نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
ومع هذا هناك مع التسليم بصواب ما جاء في النص «مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالحاً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ»، فإنه صواب نسبي لا يخلو من ثغرة فلسفية تنتقص من العدل الإلهي والرحمة الإلهية. إذ وبحسب الفهم الفلسفي العقلي المجرد للعدل والرحمة الإلهيين، فإن العنصر المعوَّل عليه عند الله هو الثالث من العناصر الثلاثة، أي (العمل الصالح)، أو بتعبير آخر إنسانية الإنسان وحدها، حتى لو كان ملحدا بسبب أن ذهنه لم يستوعب الأدلة على وجود الله، ومع هذا سلك في حياته سلوكا إنسانيا، مما يجعله محبوبا عند الله وقريبا منه، فالله سبحانه ليس له عقدة تجاه من لم يوصله عقله إلى الإقرار بوجوده. وهنا لا بد من أن أشير إلى أهم ثغرة فلسفية للقرآن – كما هو الحال مع غيره مما يسمى بالكتب المقدسة -، حيث يجعل القرآن الإيمان معيارا للجزاء، بينما الإيمان ليس أمرا اختياريا على الأغلب، وحتى لو كان اختياريا، فليس من إنسان يملك ضمانات للوصول إلى الإيمان بما هو حق وحقيقة وصواب، إلا بشكل نسبي، غير قطعي، وغير نهائي، وغير مطلق، وغير مضمون الصواب.
وسنجد في القرآن كمّاً هائلاً من النصوص ذات الموقف السلبي تجاه غير المسلمين من أتباع الديانات الإبراهيمية المُسمَّين بـ«أهل الكتاب»، ومع هذا هناك فلتات نادرة جميلة، هي التي يركز عليها المؤمنون بإلهية القرآن ونبوة محمد، والذين لهم مع هذا نزعة عقلية وإنسانية، كذلك النص الجميل الذي ينبه إلى عدم جواز التعميم والإطلاق في الحكم على أهل الكتاب. فالتنبيه إلى عدم جواز التعميم والإطلاق شيء جميل، ولكنه مع هذا يختزن أن الأصل في الموقف تجاه من يسميهم القرآن بأهل الكتاب، هو التكفير والإدانة والإقصاء، فهم كفار، ولكنهم الكفار الأفضل من غيرهم، إذ يسميهم «الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتاب». وردّ البعض بأن «مِن» هنا في عبارة «من الذين كفروا» إنما تفيد التبعيض، أي المقصود به قسم من أهل الكتاب الذين يصدق عليهم نعت الكفر، فهو لا يغير الكثير من الحقيقة، فالكفر أي عدم الإيمان بسبب عدم الاقتناع وليس بسبب المعاندة، هذا الكفر نفسه لا يوجب العقاب، لكونه غير اختياري، ثم هناك الكثير من الشواهد بأن مصطلح «الذين كفروا» القرآني يشمل جميع من لم يؤمن بالإسلام بلا استثناء.