23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

مول بغداد وتحرير تلعفر

مول بغداد وتحرير تلعفر

إحتفلنا بافتتاح (مول بغداد).. ولم نحتفل بتحرير تلعفر.. إحتفلنا بقدوم الرسّام وكرزون والديك وداليا.. ولم نحتفل بقدوم رجال التحرير والإنتصار.. إحتفلنا ورقصنا حتى الصباح على أوجاع الثكالى والأيتام والأرامل وأنين الأمهات.. نسينا وتناسينا أزيز الرصاص وأصوات المدافع وإنفجار المفخخات والعبوات الناسفة.. إحتفلنا حين رقص البعض من رجال المال على طاولات الساقطات، ونثروا الأموال على المؤخرات قبل الرؤوس وهم يدفنون وجوههم الكالحة بنهودهنّ المنتفخات، إحتفلنا وصفقنا لأصحاب الكروش من الذين إستولوا على الشجر والحجر، وأعلنوا عن فتح فتوحهم في مول بغداد الأغر، وقرروا أللا تدخل البضاعة المحلية إلى مملكتهم الثورية، لكي تغلق المعامل والمصانع وكل شيءٍ يحمل علامة تشير إلى (صنع في العراق)!.

تعالت بعد ذلك الزغاريد المصحوبة بإطلاق الألعاب النارية، وليصدح صوت الديك في البستان.. الله ينصر أبناء وحاشية السلطان ويزيد من الدولار في جيوب رجال الأعمال! هكذا يحتفل الميسورون وأصحاب رؤوس الأموال.

بالامس سقط ابن مدينتي ألـ(حرية) أبو سيف.. شهيداً مضرجا بدمائه الزكية الطاهرة في معركة تحرير تلعفر.. لم تنشر الصحف والمجلات نعيه أو تعلق اللافتات في الساحات وليتم تشييعه من قبل أبناء منطقته حصراً.. أقول.. يال الأسف.. لم يصل إلى مجلس عزائه الكريم سوى الفقراء وأبنائهم، بينما قرأت في الصحف والنشرات الإخبارية، نعياً لقريب أحد الوزراء، وشاهدت ساحات العاصمة وهي مليئة باللافتات السوداء التي تعزي الشعب العراقي بهذا المصاب الجلل، لا بل أكثر من ذلك لأني وجدت المسؤولين و رجال الأعمال وعدد غير قليل من موظفي الخدمة العامة وهم يتسابقون لتقديم واجب العزاء لمعالي الوزير لوفاة قريبه!.

أي نفاق هذا وأي دجل أصبحنا نعيشه مجبرين في زمن غابت الرجولة والشهامة والشرف والإحساس بالمسؤولية عن البعض؟!. آي حقبةٍ زمنية قذرة هذه التي نراها وهي تجسّد ما يدفع من بعض رجال الأعمال لعشرات الشدات من الورقات الخضراء لمطربين، لمجرد أنهم يسجلون لأنفسهم بصمة غير مشرفة في إحتفالٍ تحس إن أوجاعه وأتراحه أكثر من أفراحه وفي وقت تحتاج فيه عوائل الشهداء للمسة وفاء من هؤلاء الذين كبرت بطونهم من السحت!. أي زمانٍ هذا الذي تجد فيه رجال العهر السياسي والمالي وهم يتاجرون بقضية وطن أصبحت واجهته الشهداء الذين كتبوا تاريخه الحديث مع الأبطال بدمائهم وسواعد الرجال الذين سطروا لنا أروع الملاحم البطولية ليس للدفاع عن وطنهم فحسب بل وعن الإنسانية جمعاء.

مبارك لشعبنا الجريح تحرير تلعفر التي عادت إلى حضن الوطن، وتبا لمن تاجروا بدماء الشعب وإكتنزوا المال الحرام على حساب الفقراء..