تتسابق الأحداث في العراق بشكل قل نظيره في البلدان الأخرى ، فعلى المستوى الأمني ؛ تقوم القوات الأمنية في الفترة الأخيرة بعمليات بطولية و متسارعة لاستعادة المناطق المحتلة في محافظة الانبار فضلا عن انهيار كبير في عصابات داعش الإرهابي ، و أما على المستوى السياسي فكانت و لازالت تداعيات المطالب بإجراء إصلاحات جوهرية و شاملة ، فضلا ما يرتبط بالجوانب التشريعية و الإدارية ، كل هذه الجوانب تفضي إلى ما تفضي إلى ما عبرنا عنه في هذه السلسلة من الحلقات بـ ( الميـــدان ) ، و مفهوم الميدان هنا ، هو تعبير عن ضرورة تشخيص مناطق الأولوية في التقدم من مرحلة سلبية إلى الايجابية ، و هذه تشكل في التفكير العام أولوية في وضع الأولويات … تحديد الميدان الذي على المعنيين أن يتحركوا فيه واحدة من أبرز الهنات التي تعاني منها مجمل الأفعال و الأعمال العامة في اغلب مؤسسات الدولة العراقية ، ففي الكثير من هذه المؤسسات ينشغل العاملون و خاصة من هم في المواقع العليا بأمور لا تشكل الميدان الأهم في وظيفتهم العملية ، و هذا أسبابه لا تتلخص في البعد المصلحي أو الذاتي لهؤلاء ، و إنما يتجاوز ذلك إلى أن العمل خارج ميدان الاولوية هو الان أشبه بالثقافة متفشية في المؤسسات ، و لذا أثبتت الدراسات المتخصصة أن معدل عمل موظفي الدولة لا يتجاوز الثلاثون دقيقة في اليوم الواحد ، فيما نجد أن مستوى الانشغال عند الكثير من المسؤولين و من هو في مواقع متقدمة ينصب في كيفية الحفاظ على المنصب أو الحصول على مكاسب شخصية عن طريق هذا المنصب أو العمل على نيل منصب أعلى ، و كذلك على ضرب و إضعاف من يشكلون خصوم لهذه الاهداف ، و ليس هذا فحسب سبب غياب عملية التحرك في ميدان الاولوية ، و إنما غياب الكفاءة و الخبرة هو الاخر من أبرز و أكبر الاسباب ، فضلا عن كون المعيارية في التقدم و التأخر هو على الاغلب المحاصصة و ليست الخبرة و الكفاءة و التخصص … الان ميدان الاصلاح هو ما يمكن إعتباره فلسفة ما يطلبه الناس من السلطات في الدولة العراقية ، و هذا ما عبرت عنه بوضوح و بقوة السلطة القضائية عندما صار الحديث عن ضرورة إجراء إصلاحات في الجهاز القضائي ، فكان جوابها ببلاغة متناهية : إن من يقوم بالعمل في سلطتنا هم القضاة الذي يعدون بشكل دقيق و مقتدر و على مستوى عالي ، أي أهل الاختصاص و الكفاءة و الخبرة ، و أن أمرنا قائم على أساس صرامة القانون و هيبة ما ننتمي إليه و هو القضاء العراقي .