ولد مونتسكيو في العراق عام 1920م ، وتربى و ترعرع في كل أجزائه ، شماله ، وسطه و جنوبه ، وعايش جميع حقب و عهود العراق ، الملكية و القاسمية و العارفية و البكرية و الصدامية ، رغم أن أصوله لم تكن عراقية ، إلا أنه أستطاع العيش و التأقلم في أجواء العراق الحارة ، كان من أصول أوربية و بالتحديد فرنسي الجذور ، لكنه لم يجد إختلافاً عن بيئته الأصلية في ظل الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق ، فقد كان محبوباً لديهم ، حتى منحوه الجنسية العراقية بأمتياز ، بعد أن نال ثقة العراقيين جميعأً ، الذين وثقوا بصدق نظرياته التي شاهدوها تطبق في الحياة السياسية و الاجتماعية ، والتي حفظت لهم كرامتهم و حقوقهم و أحترامهم أمام شعوب وأمم العالم .حتى جاء ذلك اليوم الذي جُرد به مونتسكيو عن جنسيته العراقية في عام 2003 م ، و سحبت منه كامل حقوقه ، بعد أن وجهت لهُ العديد من التهم المكارثية ، و فوق كل ذلك ، طُرد من أرض العراق ، رُغم أن نظرياته التي كان يدعو لها ، لم تُعرض المجتمع العراقي لأي خطر ، ولم تُصب نسيجه الإجتماعي بأي تمزق ، بل زادت تلك النظريات التي أطلقها مونتسكيو من قوة ذلك النسيج ، و الذي أصبح بفضلها المواطن العراقي يتنقل بين أجزاء بلده دون أن يميزه أحد او يُسأل عن الوجهة التي يقصدها .رحل مونتسكيو عنا ، على إيدي معارضيه ، الذين جائوا بنظريات ، قالوا لنا أنها أفضل من نظريات مونتسكيو البالية ، التي لم تجر عليكم سوى الويلات ، فبعضنا صدق إدعائهم ، و البعض الآخر حزن على رحيل مونتسكيو ، الذي لم يروا منه سوى الخير والامان .اليوم ، وبعد مرور ثلاث عشر عاماً على رحيله ، نعضُ أصابعنا ندماً ، على ما أصابنا من بعده ، فما عُدنا نرى الراحة ، و لم نعد نستطع العيش أو التنقل بين مدن عراقنا ، بل أن بعضاً من تلك المدن لم يبقى فيها سوى الخراب ، يتامى ، أرامل ، ثكالى ، مهجرون ، معتقلون ، مهانون ، مفلسون ، محطمون ، حتى بات العاقلُ فينا يحسدُ من صار تحت التراب .عزائنا في أنفسنا اليوم ، أننا على وشك اللقاء مجدداً بمونتسكيو العراق ، الذي سيعود قريباً ، ويزيح عنا تلك المأساة ، وتلك الطبقية و العرقية و الطائفية الرعناء ، التي مزقت بلادنا اشلاء ، سيعود مونتسكيو ليعلن انتصار نظريته التي لم يقدرها نفرٌ منا ، سيعود ليفصل الدين عن الدولة ، لنكتب على جدران مدارسنا و شوارعنا و أسواقنا ، شعار (( الدين لله و الوطن للجميع)) .