18 ديسمبر، 2024 6:06 م

آلن ديلون ــ أورنيلا مينوتي

في عام 1986  عرضت سينما غرناطة في الباب الشرقي الفيلم الفرنسي الشهير ( حب في سوان ) وهي ترجمة خاطئة من المترجم رقيب الافلام في وزارة الثقافة والاعلام العراقية حيث بقيَّ الفيلم محجوزا لاكثر من ستة اشهر بحجة اننا نحتاج الان الى افلامٍ تعبوية وليس الى  افلامٍ رومانسية ، والاسم الحقيقي للفيلم هو ( سوان العاشق ) من بطولة النجم الفرنسي الن ديلون والممثلة الايطالية المثيرة اورنيلا مينوتي.

والفيلم مأخوذ على ما أظن عن واحدٍ من اجزاء رواية الروائي الفرنسي مارسيل بروست ( البحث عن الزمن الضائع ) والتي وزعت في العراق بشكل كبير بجزئها الاول دون بقية الاجزاء وبترجمة وطبعة سورية.

بين الذين حضروا الحفل ، القاص( محمد روضان صبر ) ، وقد شغلته القراءة السحرية لمارسيل بورست واعجابه بالسحر الميتافيزيقي لاورنيلا مينوتي وقد كانت من بعض ملاذات الغرام لعاطفة الشباب وبدايات كتابات القصة ، وهروبا من شظايا مدافع بنجوين حين اقترب الموت منه كثيرا هناك ،فكان وجه اورنيلا مينوتي بعض من تعويذة النجاة وقد عرف بذلك جميع اصدقاءه من مثقفي الثورة حيث صحبه لمشاهدة الفيلم ثلاثة اصدقاء من قطاعات مختلفة ولكن الرحلة المدرسية جمعتهم وكذلك قبعة الجندية .

علي فرحان شاعر سريالي، محمد دخيل فاضل رسام تشكيلي ، نوري غامد عنتر ، ( بطال عطال ) هارب من الخدمة ويشغل عامل مقهى في ساحة 55..

حين ابتدا الفيلم وتساقط الهمس الفرنسي على شكل قبلات فم حارة بين ديلون ومينوتي ساد قاعة السينما صمت رهيب .

وبعض الارائك دفعها الشوق والفحولة الى ان تتهز مع افخاذ جالسيها ، وحده نوري غامد اخترق الصمت الشهي وصاح :

يالله هاي موشفايف .هاي قيمر وخد العنبر لللمعدية سنية ، احلى نسوان خمسه وخمسين .

مونليزا صحون القيمر

تغبش المعيدية (سنية ماهود ارشيم ) في الساعة الرابعة صباحا حيث ينتظرها ورفيقات لها سائق سيارة الفولكا موديل 1972 السائق الكهل عبد خطار هاشم وقد اجرنه لينقلهم هن وبضاعتهن من القيمر والخاثر من بيوتهن في منطقة الكمالية وحتى ساحة 55 في مدينة الثورة ، حيث يخترن مكانا قريبا من منطقة وقوف باص مصلحة نقل الركاب ذي الرقم 55 وهو ما سميت الساحة بأسمه ، واكثر زبائنهن من عمال مساطر الطين والجنود المكلفين الذاهبين فجرا الى عرضات التدريب في ثكنة التاجي،  ومن بعض الزبائن عمال البلدية والكري في قناة الجيش ، وبعض الشباب المبكرين للالتحاق بجامعاتهم . اما الموظفون فلا يشترون من قيمر سنية وزميلاتها ، بسبب تحذير زوجاتهم لهم ،وارغامهم  على تناول الفطور في البيت لأنهن يشعرن أن جمال وسحر سنية التي اطلق  عليها زبائنها اليوميين لقب مونليزا ساحة 55، ربما يجعل الرجال فاترين ازاء شهقة الليل ودفء الاحضان على وسائد الحب.

وحدها سنية كانت تسخر من اصحاب البدلات الرسمية وربطات العنق حين يمرون وهم يرسلون نظراتهم الشهية بأطراف اجفانهم وتقول لهم :ابقوا خائفين من نسائكم .ستظلون والى الابد في حسرة لضحكة سنية وقيمرها..!

سنية والجنود

حفظت سنية اسماء كل زبائنها من الجنود ، وصارت تعرف مواعيد اجازاتهم ، والجبهات التي يأتون منها ويذهبون اليها ، وحين يتأخر احدهم عن صحون صباحات قيمرها وقت الالتحاق تعرف انه لم يأت مجازا بسبب معركة ما ، وحين يطيل غيابه ، ما تفعله عجيبا وغريبا .

أنها تتقصى عن مكان بيته بسرية تامة ، وبغرائبية لا مثيل لها ، يأخذها احساسها ان شيئا ما حدث الى ذلك الجندي الذي تعود أن يجد المزيد من الحياة في ابتسامات بنات المعدان .

وعندما تستدل على بيته ، يفاجئها الجدار بلافتة سوداء تقول أنه الان اصبح شهيدا ..

ما تفعله سنية ماهود ارشيم .التي اتت من اب ولد في قرى اهوار حلفاية ميسان وهاجر وجواميسه الى منطقة الكمالية قبل عشرين عام حين سمع أن اهل بغداد يحبون قيمر المعدان اكثر من قيمر سدة الهندية . ماتفعله هو انها تشتعل بلحظات من نحيب خافت ومكتوم ، وبهدوء وبعيدا عن عيون المارة .تضع صحنا من القيمر تحت اللافتة المعلقة على الجدار ثم تمضي بعيدا …