22 ديسمبر، 2024 8:39 م

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 11/18

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 11/18

نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).

من النصوص التي يستشهد بها على الموقف الإيجابي للإسلام من أهل الكتاب ما جاء في سورة العنكبوت 46:

«وَلا تُجادِلوا أَهلَ الكِتابِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ، إِلَّا الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم، وَقولوا آمَنّا بِالَّذي أُنزِلَ إِلَينا وَأُنزِلَ إِلَيكُم، وَإِلاهُنا وَإِلاهُكُم واحِدٌ، وَّنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ».

ولو اجتزئ هذا النص، دون النظر إلى كل ما ورد من نصوص أخرى، يمكن القول إنه يمثل نصا لا يخلو من إيجابية، وانفتاح، وبحث عن المشتركات، وخطاب يسعى للتقريب بين المسلمين وأتباع الديانات الكتابية، فالنص يحث على استخدام أجمل الأساليب في الحوار معهم، بل وينهى عن استخدام غير هذا الأسلوب المحبب بقول «وَلا تُجادِلوا أَهلَ الكِتابِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ». ولكنه لا يعمم استخدام هذا الأسلوب في الحوار على كل أهل الكتاب، فيستثني الظَّلَمة منهم بقول: «إِلاَّ الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم»، وحسنا فعل القرآن هنا في هذا النص، إذ كان الاستثناء لـ«الَّذينَ ظَلَموا»، ولم يقل كما في معظم النصوص «الَّذينَ كَفَروا». ولكن يبدو أن المؤلف كان هنا في حالة نفسية من الارتياح والاسترخاء وعدم التوتر، فلامس مشاعر المؤمنين من غير المسلمين في أكثر القضايا حساسية، وأشدها تجسيدا للمشتركات، ألا هو الارتباط بالله، الذي هو نفس الإله عند الجميع، فقال: «وَإِلاهُنا وَإِلاهُكُم واحِدٌ»، ثم أتبعها بعبارة: «وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ»، مبينا موقف المسلمين (بالمعنى الأخص) من هذا الإله الواحد المشترك، بأنهم «لَهُ مُسلِمونَ»، دون أن يعني نفي هذه الصفة عن المخاطَبين، ولكن لو كان المؤلف إلها كاملا في حكمته، وخاليا من أي قدر من الحساسيات النفسية تجاه الآخر المختلف، لعله كان سيقول: «وَعَسى أن نَكونَ وإيّاكُم لَهُ مِنَ المُسلِمينَ». وهذا شاهد من الشواهد الكثيرة التي تدل على أن بالإمكان الإتيان بخير من القرآن، ولو في حدود تنقيحه، واستبدال بعض العبارات، بما هو أبلغ وأقرب إلى المعنى المحبب إلى الله، بعكس ما يدعي القرآن من استحالة الإتيان بمثله، وهذا ما ناقشته في مقالة «آيات تحدي القرآن بالإتيان بمثله». وسأعرض في مقالات مقبلة إلى الكثير من هذه الشواهد بإذن الله المنزَّه عما أخطأت فيه أو أغفلت عنه أو ما ادعته الأديان. فعبارة «وَعَسى أن نَكونَ وإيّاكُم لَهُ مِنَ المُسلِمينَ» أكثر انسجاما مع أجواء الحوار، بجعل الطرفين متكافئين، فعبارة «وَعَسى» لا تتضمن معنى الادعاء التي أدانها الإسلام عندما استخدمها اليهود والنصارى في عبارة «نَحنُ أَولِياءُ اللهِ وَأحِبّاؤُهُ»، وما شابه، على أقل تقدير فيما يرويه القرآن، وذهب القرآن إلى أبعد من ذلك بقول «كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ»، بل كان سيكون فيها معنى التمني والدعاء، وللطرفين، للمحاوِر والمحاوَر على حد سواء، ثم عبارة «[نحن] وإيّاكُم»، تؤكد الشراكة والتكافؤ، ومن شأنه أن يقارب ولا يباعد، كما ورد في عبارة «وَإِلاهُنا وَإِلاهُكُم»، ثم قول «مِنَ المُسلِمينَ» فيها مجددا معنى النسبية، فنحن وإياكم أهل الكتاب عسى أن نكون من المسلمين، وعسى أن يكون غيركم وغيرنا منهم، ولسنا نحن وإياكم لوحدنا، ولا كل من انتسب إلينا، أو إليكم، فعبارة (عَسى) تجعل الأمر في دائرة التمني والاحتمال والإمكان، الذي يستوى فيه احتمال التحقق وعدمه وعبارة «مِنَ المُسلِمينَ» تنفي الحصر باستخدام (مِن) التبعيضية.