بين فترة واخرى تظهر لنا سلبيات اخرى لعدم وجود قانون يحمي المواطنين في حالة حصول نزاع بين ابناء الوطن الواحد لاي سبب كان ؛ ولما كانت الحكومة عاجزة عن المطالبة بعدم التطاول على القانون ؛فقد عمدت الجكومة الى تقوية جانب رؤساء العشائر ؛ بسبب الحاجة الى اصوات ابناء عشائرهم في الانتخابات .
وكانت توجد بعض العشائر في جنوب العراق تتفاهم فيما بينها بصورة خارجة عن القانون , وتبقى قوات النظام الصدامي تنظر اليهم حتى تنتهي تلك المعارك الدامية ؛ ولكن هذه المعارك كانت تحصل في مناطق نائية وبعيدة عن المدينة , ولم تكن الناس في المدينة تشعر بها .
ولكن في هذه الايام صارت الحكومة لا تتدخل في النزاع العشائري في اي مكان حصل من البلد , حتى اصبحت الناس لها قانون والعشائر لها قانون اخر , وتتم المعالجات في العادة بعيدا عن الدولة وبقوة السلاح الذي يعتبرونه قاطع لفتن كما يعبر بعضهم جهلا وعتوا .
وبسبب خطورة واثار مثل هذه الاساليب في معالجة المشاكل التي تحصل بين ابناء الشعب الواحد صار لزاما على العقلاء ان يبحثوا عن وسيلة لايقاف هذا النهج الفوضوي في حل النزاعات , وقد اصبحت القضية خطرة جدا وكلما كان الشارع مليئا بالسلاح ولاي سبب كان صار الاحتكام اليه امرا طبيعيا أكثر وهذا ما حصل بالفعل هذه الايام .
ومن هذا المنطلق دعت المرجعية الدينية الجميع الى الالتزام باحد امرين اما الاحتكام الى قانون التصالح في مورده المناسب له او اللجوء الى القضاء في حل مثل هذه القضايا , وكان هذا الموقف انطلاقا من حرص المرجعية على دماء الشعب العراقي الذي يذهب نتيجة اللجوء للاسلوب العسكري في حل النزاعات .
والمعروف ان المسؤولية الجزائية في الفقه الاسلامي لا يقتصر دورها على اقامة العدل في تلقي المعتدي جزاءه المناسب مع عمله كما هو واضح من خلال العقوبات الاسلامية وانما الهدف الاخر هو الحفاظ على وحدة المجتمع امام الظروف المماثلة لان التدخل غير المناسب في عمل رجال الشرطة سيؤدي حتما الى عدم العدالة في تطبيق القانون وهو امر مرفوض من الشارع وهو غرض اصلي واستراتيجي في مثل هذه التشريعات الفقهية الجزائية .
ولما كان تطبيق القانون ايضا يحتاج الى جو من الامن بالنسبة الى المسؤول عن تطبيقه ؛ صار من المهم جدا الا يعامل بعض الناس معاملة مختلفة ؛ لانهم ينتمون الى عشائر لها سلاح وعدد وعدة فيما يبقى بقية افراد المجتمع تحت طائلة القانون ويطبق عليهم من دون محاباة .
وقد كانت الدعوة الاخيرة للمرجعية من اجل اقامة العدل الاجتماعي في اعلى صوره كما كانت تهدف الى الحفاظ على وحدة الشعب امام القانون سواء الذين يملكون عشائر مدججة بالسلاح او الذي يعيشون حياة مدنية ولا يعتمدون في حل نزاعاتهم الا على ما يحق لهم فعلا كما هو حال كل مواطن في هذا البلد .
ويمكن القول ان هذه المطالبة هي لبنة جديدة فيطريق اقامة صرح العدالة الاجتماعية على مستوى تطبيق القانون في الحالات الجزائية لان الاحتكام لغيره لا يعد حلال شرعيا ولا قانونيا بل فوضى تتحكم فيها كمية السلاح التي يملكها هذا الطرف او ذاك .
يضاف الى ذلك فان الشعب العراقي بحاجة الى كل رصاصة تطلق في حل مثل هذه لنزاعات للذود بها عن حرمات ابناء المدن التي احتلت بسبب تقصير الحكومة السابقة والتي لا زال امرها في طور الحل والعتاد والسلاح هما من الامور التي يشتكي منها المجاهدون كثيرا .
ولعل العتاد الذي يصرف في حل مثل هذه النزاعات يمكن ان يساهم في حل مشكلة الوطن الكبرى ويحافظ على استقلاله ضد الطامعين فيه علاوة على ان هذا الاستخدام السيء للسلاح لا يحل مشكلة عند ابناء تلك العشائر وانما يسكت بعضها لبعض الوقت ثم تبدا من جديد معركة جديدة لاخذ الثار مرة ثانية وهكذا .
والمرجعية تعي مثل هذه الاساليب واثارها السلبية على المجتمع وعلى تطبيق القانون من قبل الاجهزة الامنية بصورة عادلة وهي تحاول ان ترمم بعض ما اغفلت الحكومة ترميمه داخل النسيج الاجتماعي في العراق نتيجة بحثها عن الاهداف الذاتية وتركها للاهداف الموضوعية والتي تصب في مصلحة المجتمع .
ولابد ان تدرس هذه الدعوة بنظرة قانونية واجتماعية لكي يفهم الناس اثار تدخل المرجعية في الشان العام لان مثل هذه الدعوة لا تفهم من قبل الناس حتى تحلل الى الاسباب الموجبة والاثار الايجابية ليتضح للناظر والسامع حجم الفائدة التي سيجنيها المجتمع من الالتزام بمقتضى هذه الدعوة التي صدرت بعد دراسة مستفيضة وهذا ما عودتنا عليه المرجعية العليا حيث نرى ان التوجيهات تكون مدروسة من جهة الاثر والتوقيت معا وهذا ما شهدت به الايام الماضية حيث راينا كيف صدرت الاوامر في توقيتات غاية في الدقة وجعلت اعداء الشعب يغيبون عن الوعي نتيجة الصدمة .