23 ديسمبر، 2024 6:16 ص

موهبة الطائفية تورث طائفية المواهب/ مدرسة الموهوبين أنموذجا

موهبة الطائفية تورث طائفية المواهب/ مدرسة الموهوبين أنموذجا

إن مصطلح الطائفية الحديث على الساحة العراقية قديم قدم المسلمين في هذا البلد، والذين يدّعون حمايتهم للإسلام والدفاع عنه (جل عنهم الدين الحنيف) هم قادة هذا التيار اللعين وان كان في الخفاء والتورية. ونحن ما إن زارنا زائر الإفرنجة الثقيل ليحتل أرضنا ويزيل الأقنعة عن الوجوه ويظهر مكنونات الصدور حتى بدأ البعض يتفاخر بكونه طائفي متعنصر والبعض يهدد باستخدام كل الوسائل حتى المحرمة منها لينال الرضا عن نفسه كونه المنتصر على أخيه (العراقي) لصالح ابن عمه (الإقليمي)
لا أريد من هذه المقدمة المشحونة بمصطلح الفرقة المقيت (الطائفية) تقرير واقع أو معالجة مشكلة بقدر ما أريد استفزاز أصحاب العقول… عذرا لكل من يسمع كلامي، إلا أن ما سأرويه صدمني كما أظن انه سيؤثر في قارىء هذه الكلمات إن لم يصدمه لأننا اعتدنا أن ننعت حملة الفكر الطائفي بالجهل في أحسن الأحوال، إلا أن أبطال قصتنا هم على أعلى مستويات الثقافة والعلم إن كنت مصيبا ورعاة مسيرة العلم في هذا البلد إن لم أكن مخطئ.
تبدأ الحكاية قبل أكثر من عام عندما قابلت صديقا له بنت يأمل أن تكمل تعليمها في أحسن المدارس كونها مميزة بين أقرانها، وبعد طويل بحث عن مدارس المتميزين عرف بوجود مدرسة للموهوبين في العراق، قليلون هم من سمعوا عنها فقرر التقديم لابنته فيها وهنا أراد أن يعرف التفاصيل عن هذه المدرسة الفريدة فلجا إلى لعبته المحببة الانترنيت ليضع المدرسة في محركات البحث وكانت النتيجة هزيلة لا تعدو كونها معلومات دعائية لجهات احتكت بشكل أو بأخر بمدرسة الموهوبين وليس للمدرسة نفسها أي دخل بما كتب عنها، والكلام لصديقي فقرر آن يسأل أهل الخبرة وما فاجئه وفاجئني من بعده أن مديريات التربية ومدراء المدارس لا يعرفون شيء عنها اقصد مدرسة الموهوبين بل إن الكثيرين لم يسمعوا لا بها ولا بمكانها ولا دراستها وبالتأكيد لا يعرفون طريقة التقديم إليها رغم أنها تأسست عام 1998 وبعد طول بحث سمع أن المدرسة موجودة في منطقة المنصور فزار معظم ثانويات المنصور إلى آن عرف أن المدرسة كانت موجودة بصفة مؤقتة في إحدى مدارس المنصور لمدة أربعة أعوام لكون مكانها السابق خطر امنيا ربما العبارة ليست استفزازية للبغداديين لأننا اعتدنا أن تكون جميع مناطقنا غير آمنة بشكل ما ولما عرف مكانها الجديد القديم ذهب إليه وهو يحمل ذكريات ما تسمى بالطائفية ونقصد بها الفترة من عام 2005 الى عام 2010 وهو ينظر الى بيوت المهجرين التي تم تفجيرها والكلام لصديقنا مرة أخرى انه أحصى ثلاث منازل مهدمة ربما على رؤوس أصحابها وهو يقطع المسافة من الشارع العام الى المدرسة الواقعة وسط حي سكني طالما شكا اهله من مشكلة المواصلات فكانت نقطة الاستغراب الثانية هي كيف توضع مدرسة بهذه الأهمية في مثل هذا الموقع بعيدا عن معظم سكان العاصمة ؟ وربما لم يفاجئه كون الكادر التدريسي لهذه المدرسة كلهم من طائفة واحدة بحكم موقع المدرسة، الا انها كانت الصدمة الثالثة لي لأننا لا نتحدث عن ثانوية خاصة بمنطقة محددة بل عن صرح اعد ليكون الراعي لخيرة طلبة البلاد ويخدم ابناء العاصمة ومحافظات وسط العراق فهل يعقل ان يكون الأساتذة من لون واحد؟
فدار في ذهني ما كان يتندر به عن وزارة التعليم العاني والبحث الراوي وليس بعيدا عن الموضوع مدارس المتميزين وكلية بغداد والكل يعلم أين مواقعها في الزمن  البائد والأهداف لابد ان نُعمل مخيلتنا بها اما اشد ما أثارني فهو قول صاحبي انه سمع عن نوع من المعاملة الخاصة يعتمد على الاسم والمنطقة (التعامل على الهوية) يعامل بها الموهوبون في مدرستنا المصونة وصلت في بعض الأحيان الى إبعاد الطلاب من الفئات الأخرى عن المدرسة بنقلهم الى مستوى أدنى أي الى مدارس المتميزين وبحجج غريبة وواهية فهل تحولت الطائفية إلى موهبة ام ان الثقافة والعلم حدودها الاتاكيت وحفظ المعلقات وصياغة المعادلات؟ تحملت هذه الكلمات في صدري قرابة السنة وانا اصارع نفسي بين نشرها من عدمه وقررت اخيرا ان اتكلم بالممنوع لان اول طريق الاصلاح هو المصارحة فيا اخواننا تعالوا لنعمل كل منا بما يجيده: المدرس بتدريسه والطالب بدرسه والعالم بعلمه لكي لا نقطع السبيل فرسول الله وهو خير البشر يقول للكافرين (نحن وإياكم لعلى هدى او في ضلال مبين) فمهما كان الاختلاف في الرؤى يجب ان لا يفسد الاختلاف الود بين الأخوة هكذا تعلمنا ان يكون البيت حرا والعائلة سعيدة، وقد آن للطائفية ان تزول من حياتنا وآن للمسؤولين أن ينظروا إلى بؤر الشحن الطائفي بعيون مستقلة غير متحيزة ليعالجوا خطورتها لكي تعم الفائدة جميع العراقيين بدل ان تحرم منها طائفة الأغلبية وتستفيد منها طائفية أقلية بسبب تقصير وزير أو تعمد مدير.
وانا هنا أوجه دعوتي إلى السيد وزير التربية الموقر وأطلب منه باسم كل الآباء الحريصين على مستقبل أبنائهم ان يتم نقل مدرسة الموهوبين من مكانها الحالي إلى مكان محايد أكثر أمنا لكي يشملها التنويع (أساتذة وطلابا) ولا تبقى حكرا على طائفة واحدة من الطيف العراقي الملون وتبقى الألوان الباقية محرومة من الاطمئنان على مستقبل أبنائها.