22 نوفمبر، 2024 7:39 م
Search
Close this search box.

موهبة التمثيل في قصة “لا أريد خداعكم” لأوغستو مونتيروسو

موهبة التمثيل في قصة “لا أريد خداعكم” لأوغستو مونتيروسو

هناك موجة جديدة بين فنانات هذا الزمن خصوصا من يحترفن الغناء ويظهرن عبر الفيديو كليبات كعارضات، أصبحن اليوم مهووسات باحتراف التمثيل لأجل العبور إلى شاشة السينما كأسماء لامعة، ولكن السؤال يطرح نفسه: هل من نجحت كمطربة وكسبت جماهيرية كبيرة ستفرض وجودها كممثلة سينمائية أم سيختفي بريقها الفني بمرور الزمن؟

هذا ما ذكرني بقصة للمبدع أوغستو مونتيروسو كنت قد قرأتها سابقا تحت عنوان “لا أريد خداعكم” حيث أنها تختزل بين سطورها حكاية فنانة جريئة تعترف لجمهورها خلال حفل سينمائي ولأول مرة بأنها لا تمتلك موهبة التمثيل بتاتا، ورغم ذلك حصلت على لقب “الفنانة القديرة” كما يقول السارد: “قالت:

-عزيزي الحضور الكريم، شكرا جزيلا. أود أولا أن أؤكد لكم أنني لست ممثلة قديرة، كما نعتي للتو صديقي العزيز، السيد…السيد…ثم أشارت

إلى عريف الحفل..بل إنني لست ممثلة أصلا. بالطبع أود لو كنت كذلك فأمنحكم من وقت إلى آخر بعض دقائق من المتعة ولكن…” (ص 131).

غير أن هناك من المخرجين اليوم من يؤكد على أن المغنية الفلانية تمتلك موهبة التمثيل لمجرد أنه صور لها فيديو كليب، وعليها خوض التجربة دون أدنى تردد وقد تصبح كالأسطورة الفلانية في البلد الفلاني، وهذا بدوره مجرد ترويج لفكرة قد لا تتجسد على أرض الواقع لتصبح مع الأيام وهما كما نقرأ عن ذلك في قصة مونتيروسو: ” ما إن كنت أقف أمام الجمهور، حتى أشعر بأن أفكاري صارت هباء منثورا ويتصبب عرقي بعد أن ألاحظ عيون الجميع وقد صوبت نحوي وكأنني عارية تماما…” (ص 132).

رغم كل ذلك فبطلة القصة وجدت من يدعمها، وهو أقرب إنسان يتواجد في حياتها حيث كان زوجها هو بنفسه صاحب شركة الإنتاج مما سهل عليها دخول مجال التمثيل من أبوابه الواسعة، وهي فرصة قد لا يجدها شخص آخر يمتلك الموهبة الحقيقية في هذا المجال حتى ولو درس في الجامعة وحصل على الشهادة التي تثبت ذلك: “عبثا حاول زوجي تشجيعي والتكرار على سمعي هيا تشجعي، في السينما ليس علينا أن نعرف التمثيل!” (ص 133).

بطلة القصة “السيدة فوشييه” التي جاءت إلى الحفل السينمائي الذي لم يجري الترتيب له كما ينبغي، لم تنسى أن تتألق بين الحاضرين كي تعرض جمالا أخاذا بثوب مزركش وجملة من المجوهرات الثمينة، حيث وقفت بثقة تتحدث عن حبها للتمثيل لكن كل ذلك لم تجده كافيا كما يقول السارد: “- في المقام الأول، يلزم كثير من الدراسة، لكنني، حسنا! لا أصلح لهذا المجال: فأنا لا أكف عن الشرود. أضيع حبل أفكاري، وأبدأ التفكير في شيء آخر دون أن أنجح في التركيز، على أن أول متطلبات

الفن هو التركيز والمثابرة وعدم التفكير في شيء غيرهما.” (ص ). 135

تكشف بطلة مونتيروسو شغفها بموهبة التمثيل بالرغم من افتقارها للموهبة الفنية، حيث أنها كانت كثيرا ما تشعر بمعنى السعادة حين تجد نفسها تقف كممثلة أمام مرآتها: “صحيح أنني في واقع الأمر أحب التمثيل وأحيانا، عندما أكون وحدي في البيت، أقف أمام المرآة، ودون أن يراني أحد- وإلا سأموت من الخجل – أقوم ببعض مشاهد الراعية كي أحافظ على دربتي. في تلك أنسى كل شيء وأكون سعيدة، ولكن إن دخل أحدهم فجأة وأنا أخطب، أتظاهر أنني أسرح شعري أو أحاول قتل ذبابة. إن ما أحبه أكثر هو التمثيل الكوميدي، لأنه إذا ما اصطدم أحدهم بحائط مثلا، انفجر الجمهور ضاحكا من غير أن يرى عيبا في ذلك، أما الدراما فهي أمر آخر.” (ص 133-134).

لم يبدو الجمهور متحمسا لكل ما تقوله بطلة القصة، وهو نفس الأمر الذي نعيشه اليوم في المهرجانات السينمائية حيث اختلط الحابل بالنابل، فنجد مثلا ممثلين وممثلات من الدرجة الأولى وآخرين وأخريات من الدرجة الأخيرة في هذا المجال صنعتهم الصدفة والإعلام إن صح التعبير، ومن هذه الأجواء نقرأ ما يلي: “استطاع الحضور الأكثر وقارا إسكات الهمس الذي بدأ ينتشر في أرجاء القاعة. ووافق الأقل صبرا من بينهم على الاستماع للحظات أخرى لزوجة السيد فوشييه نصف مستمتعين نصف مكدرين.” (ص 134).

ما أجمل أن يكون الفرد صادقا مع نفسه ومع الآخرين في حياته ولنا في “مدام فوشييه” أكبر مثال كما يقول السارد عبر ثنايا القصة: “- إذا كنت قد دنوت من هذا الميكروفون، حسنا! فهذا لأنني أردت أن تعرفوا كم أنا مسرورة لوجودي هذا المساء وسط هذه الكوكبة من الممثلين العريقين، ولكن أن أكون ما قاله عني السيد، كلا. لأنني حقا، لا أريد أن يكون

تصوركم عني تصورا مزيفا. أعدكم بأنه لو سنحت لي الفرصة، سأبذل بعض الجهد، سأدرس ذات يوم، حسنا! وسأكون جديرة بلقب فنانة، لكن علي في هذه اللحظة أن أكون صريحة وألا أخدع نفسي وأخدعكم.” (ص 136).

رغم صدق وصراحة بطلة مونتيروسو فهي بقيت متمسكة بحبل الأمل حتى ولو كانت بداياتها في مجال لا تعرف خباياه سيكون من خلال دور بسيط قد يكون كتجربة أولى قابلة سواء للنجاح أو للفشل: “خطر لي الآن فجأة أنه ربما يكون أسهل علي أن أعمل في فيلم ينتمي لتيار الواقعية الجديدة، وإن كنت أقول لنفسي أيضا ماذا ستفعلين، وماذا لو فشلت؟! لا أعرف قد يكون هذا هو الطريق الذي علي أن أشقه: دور بسيط دون أي تعقيدات، أستطيع من خلاله أن أرتجل قليلا دون أن ينتابني القلق، مطلقة العنان لسجيتي. حسنا! على كل حال، لا أدري.” (ص 137–138)

أحدث المقالات