20 مايو، 2024 3:05 م
Search
Close this search box.

ميكيافيللية انبطاحية مستحبة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

اعتقد ان الاخلاق في السياسة غير واجبة وغير مستحبة، في التعاملات الدولية من قبل السياسيين، ويجب فصلها عن السياسة في مراحل ما من ادارة الدولة، ولكننا نرفض تطبيق مبدأ ميكيافللي هذا في العلاقة بين سلطات الدولة وباقي أفراد المجتمع الذي تقوده، وهذا الاعتقاد غير مطلق بل هو مقيد لما نراه من خبث ومراوغات في التعاملات السياسية الدولية في زماننا الحالي، فنحن نرى اليوم ان القواعد التي وضعتها الامم المتحدة لرسم العلاقات الدولية، كميثاق الأمم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان، كلها منتهكة من قبل الدول الكبرى، والتي تتعامل مع الدول الأخرى وفق مصالحها الاقتصادية والأمنية.ومن هنا علينا أن نسير مع هذا المجتمع الدولي بعيداً عن قضية المبادئ الاخلاقية الدينية أو مبادئ حسن النية، لأننا سنجد أنفسنا قد خسرنا كل شيء، وسنصبح عضواً غريباً في هذا الجسم الذي يرفض التعامل بهذه القيم.

ففي السياسة: كسلوك، كل شيء ممكن ومباح ولاتوجد في خرائطها الجغرافية الاخلاقية خطوط حمراء وخضراء وبيضاء،وهي اشبه ماتكون مباراة كرة قدم، فعندما يكون الفريق على أتم الجاهزية الفنية والمعنوية فهذا لايعني انك في كل الاحوال ستفوز في المباراة، فانت أمام ثلاث نتائج كلها محتملة وواردة بنفس المستوى، فاما ان تفوز أو تخسر، أو تتعادل، وفي بعض الأحيان تتعمد أن لاتفوز فيما اذا كنت تلعب ضمن بطولة فيها مراحل اولى وثانية وثالثة، وتتحكم في هذا الموقف استقراءاتك المستقبلية، فانت تتعمد التعادل أو الخسارة، لأنك لاتريد أن تلعب في المرحلة القادمة مع الفريق س من المجموعة الأخرى، لأنك تعرف ان هذا الفريق أقوى من الفريق ب، لذلك فانت هنا لايهمك الفوز في هذه المباراة، لأنك ستكون معرضاً لخطر مغادرة البطولة في المرحلة التالية، مضاف الى ذلك فأنت تعطي للاعبي الفريق الأساسيين الراحة التامة لملاقاة الفريق القوي، في المراحل المتقدمة أو مايسمى بشبه النهائي، حيث تتعمد اللعب باللاعبين الإحتياط ، نعم فما قيمة الفوز في مباراة تكون سبب في لقائك القادم مع فريق قوي، وتتسبب في خسارة الفريق ومغادرة البطولة! وفي هذا الاطار هناك أمثلة كثيرة لانريد أن نعرج عليها، لأننا أمام مقال سياسي وليس مقال رياضي.

وفي السياسة هكذا تجري أخلاقياتها وممارساتها وتتساوى فيها نتائج الخسارة والتعادل والفوز في بعض مراحل التنافس في ساحاتها.

ونحن في العراق اليوم ونظراً لتعقيدات الوضع السياسي، وتعقيدات الوضع الأقليمي والدولي على حد سواء، نحتاج في بعض المراحل من إدارة المعركة السياسية والعسكرية الى الخسارة أو التعادل في النتائج، لكي نؤسس الى مرحلة نكون فيها غير مجهدين، ونكون على أتم الإستعداد لملاقاة الصعوبات في مراحل أخرى من الصراع، ولكن بشرط أن نكون على دراية تامة بهذه المراحل، وعلينا ان نجهز كافة الأسلحة التي تحتاجها هذه المرحلة من الصراع، وهنا السؤال يقفز الى الذهن هل القيادة السياسية اليوم في العراق قادرة على الاستقراء المنطقي والواقعي لما يجري؟، خاصة وان القيادة الآن أصبحت تدار من قبل مجموعة وليس من قبل شخص، وعلى رأس هذه المجموعة هي المرجعية العليا في النجف الأشرف، والتيار الصدري والمجلس الأعلى، والبعض من قيادات حزب الدعوة الإسلامية، أمثال الجعفري، وعلي العلاق، ووليد الحلي، ومعهم اتحاد القوى الوطنية متمثلاً برئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري، والرئيس السابق للبرلمان السيد أسامة النجيفي.

هل هؤلاء على دراية تامة بما سيحصل بعد تشكيل مايسمى بالحرس الوطني؟ هل هم على اطمئنان تام من جانب التحالف الدولي فيما يخص الأعضاء: كل من قطر والسعودية، والاردن والامارات وأمريكا، وأكيد ستنضم مصر لهذا التحالف بعد تحسن العلاقات مع قطر؟ هل ان هذه المجموعة على علم بما يحصل من تثوير للجمهور البصري الراغب بشدة لتشكيل الأقليم؟ وهل هم على علم مسبق واتفاق مع أقليم كردستان على مايقوم به الآن من تكريس الاحتلال لمايسمى بالمناطق المتنازع عليها، وجعل أمرها واقعاً ؟ وهل هناك اتفاق على كل مايجري الآن في اعادة هيكلة وزارة الدفاع؟ وهل هناك ضمانات من قبل الراعي الأمركي لكل مايجري من اتفاقات بين الأطراف الداخلية والأقليمية المتصارعة على النفوذ؟ اذا كانت الأجوبة على كل هذه الأسئلة بالإيجاب، نتساءل هل المشروع الامريكي الاسرائيلي في العراق هو لتحقيق وحدة العراقيين؟! بحيث نستطيع

أن نطمئن لهذه الأجوبة، نعتقد انه من السذاجة الركون لهذا الرأي، فأمريكا واسرائيل لهم مشروعهم لمنطقة الشرق الأوسط، وهو تقسم المقسم على أساس قومي وطائفي، بعنوان الفدراليات كمرحلة أولى، ومن ثم ستكون الأجواء مهيئة لمواطني الأقاليم للإقدام على خطوة أخرى وهي خطوة تقرير المصير، بعد ان تقوم ببناء البنى التحتية لمشروع الدولة، وهناك الكثير من العلامات التي تؤكد هذا الاتجاه، منها المحاولات الأمريكية والإسرائيلية وبعض الدول العربية الضالعة في هذا المشروع للإبقاء على توازن القوى بين الأطراف المتصارعة في العراق، واطالة أمد الصراع لأن أمريكا تسعى إلى استنزاف الحشد الشعبي والمقاومة الإسلامية لتقسيم العراق، ومن خلال الاستمرار بتقديم الدعم لداعش والقوى السنية المسلحة الأخرى بصورة مباشرة، وغير مباشرة، وخفظ أسعار النفط بنسبة كبيرة جداً تصل الى أكثر من 50% ، وهذا الموقف بحد ذاته يثير الريبة من مشروع التحالف الدولي.

وكذلك نراقب تحركات بعض الدول العربية السنية كمصر والسعودية وقطر والامارات والاردن لتشكيل جيش بديل عن الجيش الحر، بحجة محاربة داعش في العراق وسورية، ولكنه في الحقيقة هو جيش لمواجهة الميلشيات الشيعية التي تنتمي للمحور العراقي السوري الايراني الروسي اللبناني متمثلاً بحزب الله الذي أصبح قوة أقليمية لايستهان بها، والذي يجعلنا نذهب لهذا التحليل هو أن الجيش العراقي وقوى الحشد الشعبي قادران على هزيمة داعش بأيام معدودة لو تم تسليحهم جيداً، وتوفير غطاء جوي حقيقي، ولكن ذلك لم يحدث وهذا مايجعل المرء لايثق بكل مشروع التحالف الدولي الذي اعلن الحرب ظاهراً على داعش، وفي الحقيقة هو حلف لمواجهة التمدد الإيراني والمدعوم من الصين وروسيا، وما يهمنا هو أن ساحة الحرب ستكون في بلدنا العراق، مما سيعقد المشهد الأمني العراقي ويجعل من الصعب العودة الى السيطرة على الأوضاع الى عشرات السنين القادمة، وسيخسر بلدنا الكثير من الأنفس والأموال لايمكن تعويضها بعشرات السنين، لذلك لابد من التعامل مع رأس الأفعى وهما أمريكا واسرائيل ولابد من ايجاد صيغة تفاهم معهما تحفظ مصالحهم ومصالح العراق وشعبه، من خلال اتفاقيات استراتيجية، لأن التعامل مع ذيول أمريكا وإسرائيل لايجدي نفعاً لأنهم يحملون نزعات طائفية شوفينية عدوانية ضد الشعب العراقي، والتي بسببها اصطفوا مع أمريكا واسرائيل، ولايمكن التفاهم معهم، بل علينا أن نذهب للرأس، وهو في دوره سيقول لهؤلاء قفوا أماكنكم فالعراق بلد صديق، فالأكراد في العراق، والمصريون والسعوديون والقطريون والأماراتيون والاردنيون تعمدوا خسارة بعض المباريات من أجل التوافق مع المصالح الأمريكية والاسرائيلية، فلماذا نحن لانستخدم نفس الاسلوب في اللعب وتجنيب شعب العراق الويلات؟ ولابد من التأكيد أن التنازلات والخسائر التي سنقدمها في هذا الاتجاه لايمكن أن تقارن بالتضحيات التي سنقدمها في حال بقائنا أعداء لمصالح أمريكا واسرائيل في المنطقة، ويجب أن نذهب بعيداً في هذا الإتجاه حتى لو تطلب الأمر الذهاب الى التقسيم قبل الأقاليم لكي نستعجل ايقاف نزيف الدم والأموال والبنى التحتية العراقية، نعم يقول الله “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” وقال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وهو يطوف بالكعبة “ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه”، بعد كل هذه المنزلة الكبيرة والهيبة عند الله ورسوله لحرمة دم المسلم عند الله فما قيمة الأرض اذا كانت تنتهك فيها كل هذه الحرمات.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب