22 ديسمبر، 2024 8:22 م

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 12/18

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 12/18

نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
نعم هناك نص آخر جميل، إذا ما لاحظناه لوحده بمعزل عن سائر النصوص ذات العلاقة وهو ما ورد في سورة سبأ 24-28:

«قُل مَن يَّرزُقُكُم مِّنَ السَّماواتِ والأَرضِ، قُلِ اللهُ. وَإِنّا أَو إياكُم لَعلى هُدىً أَو في ضَلالٍ مُّبينٍ. قُل لّا تُسأَلونَ عَمّا أَجرَمنا، وَلا نُسأَلُ عَمّا تَعمَلونَ. قُل يَجمَعُ بَينَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفتَحُ بَينَنا بِالحقِّ، وَهُوَ الفَتّاحُ العَليمُ. قُل أَرونِيَ الَّذينَ أَلحقتُم بِهِ شُرَكاءَ كَلّا، بَل هُوَ اللهُ العَزيزُ الحكيمُ. وَما أَرسَلناكَ إِلّا كافَّةً لِّلنّاسِ بَشيراً وَّنَذيراً، ولاكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ».

هذا النص يبدأ بداية جميلة جدا، فيدعو الله – حسب تصور أو دعوى المؤلف – النبي، ليقول لمن لم يؤمن به بكل أريحية: «قُل … إِنّا أَو إياكُم لَعلى هُدىً أَو في ضَلالٍ مُّبينٍ»، فهنا وعلى خلاف ما عودنا القرآن في معظم نصوصه المعنية بالتعامل مع الآخر، يجعل الاحتمالين على كفتي التكافؤ، من أن يكون أحد الطرفين، دون حسم تحديده إما «لَعلى هُدىً أَو في ضَلالٍ مُّبينٍ»، أو لعل كلا الطرفين هما «لَعلى هُدىً»، فيكون الهدى نسبيا، أو يكون كلاهما – وقد يكون هو الأرجح – «في ضَلالٍ مُّبينٍ»، وبما أن الضلال هو الآخر نسبي، فسيكون كل ضال منهم على ثمة هدى، كما ويكون كل مهتد منهم في ثمة ضلال.

ثم يتألق المؤلف هنا في قرآنه وفي انفتاحه وعقلانيته، عندما يقرر: «لا تُسأَلونَ عَمّا أَجرَمنا، وَلا نُسأَلُ عَمّا تَعمَلونَ»، وبالغ في الانفتاح حتى إنه لم يقل «لا تُسأَلونَ عَمّا [عَمِلنا]، وَلا نُسأَلُ عَمّا تَعمَلونَ»، بل راح يفترض أن ما يمارسه هو والمؤمنون به من المسلمين مصداقا للجريمة والانحراف، بينما ترك فعل الطرف الآخر المختلَف معه بلا توصيف، فهو (عمل)، و(اعتقاد) قد يكونان صالحين مستقيمَين، أو فاسدَين منحرفَين. فعلا كان مؤلف القرآن في هذا النص كما في بعض غيره موفقا ومتألقا. ويضيف إلى تألقه تألقا آخر بقول: «يَجمَعُ بَينَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفتَحُ بَينَنا بِالحقِّ، وَهُوَ الفَتّاحُ العَليمُ»، إذن لا داعي لأن نتخاصم ونتباغض، بل لنتعايش، ولا نستغرق في مناقشة من يملك الحقيقة ومن لا يملكها، فهو أمر غيبي ميتافيزيقي لا يدرك بالتجربة وعلومها الحسية، حتى يثبت الواحد منا للآخر صواب ما يذهب إليه، وخطأ ما يذهب إليه الآخر، كما إن ليس من حق أحدنا أن يحكم على نوايا وسرائر الآخر، مما لا يعلمه إلا الله وصاحبه.

ولكن هذا النَّفَس المنفتح والروح الأريحية لم يستمرا طويلا، فسرعان ما يرجع مؤلف القرآن إلى دعوى احتكار الحق، فيستفز محاوَريه، عندما يقول «قُل أَرونِيَ الَّذينَ أَلحقتُم بِهِ شُرَكاءَ، كَلّا، بَل هُوَ اللهُ العَزيزُ الحَكيمُ»، ثم يقرر كونه مرسلا لجميع الناس، مما يستبطن إشارة لعدم استجابة المحاوَرين من قبله، فيقول المؤلف على لسان الله تعالى: «وَما أَرسَلناكَ إِلّا كافَّةً لِّلنّاسِ بَشيراً وَّنَذيراً»، ثم يوصم تلك الأكثرية من الناس التي لم تستجب لدعوته بعدم العلم، أي بالجهل، بقوله: «ولاكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ». فليس من الحوار المؤثر والإيجابي استخدام لغة توحي بالاستعلاء على طرف الحوار الآخر، ويتوقع منه بعد كل ذلك أن يكون إيجابيا، ومتجاوبا مع الحوار، أو لعله في خطوة لاحقة مستجيبا لدعوة المحاوِر. من هنا لو كان الخطاب منزلا من الله تنزه وسما، لكان توخي الحكمة، واستخدام الخطاب المؤثر، والمراعي لمشاعر المخاطَب، أكثر دقة بكثير مما نجده في القرآن، فيعذر في حالات غير المستجيبين، لأن ليس كل غير المستجيبين لدعوة الحق – مع فرض أنها دعوة حق – هم سيئون وأشرار ومعاندون، ولا حتى جاهلون، بل لعدم الاستجابة، وعدم القدرة على الاقتناع بأي دعوة أسباب شتى.