نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
نعم هناك نص رائع حقا في موقف المسلمين تجاه غير المسلمين، لو أخذناه بمعزل عن النصوص الأخرى، فقد تألق مؤلف القرآن بحق في هذا النص، وهو ما جاء في سورة الممتحنة 8-9:
«لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِّن ديارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم؛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ. إِنَّما يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلوكُم فِي الدّينِ وَأَخرَجوكُم مِّن ديارِكُم وَظاهَروا على إِخراجِكُم أَن [تَـ]تَوَلَّوهُم، وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولائِكَ هُمُ الظّالِمونَ».
هذا النص يؤسس لحقيقة أن المعاداة لا تكون ابتدائية، فلا عداء إلا لمن يكون مبادرا ومبتدئا بالعداء والعدوان، ولعله مصرا على ذلك. والنص كأنما يريد أن يصحح مفهوما أو سوء فهم ساد وانتشر وتأصل وتجذر عبر نصوص القرآن الأخرى، وعبر المواقف، أي عبر الكتاب والسنة. والتصحيح يأتي ليقول للمسلمين، ليس صحيحا أن إقامتكم لعلاقات إنسانية طيبة وودية ومنصفة مع غير أتباع دينكم، مما يحرمه الله عليكم، بل بإمكانكم «أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم»، ثم يؤكد النص بأن «اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ»، والقسط، كما هو معروف لدى كل المدارس الأخلاقية، دينية أو بشرية، أخلاق الحد الأدنى في التعامل مع الآخر. ولكن لا ندري لماذا يحب إله المسلمين المقسطين، ولم يذكر النص أنه يحب أيضا أخلاق الحد الأعلى في التعامل مع الآخر، والمصطلح عليه بالبِرّ، الذي هو أرقى مستوى من مستويات التعامل الإنساني، لكن يمكن أن أردّ على تساؤلي بجواب، إن الله إذا أحب أصحاب الحد الأدنى من حسن الخلق، أي المقسطين، فمن قبيل الأولى أن يحب أصحاب الحد الأعلى من حسن الخلق وسمو الإنسانية، أي البارّين. ومع هذا لا نريد أن نتوقف عند هذه النقطة، كما لا نريد أن نتوقف أمام التساؤل، لم جعل هذا الإله المحمدي التعامل بالبر والقسط جائزا فقط، ولم يجعله واجبا. نعم يمكن القول إن هناك نصا آخر محكما واضحا يوجب القسط حتى مع أشد الأعداء عداوة وكراهة بقول: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ للهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ، وَلاَ يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا؛ اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى، وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ.» فالشّنَآن تعبير عن كراهة وعداوة بفاعلية وهيجان كبيرين، فحتى هذا النوع من العداوة لا يجيز للمسلمين حسب هذا النص أن يجانبوا العدل والقسط في التعامل مع الآخر المغاير في العقيدة. وذلك في سورة المائدة 8. ولكن مع هذا لا نستوحي وجوب العدل مع هؤلاء، بل هو أمر محبَّب، أو من المستحبات أو النوافل أو السُّنن، مما يجوز شرعا تركه دون أن يكون التارك له آثما، بل كل ما في الموضوع مُفوِّتا لثواب إضافي. على أي حال هذان النصان من النصوص الداعية حقا للسلام والوئام، بل يذهب النص الأول إلى تجويز اتخاذ من لم يعادِ المسلمين أولياء، مما يُعَدّ محرما حسب نصوص مستفيضة حول حرمة تولي المسلمين للكافرين من مسيحيين ويهود أو غيرهم، ذلك بقول مبتدئ بـ«إنما» الحصرية: «إِنَّما يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلوكُم فِي الدّينِ وَأَخرَجوكُم مِّن ديارِكُم وَظاهَروا على إِخراجِكُم أَن [تَـ]تَوَلَّوهُم، وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولائِكَ هُمُ الظّالِمونَ». ولكم أن تتولوا الذين لم يقاتلوكم منهم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، ولم يظاهروا على إخراجكم.
…