ــ بول بريمر يرقص الفلامنكو ــ
ليس من المنصف ان تحول زيارة الحاكم المدني بول بريمر الى مناطق الاهوار الى خواطر وجماليات ترسم سحر المكان والموكب الرئاسي الذي فزع المعدان لتحيته برفع مرادي مشاحيقهم بعد ان قال لهم مخاتير القرى ومدراء النواحي أن هذا الرجل الامريكي هو من سيجلب لهم الماء والسمك وطير الفلامنكو…
لكن الفلامنكو لم يأت إلا عندما توسلت اليه دموع المعدان ، وبريمر ذهب ليعيش في باريس ، ويقال انه تزوج من عراقية ،وكل صيف يذهبان الى سواحل مدن الاندلس الواقعة امام ساحل المتوسط والاطلسي في طنجة المغربية ليتذكرا الدخان والدبابات في العراق ويرقصان الفلامنكو…
وبعيدا عن الفلامنكو .الجندي اثير سويدان لهمود المتطوع في الفوج المشاة الرابع لواء الخامس حدود والذي تم سحبه من منطقة حقول مجنون كأسناد للسرية الامريكية الاولى في لواء المارنيز والمكلفة بحماية رحلة بريمر الى الاهوار ، وهو من سكنة قطاع 11 في مدينة الثورة ويدرك جيدا ان ابيه وامه كانا من ولادة مناطق الاهوار ونزحا الى بغداد حين تطوع الاب جنديا في شرطة الخيالة .
تخرج اثير من كلية الاداب .وتعين عاطلا في مقاهي المدينة ، ولم يجد بعد 2003 غير ان يكون جنديا في فوج حدود .
اثير الذي كان يراقب رحلة الحاكم المدني .كان شاهد عيان على ما يرويه الآن من قصة نخلتين برحيتين ذبحا من غير ذنب ، وحين انتهى من كتابة القصة ،ذهب الى صوت مطربه المفضل سلمان المنكوب ليبكي معه :
في عام 2003 قام الحاكم المدني ( رئيس جمهوية العراق ــ لعام كامل ) بول بريمر بزيارة مناطق الأهوار وكان على موكبه في كل مدينة ان يمر بالمقرات الأدارية للأقضية والنواحي وكان يرسل كشافا للمكان ومعه مترجما للتهيئة للزيارة وتفحص المكان امنيا ..وفي واحدة من تلك المقرات اجبر المترجم المسؤولين على قطع شجرتي نخل امام بناية الناحية بحجة انهما يعيقان وقوف الموكب بسيارته التي وصلت اعدادها الى مئة سيارة وعندما قال احد الموظفين القدمى :انهما البرحيتان الوحيدتان في المدينة بين اصناف النخل وان ابيه هو من زرعهما قبل 50 عاما عندما كان بستانيا في دائرة الناحية.
قالوا له سلامة الحاكم المدني اهم من تاريخ ابيك والبرحي .
قفزت دمعة مستترة من الخوف في عيني ذلك الموظف وبدم بارد تم قطع النخلتين …..!
برجية ومجنون خلف السدة
لم تفارق صورة موت النخلتين وجه اثير ، وحتى يعوض دمعته تلك التي اراد ان يرجم فيها وجه بريمر ، راح يسأل في القطاع 11 والقطاعات الاخرى إن كان بيت من البيوت فيه برحية حتى يشتري منهم فسيلتها ويزرعها في حديقة بيتهم الصغيرة تعويضا لما اقترفوه هناك حين قطعوهما .
سأل في المقهى …
سأل اصدقائه …
الجنود الذين معه في الفوج من ابناء الثورة …
فلم يجد ، ولكن احد الجنود أخبره ذات يوم ان خلف السدة ..حيث ينثر الليل خوفه .ويتأبط التلامذة في ظهاري الصيف كتب مراجعات طفولة البكلوريا ، هناك بيت تجاوز لرجل يحب العزلة وقد زرع قرب بيته الصفيح خمسة نخلات يظن ان من بينهن نخلة برحي.
في الاجازة ذهب اثير الى ذلك المكان ، وما استغرب له انه على بعد عشرين مترا من بوابة بيت الصفيح كان هناك صوت اله تسجيل تصدح باغنية لسلمان المنكوب ،فضحك اثير وقال معه نفسه :اذن صاحب النخلات سيكون صاحبي ولن نختلف ابدا…
جلس مع الرجل الذي رفض بشدة ان يبيع اي نخلة من نخيله .
ولكن اثير راح يستعطفه بالكلام العذب ليتكشف ان صاحب بيت الصفيح معلما قديما فقد حبيبته حين دهسها القطار في منطقة العلاوي عندما كانت ذاهبة معه امها لزيارة مراقد الائمة في كربلاء ، فجن بعد موتها ، وترك الدنيا والتعليم ولجا الى سلمان المنكوب يستعيد مع منازله منازل شوقه القديم.
تسائل اثير مع نفسه سأقنعه حتما ، وهو يتذكر قولا لاستاذ الفصل الصوفي في كليته قوله :ان مجانين الغرام اكثرا عقلا في التفكير في المسائل الحياتية الهامة. فهم يعودون الى رشدهم ويفسرون الامور كما فسرها الفارابي واينشتاين والحلاج.
لذلك فكر ان يقص عليه قصة نخلات بريمر ليستميله ويؤثر عليه.
كان اثير يقص خكاية النخيل وصاحب البيت يبكي .وسلمان يغني …
وفي النهاية قال الرجل بصوت يملئه النحيب :يا ولدي خذ البيت هو ونخلاته..!