23 ديسمبر، 2024 12:45 ص

كانت وماتزال المواهب مُنح إلهية, لانستطيع تفسيرها, أو معرفة كيفية إكتسابها, بالرغم من محاولاتنا المستمرة للوقوف على أسرارها, تبقى الموهبة شيء غير مادي, كونها تُحس ولاتُوصف.
وهذا مايتجلى أمامنا, عندما نشم رائحة وردة زاكية, نحن على يقين إن الرائحة جميلة, إنما المشكلة لانستطيع إيصال عطرها للأخرين, إلا أن يشموها بأنفسهم.

من هذه المواهب, موهبة الإقناع, وهي فن, لايقوم على مقومات الدراسة والتعليم, بل الدراسة والتعليم تقوم عليه.
هو موهبة كما الخط والرسم والنحت…الخ, من المواهب المكتسبة ربانياً, إنما يمكن للدراسة والتعليم, أن تحيطه بهالة, من العوامل الكمالية, أبرزها تقديم من يحملها للمجتمع, على إنه أكاديمي.
ومن يُريد أن يعلم أحداً, كيف يستطيع من يملك موهبة الإقناع, أن يُقنع الأخرين برأيه, كمن يُريد أن يُعلم من لايملك موهبة الرسم, كيف يُصبح رساماً كبيراً, لأن معرفة أنواع القماش الجيد في الرسم, وأسماء الألوان ودرجاتها شيء, ورسم لوحة تأسر قلوب الناظرين لجمالها, شيء أخر.
وعلى تعدد المواهب, الي يمكن أن يتمتع بها الأنسان, تبقى موهبة الإقناع, من أرقى وأجمل وأنفع المواهب, التي يمنحها الله لعباده.أولئك الذين يملكون سحر البيان, إذا ماتكلموا, تُذعن لكلامهم حتى الجدران الصماء, وإذا ماكتبوا, تُحلق قلوب من يقرأ كتاباتهم الى السماء.
وهذه نتيجة لتراث وتاريخ طويل, من التجربة والمعرفة والبحث, حتى وصول الشعوب الى هذه الحقيقة.بعد أحداث وقصص طويلة, عن شعوب عشقت السحر, فكانت معجزة نبيهم السحر, وعن شعوب عشقت أسرار الموت والحياة, فكانت معجزة نبيهم إحياء الموتى, وشعوب أخرى عشقت ماعشقت, فكانت دعوتهم الى الله بما عشقوا, حتى الوصول الى شعوب عشقت البيان وسحره, فكان نبيهم أشرف الأنبياء وخاتمهم, عليه وعلى اله وعليهم صلوات الله, وكان كتابه هو معجزتهم التي أعجزتهم, وكانت حجةً عليهم, لما فيه من سحر البيان وكمالهُ.
وموهبة الإقناع كغيرها من نعم ومُنح السماء, قد تُستخدم في الخير, أو الشر.
كالذي يستخدمها لنُصح الناس وهدايتهم, الى طريق الأخلاق القويم.
أو كالذي يستخدمها في تظليل الناس, لتحقيق مكاسب شخصية وفئوية ضيقة, مع تزوير وتزييف الحقائق, وتلفيق الأكاذيب, بالإعتماد على أساليب وطرق دنيئة.

كما وإن الحقيقة التي لايعرفها الجميع, إن سر تقدم وتطور الشعوب, هو بوجود أعداد كبيرة فيها, تملك موهبة الإقناع.
التي تبدأ من المنزل, مروراً بالمؤسسة التعليمة, وإنتهاءاً بالمجتمع.
حيث يبدأ الأب بإقناع أطفاله, بضرورة التحلي بالأخلاق والعلم والفضلية, وماتحمل هذه الصفات من معايير, تُطبق في كل مفاصل ونواحي الحياة, فيدخلون الى المؤسسة التعليمية, وهم يعرفون معناها وغايتها وأهميتها, فتقوم هذه المؤسسة وعلى ثلاث مراحل, بإعداد فرد صالح وناجح ومؤثر في المجتمع.
المرحلة الاولى, وهي مرحلة صقل ماتعلمه الأطفال من منزلهم, والمرحلة الثانية, وهي مرحلة إعطاء أسس العلم والمعرفة, والمرحلة الثالثة والأخيرة, وهي مرحلة التخصص الدقيق, ليُصدر الى المُجتمع, أفراد ناجحين في شتى المجالات.
سلسلة مُحكمة, في منظومة تعمل بكفاءة عالية, أساسها البيت ونهايتها المُجتمع, تعمل بمُحرك رئيسي, وهو الإقناع.
أب يملك موهبة الإقناع, فيقنع أطفاله, بأهمية التعليم, وأستاذ يملك موهبة الإقناع, فيقنع تلاميذه, بأهمية المناهج الدراسية, وضرورة إستيعابها, ثم زرق عقار العلوم والمعرفة, في جسم يوفر بيئة خصبة, لتلقيها والتفكر بها وإستيعابها والمحافظة عليها, والنتيجة مجتمع ناجح ودولة متقدمة, إرتكزت في أساسها, على أفراد يملكون موهبة الإقناع, إستطاعوا بجهد وتفاني, إجبار تلك الموهبة, أن تكون جيناً وراثياً, ينقلوه عبر الأجيال