18 ديسمبر، 2024 9:44 م

ميكافيللي والتطبيع !

ميكافيللي والتطبيع !

لو ظهر الكيان الصهيوني في القرن الخامس عشر أيام حياة (ميكافيللي) ، ما أتعب نفسه في تأليف كتابه الشهير (الأمير) ، وما أدخلتنا فصول كتابه في أروقة المؤامرات وأحابيل السياسة الحديثة بكل ما بها من قذارة ، ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت عنيفة وظالمة ، حيث لا ثوابت أخلاقية في الحكم ، وكل شيء نسبي قابل للتفاوض والبيع والشراء ، والخط الأحمر الوحيد الذي لا يمكن تجاوزه ، هو في شخص (الأمير) ، وذلك في حزمة نصائحه للطغاة (الأمراء) ، ليستتب الحكم لهم ، من خلال تصدير مشاكلهم وإفتعال الحروب وزعزعة الإستقرار وإختراع الأعداء ، وخلع هالة من (القدسية) و (الخطوط الحمراء) على هؤلاء الأمراء ، وبالتالي إلهاء الشارع عن المطالبة بحقوقهم كبشر ، والإبقاء عليهم عبيدا مسلوبي الإرادة ، محدودي التفكير ، منكفئين على أنفسهم ، وإفشاء سلاح الإحباط وقلة الحيلة ، وممارسة إرهاب الدولة بكل بشاعته ، وإشاعة قصص البطش والتغييب والسادية ، وتشتيت الرأي الجمعي ، وزعزعة ثقة المواطن بالقانون كونه مجرد (جرة قلم) بيد الحاكم ، وتنمية شريعة الغاب ، وسيصطدم الثائر على مبادئ (الأمير) ، بالخطوط الحمراء ، وسيوصم على أنه مارق ، وسيوصف بالكفر والزندقة لأنه تجاسر على الإقتراب من (قدسية) هذا الحاكم الذي نُصّب من قبل الله ! ، وسيلصقون به كل صفات الإجرام ، وسيكون مُطارَدا من قبل الرعاع الذين يحرص (الأمير) على زيادة نسبتهم في المجتمع ، كونهم سيكونون من أكثر أدواته المجانية نجاحا في بطش أعداءه ، وأنا أرى أن مبدأ (الثيوقراطية) قد بُعِثُ من جديد في بلادنا ، وأن جعبة حكّامنا ملأى بالكثير من أدوات المتاجرة التي أبقتهم (ولا زالوا) جاثمين على صدورنا ، وأكثر هذه الأدوات ثراءً ، هو القضية الفلسطينية !.

سيرمي ميكافيللي ولا شك ، مسوّدة كتابه في الهواء ، وسيجد بضع كلمات تغنيه عن كل فحوى كتابه ، وسيتحول إلى مجرد كتيب بقواعد ذهبية قليلة يقرأها الحاكم العربي خاصة ! .

وسيستهل (ميكافيللي) كتابه (التطبيع) بنصيحة هذا الحاكم بالاسراع بالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، ففي ذلك منجاة له ، وسينتشله من عزلته ، إلى مرتبة الطفل المدلل لدى المجتمع الدولي ، و(إن رضى) هذا الكيان به ، فعليه إجادة كليشة قد تُملى عليه ، في رثاء مَن قضوا في محارق النازية ويزور نصبهم التذكاري معلنا تعاطفه ، رغم أن أن ضحايا شعبه من الحروب المجانية وأقبية مخابراته قد فاق ضحايا تلكم المحارق ، فالمعروف عن الحكام العرب أنهم ضعاف جدا في الإحصاء ، وأن دماء شعوبهم أرخص بكثير من الماء ثمنا لأهدافٍ زائفة !.

لا بأس أن يغيّر تجارته من الدين إلى تمجيد الإلحاد ، فسيضعه ذلك في مصاف اللاعبون الكبار ، أما إذا تنكّر لقيم مجتمعه وتقاليده وأخلاقه ، وأعلن تعاطفه مع الظاهرة المثلية ، فسيصعد عدة مراتب أخر ، وإن بقي لهذا الحاكم ما تبقى من الكرامة ، فعليه أن يدهن وجهه بالخام الأسود لنفط بلاده ، فذلك كفيل بإخفاء (ماء وجهه) ، وبنفس الوقت هو يعلن عن بضاعة مزجاة للتقرب إليهم زلفى ! .

إن فعل ذلك ، فكل ثورات الأرض لن تقلعه عن كرسيه ، وستتدخل الدول الكبرى لحمايته تحت ذريعة (الشرعية الدولية) ، وسيحوله المجتمع الدولي من ظالم إلى مظلوم ، من جلّاد إلى ضحية ، لا داعي لهذا الحاكم بعد اليوم ، أن يتملّق شعبه (كرها وكذبا) ، أو أن يتعب نفسه في متابعة حملته الإيمانية لأنه أصلا داعر ! .

ستُمحى كل جرائم هذا الحاكم ضد الإنسانية ، وستخرس تماما منظمة العفو الدولية وحقوق الإنسان ، ستُرفع عنه العقوبات وتُستَبدل بالإمتيازات ، ويعود سجلّه ناصعا ، سوف لن يبتزه (شايلوك) العصر المتمثل بصندوق النقد الدولي ، وستتحول كل النزاعات على الحدود والمياه لصالحه ، سيطلق كل أدوات قمعه ضد جماهيره وسيسميها المجتمع الدولي الحفاظ على السلام والأمن ضد المارقين .

بل لو بُعثَ هذا الرجل حيا اليوم ، لوجد أن تلامذته ومريديه قد قطعوا أشواطا لا يتخيلها ، وقد تفوقوا عليه إلى درجة أنه سيحس بضآلته أمامهم ، فمتى يفهم هؤلاء ، أن جميع من سعى للتطبيع ، قد أنتهى نهاية مأساوية ؟، وأن الدروس علمتنا ، أن الصهيونية العالمية معروفة بالتخلي عن عملائها ، لينتهون شر نهاية ، متى يفهمون ، أن الكيان الصهيوني لم ينفذ ولا قرار واحد من عشرات قرارات الأمم المتحدة ؟ متى يفهمون أن الكيان الصهيوني ، لم يمارس أي شكل من أشكال الدبلوماسية مع الحكام العرب الذين تنازلوا عن كل شيء ، والكيان الصهيوني لم يتنازل عن أي شيء ، فلطالما مارس هذا الكيان مبدأ العصا الغليضة ، دون أن تكون بحيازته جزرة ! ، متى يفهمون أن لا شيء يسكت نهم هذا الكيان عن المطالبة بالمزيد دون مقابل .

نحن نفهم جيدا ، أن كل بلاء نعيشه هو بجريرة هذا الكيان ، بدأ من تنصيب الديكتاتوريات المتاجرة بالقضية الفلسطينية ، والتي لم تحرز قيادات هذه الديكتاتوريات مجرد نصر ولو يتيم على هذا الكيان ، مجرد محارق مستعرة وإستنزاف وقودها الجماهير ، وقتل كل إزدهار إلا إزدهار تجارة السلاح ، كذلك التيارات المتأسلمة المشبوهة التي أوغلت في دمائنا دون مجرد عملية (جهادية) واحدة ضد هذا الكيان ، أو من حروب التجويع والتعطيش ، فكل الشركات التي نصبت سدودا على أنهارنا الكبرى إما صهيونية أو بتمويل صهيوني ، نفهم جيدا أن لا قوة على الأرض تثني الكيان الصهيوني عن تطبيق مبدأه ، من النيل إلى الفرات ، الخطان الأزرقان المنقوشان على علم هذا الكيان .

منذ سنوات ،كتبت قصة قصيرة بعنوان (الشيطان) على (كتابات) ، وقد وصفتُ الشيطان كيف كان متنكرا ببدلة أنيقة وربطة عنق ، وملامح جامدة وعينين مطفأتين ، كوّنتُ صورة في ذهني لكنني وجدتها تطابق تماما ملامح (جاريد كوشنر) ، صهر (ترامب) وعرّاب التطبيع !.