة.. وأقترب مني خطوة ..وأسرعت بأمساك القنينة من جديد .. أرخت حزام البنطلون ..أحسست أن الزمن قد توقف ..وأن عقارب الساعة لم تعد تعدو ,وعضلات قلبي تنكمش بسرعة وصعوبة في سحب الهواء..ووضعت القنينة خلسة بجانب مؤخرتي .. شعرت أن الدورة الدموية في جسدي لم تعد تجري..وأنسلت روحي عن جسدي..مثلما تسحب شعرة من عجينة ..وسقطت القنينة من يدي..وأستقرت روحي في أرجاء الحفرة لتعلن أن حياء الرجل أقوى من رصاصة في كاتم للصوت..
ذهب أحمد مع حيائه الذكوري الذي قاوم رغبة السجان.. ضحكت بمرارة, وأنا أفترش مقعد سيارة أخي الامامي بدمي, وسبع أطلاقات أخترقت جسدي والثامنة في رقبتي .. لم أكن أحمل حزاما ناسفا ولا أقود سيارة مفخخة.. ولا أحبذ أن أكون مع المجاهدين في العليين .. لحظة أو شبه لحظة ,كنت أسمع من بعيد صفارة سيارة الاسعاف.. وكنت أقول في نفسي ..هذه نهاية كتاباتك الساخرة يا مؤيد .. فهؤلاء لا يحبذون السخرية, في زمن أصبح سخرية في كل شئ , حتى في طريقة وأسلوب الاغتيال ونحن في القرن الواحد والعشرين .. قد تجدني أعارضك بالرأي أو في فكرة ما ولكن لا تجعلني هدفا في مرماك ولا تنسى أنت من أهدانا الديمقراطية.. والديمقراطية تقول أن عليك سماعي وأن تحاورني, قد نختلف ولكن لا يصل أن تغتال صوتي ..ولكن لا حياة لمن تنادي ..
 تجمع بعض المارة , أحدهم قال أنه لا يزال حيا, والاخر يجهش بكاءا وكأني فردا من أهله, فيما وصلت سيارة الاسعاف وخمسة من رجال الشرطة, أحدهم برتبة نقيب.. أبتعدوا رجاءا.. دعونا نرى كيف وقع الحادث..أحد الشباب ذكر في حديثه أن سيارتين أطلق راكبيها رصاصات بأتجاه الرجل..أحدهم قال : شلون كدرو عبور سيطرة بغداد الجديدة ومكان الحادث يبعد مائتين متر من تلك السيطرة.. مد رجل الاسعاف يده على رقبتي..ورفع وجهه بأتجاه النقيب وقال: لقد فارق الحياة..أخرج نقيب الشرطة من جيب بنطالي الخلفي محفظتي.. الضحية يدعى مؤيد حميد  صحفي, وهذه هويته الصادرة من نقابة الصحفيين العراقيين , ثم أخرج بطاقة السكن..أنه يسكن بغداد الجديدة محلة 610 زقاق 65 ..وسجل الشرطي الاخر ما قاله النقيب..ثم قال : أبلاغ عائلته بالحادث..وسجلت الواقعة وقيدت ضد مجهول..
وما خفي كان أعظم