كلاهما الداني والقاصي , والأبعد والأقرب منهما , ومعهما عموم الرأي العام المحلي والأقليمي والدولي , باتوا على قناعةٍ وادراكٍ مسبق أنّ هنالك تساهل امريكيّ ملفت للنظر , ومرونة مقصودة تجاه داعش وتحركاتها , واتجاهاتِ تحركها في العراق . وقد بلغ الأمر ” في اقلّ تقديراته وفي حدّه الأدنى ” أن تحدّثتْ القاضية الأمريكية – جينيني بيبيرو – الى قناة فوكس نيوز امس الأول مُوجّهةً حديثها الى الرئيس اوباما وبلهجةٍ ونبرةٍ حادّه قالت فيها : > لا احد يعلم ما هي مهمّتك في العراق .؟ , اين كنتَ نائماً ممّا يجري هناك , واين كنتَ طوال الشهور الماضية و داعش تقطع الرؤوس وتقتل الفتيات .! , هل كنتَ تضع قناعاً على عينيك يا اوباما .؟ , إنّ التمثيلية التي تمارسها وتؤديها بادّعائك بضرب داعش قد صارت مكشوفة وعارية < … وهنا لعلّه يصحّ القول : منْ فمكِ اُدينكِ يا امريكا …
إنّ العالم برمّته ” وخصوصاً الغرب .! ” يتحدّث وينادي بخطرِ داعش , لكنّ داعش تتحرّك وتحتل وتهاجم وتقتل وتُهجّر في المنطقةِ العربيةِ فقط .!! , فعدا ما يشهداه العراق وسوريا من جرائمِ حربٍ يندّى لها جبين الأنسانية من قبل داعش , فأنّ هذا التنظيم سبق وان هددّ للتدخّل في مصر , وسبق ايضا ان حرّك خلاياه النائمه في الأردن , وكانت له تحرّكات مبهمة في لبنان , ولا أحد بوسعه ان يجزم او ينفي انّ لداعش فروعٌ بمسمّياتٍ اخرى في بعض الاقطار العربية , بل انّ معظم البلدان العربية هي في حالة استنفار امني ووقائي ونفسي واستباقي لأية عمليات تخريبية وتفجيرية قد تقوم بها داعش او مشتقاتها ومرادفاتها , وهذا أمرٌ صار يُؤرّق قادة وزعماء الدول العربية واجهزتها الأستخباراتية…
وازاء هذا الخطر القائم واحتمالات مضاعفاته القائمة ايضا وخصوصا في العراق , ولا سيما ضمن الدبلوماسية المشلولة في العراق , وبشكلٍ خاص في ظلِّ التغييرات السياسية الجديدة وانتظار تشكيلة الوزارة الجديدة , فالمطلوب > اولاً < : القيام بتحرك سياسي فعّال للتنسيق مع بعض الدول العربية في محاولةٍ للتأثير واقناع دول حلف الأطلسي او الدول الأعضاء في الأتحاد الأوربي لأجل القيام بجهد عسكري جويّ مشترك ومكثّف لضرب مواقع داعش في شمال العراق , وخصوصا اذا ما اخذنا بنظر الأعتبار أنّ الدول الخليجية النفطية ومصر لها ما لها من قدرة التأثير في ذلك بشكلٍ او بآخر , على الرغم من انّ مثل هذا التحرّك العربي المشترك ليس سهلاً وغير مضمون النجاح , لكنه من الضرورة إدامة آليّات ذي ديناميكية وحيوية متجددة , > ثانيا < : وعلى ذات المسار , وعلى الرغم من علاقات العراق المتردية مع عموم الدول العربية في فترة حكم المالكي , لكنه لابدّ من فتح صفحةٍ جديدة والأنفتاح على الأشقاء العرب , وباتالي ان تبذل الدبلوماسية العراقية ما بوسعها ودونما كلل لمحاولة اقناع عددٍ من الدول العربية التي تعاني من اخطار محتملة من داعش , وذلك للقيام بعمل عسكري – جوي عربي مشترك لضرب وقصف قواعد ومواقع داعش , رغم الأدراك المسبق انّ بعض البلدان العربية لا تستطيع ” سياسياً ” القيام بمثل هذا الدور دونما موافقةْ امريكية .! , لكنّ ذلك لا يمنع من مواصلة هذا الجهد الدبلوماسي الدؤوب بغية محاولة التوصّل ولو الى الحدّ الأدنى من موقفٍ عربيٍ وعمليٍ مشترك لمواجهة داعش واخواتها .. وفي واقع الحال , وفي واقع العراق الغريب الأطوار , فليس هنالك تفاؤل كبير بنجاح ايٍّ منْ هذين الرأيين اعلاه , ولكن يتوجّب على عجلة الدبلوماسية العراقية أنْ تخرج من مرآبها المقفل وأن تعيد الحياة الى مُحرّكها المتصدّئ …