22 نوفمبر، 2024 10:37 م
Search
Close this search box.

موقف الصحافة البريطانية من الصراع المسلح في منطقة الخليج العربي

موقف الصحافة البريطانية من الصراع المسلح في منطقة الخليج العربي

كتابة- فيليب روبسن
باحث في المعهد الملكي للشؤون العالمية. لندن
ان الصحف المكرسة الى الاجتماعات والمؤتمرات الاكاديمية الصرفة تهتم بتحليل الاوساط الجماهيرية، كما وانها في نفس الوقت تعالج الكيفية التي تسهل عمل تغطية الاحداث العالمية، عبر التقارير التي تعد لهذا الغرض، ومع ذلك فانها وعلى وجه العموم قليلة، كما وانها متباعدة.

ان هذه الامور تعتبر نقطة عمياء، كما وانها تثير لدينا الدهشة في نفس الوقت وذلك في مجال النشر للمعلومات لاوساط جماهرية واسعة هذا ناهيك عن تأطير المعلومات بوجهات نظر خاصة، تعتبر ترجمة لافكار كاتبها.

من هذه النقطة يمكن اعتبار الكتابة بموضوع الشرق الاوسط وخصوصاً حرب الخليج، حرجاً، وان معظم قوانين الصحافة وقواعدها لا يمكن تطبيقها بحذافيرها .

ان المراقبين الصحفين الجالسين في الغرب يعتبرون الزعيمين المتقابلين في كل من العراق وايران خلال الحرب العراقية الايرانية على انهما يعملان بمنطق قومي هو (العربي والفارسي)، وهذا الشيء يعتبر غير مألوف الى الجميع. ولهذا، فان الاستنتاج هنا هو ان أية محاولة من قبل اجهزة الاعلام، والاذاعة والتلفزيون، والصحف تعتبر مستحيلة لتحليل هذه الحروب لانها تذيع من وسائل اعلام تطلق عليها اسم (اولية) لأنها لن تأتي عن طريق المعايشة، اما وسائل الاعلام الثانوية فهي الاكثر دقة وذلك لانها قادمة على شكل تقارير من نفس مكان الحدث وهي على العموم اكثر قبولاً وتعتبر ذي شأن اكبر.

ان الجماهير في الغرب تعتبر جماهير مستقلة فكرياً، لهذا فأنها والصحافة في خط واحد، وتعتمد كثيراً على ما تقدمه لها هذه الصحافة من أخبار، وهي تثق بالتقارير المهمة التي تتناقل اخباراً معينة حول مسألة عامة او خاصة، وعلى اية حال فان المحور المسؤول عن صفحة الاخبار يقوم باختبار جميع ما لديه من اخبار ويقرر بالاخير على الشيء الحيوي منها، والقادم عبر تقارير صحفية من جميع ارجاء العالم ومن يقوم بالتعليق عليها بشكل يتفق مع خط تلك الصحيفة.

ان هذه الطريقة تعتبر طريقة مثلى لمن يريد ان يراقب ويحلل الحرب العراقية- الايرانية والتي بدأت في العام 1980 والتي امتدت لهذه السنين الطويلة وكانت آخر تسمية لها هي “حرب الناقلات” التي بدأت في العام 1984 وجرى تصعيدها في العام 1987 وفيها فقدت ودمرت الكثير من الناقلات ويمكن للقارئ الذي يستهويه الموضوع ان

يعرف عنها الكثير من صحيفته المفضلة، حيث سيجد فيها اخباراً تتحدث عن امور حدثت وامكن توثيقها، كما وان تقاريراً مثل هذه التقارير يمكن تكرس لتساعد لا القارئ العادي فقط، ولكن لتساعد الصحافة البريطانية نفسها، حيث يتمكن المعلقون والمحللون من انجاز اعمالهم الصحفية بكل دقة والوقوف على احداث حرب الناقلات في العام 1987، بصورة خاصة.

ان الصحف اليومية تعتبر من الصحف الاسبوعية، لانها تنقل الحدث والتعليق عليه في سخونة الاحداث بينما نجد الصحف والمجلات الاسبوعية ميالة الى الطرح الاكاديمي الذي نوهنا عنه في البداية، او قد تقوم الصحف الاسبوعية باعطاء ملخص عن الحدث، وهذا لا يستهوي القارئ الذي كان قد قرأ عن الحدث سابقاً، وعلى أية حال، فان الصحف الاسبوعية اكثر رصانة واكثر جدية، وان الانسان الاعتيادي في الغرب لا يتعامل وليس لديه اهتمامات كبرى بالمسائل والامور الخارجية التي تقوم الصحف الرصينة بتقديمه ولهذا فهو يتفاعل معها اقل من تفاعله مع الصحف اليومية.

اذا جرى التركيز حول وجهة النظر المطروحة سابقاً فأنني (اي الكاتب) سوف اقوم باخذ اربعة نماذج من الصحف البريطانية اليومية، وهي الفايننشيال تايمز Financial Times والتايمز Times والانديبندت Independent و الغارديان Guardian وسوف آخذ الاخبار والوقائع المنتخبة بعناية واخضعها الى الفحص الصحفي من ناحية نوعيتها، كما سوف اقوم بفحص مصادرها وناشريها، هذا ناهيك عن قصص التعليق الصحفي على هذه الاخبار.

من اجل تنظيم مسلسل الاحداث سوف اقوم باختبار اربع حوادث فقط من مجمل حوادث العام 1987، والذي امل ان تكون دقيقة وعادلة والتي غطتها الصحافة البريطانية وهي تعبر عن وجهة نظر هذه الصحافة حول الصراع في منطقة الخليج العربي، كما وسأبين الطريقة التي جرى بها التعامل مع القضية خلال هذه السنة مبتدأً من رفع العلم الامريكي على ناقلات النفط الكويتية، وقرار مجلس الأمن (598) والمحاولات التي جرت لجعل بريطانيا ترسل الى الخليج كاسحات الغام، والى مسألة الزورق الايراني آجار.

* عينة البحث

قبل ان اتابع قضية تحليل الموضوع يجب ان ابدأ باعطاء خلفية صغيرة عن الصحف التي تم اختيارها وهي:

أ- الفايننشيال تايمز

ان هذه الصحيفة تعتبر من الصحف الاساسية، وهي يومية ومكرسة اساساً للقضايا الاقتصادية، والاخبار التجارية، وعلى أية حال، فان هذه الصحيفة قدرت اهمية المواصلات والاتصالات بينها وبين العالم، لذلك فقد اصبحت لها شبكة واسعة من شأنها ان تساهم في ايصال اي حدث اليها باقصى سرعة، حيث ان بيئة السوق والاقتصاد يتطلب ذلك وخصوصاً في الغرب الاوربي واكثر من اي زمن مضى وهذا في نفس الوقت فان هذه الصحيفة قد ضاعفت تقاريرها السياسية، وخصوصاً التقارير التي تتحدث عن اخبار خارجية، كما وانها تحظى بسمعة طيبة لكونها جريدة واقعية ومتزنة وتكتب تحاليل مقبولة، مع حداثة في التفكير يقترن بالبراعة.

ان لهذه الصحيفة مجموعتان صحفيتان تتمركزان في منطقة الشرق الاوسط خلال الفترة التي نحن بصدد الكتابة عنها، فهناك الصحفي “توني ولكر” في مدينة القاهرة، و “اندرو ويتلي” في القدس هذا من طرف اما من الطرف الاخر فهناك الصحفي “اندرو جوير” المختص بقضايا الشرق الاوسط والذي مقره في العاصمة البريطانية لندن، اما فيما يخص مبيعات الصحيفة فانها تقدر بـ(216.727) في المتوسط وان هذا الرقم الاحصائي جاء خلال العام 1987.

ب- صحيفة التايمز

تعتبر صحيفة التايمز من اكبر الصحف في بريطانيا، حتى الوقت الحاضر وان منشآتها تعبر عن حجم هذه الصحيفة وعراقتها.

لقد استولى على هذه الصحيفة المقاول او بالاحرى رجل الاعمال روبرت مردوخ الذي حسن في الطباعة، كما بدل النظرة الى الامور والاهداف وجعل المنظور العام للصحيفة سياسياً، ويأخذ الاحداث المذكورة بنظرة تخدم القارئ السياسي، وتجعله يتخيل الاحداث عند قرائتها، وفي السنوات الثلاث الاخيرة اعاد تنظيم الملاك الصحفي، وقد جعل هذا العمل المعنويات الصحفية تهبط . وعلى اية حال، فان هناك شخصان يمثلان الصحيفة يتواجدان في المنطقة المذكورة هما كل من “روبرت فسك” ومحل اقامته بيروت و “ايان موارى” ومحل اقامته في القدس.وهم في حالة اتصال دائم مع الصحفي والدبلوماسي اللندني “نكولاس بيستون” وهو من الاختصاصيين في قضايا الشرق الاوسط. اما توزيع الصحيفة المذكورة فهو (431.073) بالمتوسط.

ج- صحيفة الانديبندت

وهي من احدث الصحف البريطانية والتي صدرت في خريف العام 1986، وقد جذبت هذه الصحيفة الشباب وانتشرت بينهم وهي مقبولة ايضاً من قبل الاوساط الرسمية، ولكن هذا القبول غير كامل في بعض الاحيان، كما وان تقاريرها والمواقف الاخبارية الموجزة التي تخرج بها لا تحمل طابع العمق، وهذا نابع من عدم وجود كفاية من المحررين لتغطية جميع الاخبار في المناطق التي يتحتم بها وجود المراسلين ولذلك فان البعض يتهمها بالغياب

الصحفي وعدم المشاركة في ضخ الاخبار باوقاتها، فانها مثلاً تملك مراسلاً واحداً في عموم المنطقة، وهذا المراسل هو “جارلس ريشارد” ومقره في القدس، وهو يتصل بالصحفي البريطاني “جون بولوك” في لندن، والاخير يكرس جميع انشطته الصحفية لقضايا الشرق الاوسط.

ان مبيعات هذه الجريدة هي “377,181” في اليوم الواحد.

د. صحيفة الغارديان

تعتبر صحيفة الغارديان الصحيفة الوحيدة التي تشكل القناة الرئيسية في الاعلام البريطاني، اذ انها تتحسس الاحداث بفكر يقظ.كما وانها فخورة باتجاهها الليبرالي، ويمكن القول انها تمثل يسار الوسط، وعندما تأسست هذه الجريدة كان شعارها النضال من اجل قضايا المجتمع الداخلية، ومع هذا فانها تتمتع بمنظور خاص الى القضايا الخارجية المتميزة والتي تعتبر نشازاً بالنسبة للاعلام البريطاني، ومثالاً على ذلك تعقيبها لجميع الاصدارات الفلسطينية، هذا فضلاً عن تعاطفها مع الفلسطينيين والاصغاء الى قضاياهم ومطاليبهم.

ان التقارير الموجودة فيها عن منطقة الشرق الاوسط تعتبر عموماً مقبولة ولا يقف القارئ امامها مندهشاً. وهذه ميزة اخرى تميزها عن باقي الصحافة البريطانية.

للجريدة المذكورة اثنان من المراسلين المتواجدين دائماً في المنطقة، وهما (دفيد هورست) القديم في خدمة الصحافة ومقره في نيقوسيا في جزيرة قبرص و (ايان بلاك) في القدس، هذا علاوة على استخدام الجريدة اشخاص معتمدين، وخصوصاً في كل من بيروت والقاهرة.

ان توزيع الجريدة في المتوسط الى حدود (461,761) في اليوم الواحد.

العلم الامريكي والناقلات الكويتية

لقد طلبت الحكومة الكويتية من الولايات المتحدة الامريكية ان ترفع الاخيرة علمها على الناقلات الكويتية وكان ذلك تحديداً في شهر تشرين الثاني من عام 1986. في البداية كانت الاستجابة الامريكية باردة جداً، ولم تعمل الحكومة الامريكية اي شيء حتى حلول الربيع الذي ابرمت خلاله اتفاقية في هذا الصدد بين البلدين، وخلال هذه الفترة اي فترة التدخل من قبل ايران في الملاحة في الخليج كانت المفاوضات تجرى بصورة سرية وقد حجبت المعلومات الخاصة بالمفاوضات عن الصحافة العالمية بيد ان يوم 5/ مايس كان هذا اليوم الذي حملت به التقارير الصحفية اول نبأ عن الاتفاقية، وكان يتضمن رفع العلم الامريكي على احد عشر ناقلة كويتية، وبالرغم من كل هذه الاحداث فان استجابة الاعلام البريطاني حول الموضوع كانت باهتة، حيث لم يقدر الاعلام اهمية الموضوع.

في الايام التالية التي اعقبت الاتفاق كانت ردود الفعل بسيطة ولم تجر الاشارة في الصحف الاربعة الى الموضوع، وكان هذا امراً مثيراً للدهشة، والاكثر من هذا هو ان صحيفة الغارديان وقفت موقفاً لا مبالياً من هذا

الحدث، وهي مشهورة بتعقيبها للاحداث في الوطن العربي وفي الخليج العربي بوجه خاص، وبدلاً من ان يظهر تحليل حول الاتفاق الكويتي الامريكي، نجد بدلاً من ذلك وعلى صفحاتها الاولى قصة اللقاء بين الرئيس السوري حافظ الاسد والرئيس العراقي صدام حسين.

هناك سبب واحد لهذا الغياب الصحفي وعدم تغطية الاحداث، وهو ان المراسلين المعتمدين كانوا مشغولين باحداث اخرى واهمها احداث (ايران- غيت) او ما يسمى (انقلاب ايران- غيت).

في الخامس من مايس وفي عاصمة الولايات المتحدة الامريكية (ليونبل باربر) ارسل الى جريدة الفايننشيال تايمز خبراً مقتضباً عن الموضوع اما في اليوم الثاني فان المراسل المعتمد في واشنطن من قبل الصحف الاربعة قد ارسل خبراً بقلم (ريشارد سكورت) ونشر على الصفحة الاولى يتضمن اخباراً مفصلة عن التحريات الجارية من قبل الكونغرس الامريكي حول قضية (ايران- غيت).

في اليوم 7/ مايس استمرت كل من الغارديان والتايمز في نقل القصص حول الموضوع على صفحاتها الاولى، اما صحيفة (الانديبندت) فقد كان لها سبق صحفي عندما نشرت خبر وفاة رئيس وكالة المخابرات الامريكية (وليم كيسي).

ان المشكلة هي انشغال المراسلين في الولايات المتحدة بايران غيت هذا بالاضافة الى بعض الامور المهمة الاخرى كالتهيؤ لانتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة، ومن الجدير بالذكر ان هذه الفترة حملت اخباراً عن علاقة (غاري هارت) وهو مرشح للرئاسة الامريكية بالممثلة (دونا رايس) وقد كانت هذه القصة تنشر احداثها على الصفحات الاولى من الجرائد.

لقد دافع غاري هارت عن نفسه في يوم 6/ مايس وقد وضعت جريدة الانديبندت هذا الدفاع على صفحاتها الاولى، لانها كانت تعتقد ان هذا الموضوع يعتبر موضوعاً مسلياً للقارئ حتى يوم 8/ مايس عندما اعترف غاري هارت بالعلاقة المذكورة وسحب نفسه من الترشيح للرئاسة الامريكية.

بالرغم من هذا الجو المشحون بالاخبار المسلية فان خبراً كتب من قبل الصحفي (اندرو جوير) في كل من الفايننشيال تايمز، والغارديان، يخص الاتفاقية الامريكية الكويتية وهذا الخبر ينص على ان الولايات المتحدة الامريكية قد اعادت تسجيل احد عشر ناقلة نفط كويتية، وجعلتها تحت حمايتها علماً ان الصحفي المذكور هو صحفي ضليع في قضايا الشرق الاوسط وعلى اية حال فان هذا الصحفي قد المح الى نقطة مهمة هي امكانية اتفاق الكويت مع موسكو للقيام بنفس العمل، وهنا سوف تجد الدول الكبرى نفسها بصورة مكثفة في منطقة الخليج، علماً ان هناك ثلاث ناقلات سوفيتية قد تم الاتفاق بشأنها مع الحكومة الكويتية.

بعد هذا المقال كشفت جريدة الغارديان روايتها حول الموضوع ونشرت من مراسلها في واشنطن (مارك تران) تحليل حول الاتفاقية اخذ حيزاً قدره عشرة اعمدة وهذا المقال يعتبر افضل من مقال (جوير) ويحمل قصصاً اكثر دقة،

كما وان الزاوية السوفيتية التي عالجها الموضوع كانت منطقية، وقد اشار بالاضافة الى ذلك الى عدم مؤيدي الفكرة داخل الكونغرس الامريكي وكيف كانت ردود فعلهم تجاه الاتفاقية، وعلى اية حال، ففي نهاية المطاف بدأ الاعلام البريطاني يهتم جزئياً في قضية رفع الاعلام الامريكية على الناقلات الكويتية وذلك عبر بعض الحوادث التي وقعت في منطقة الخليج وكان الحادث الاول هو ارتطام السفينة السوفيتية التي تحمل اسم (المارشال جوكوف) باحد الالغام البحرية وذلك في 16/ مايس، اما الحادث الثاني فهو التعرض الايراني لاحد البواخر السوفيتية، وهنا بدأت اليقظة الحقيقية للاعلام البريطاني.

من الطبيعي ومن السهولة ان نكون حكماء عندما ندرك الحدث بعد وقوعه، وهذا يشكل لنا فائدة ايضاً والاكثر من ذلك فان الصحف وان ادركت اهمية الاحداث بعد وقوعها الا ان ما ينقصها كان هو مصادر المعلومات المحدودة التي كان عليها ان تنتقي المعلومات الموثقة حول الموضوع لضخها للصحافة ومن ثم الى القراء، وعلى اية حال، فان هناك نقاش حول الموضوع في الصحافة ولكن حتى هذا النقاش كان يفقد الاهمية النسبية لعملية حمل الاعلام الامريكية من قبل الناقلات الكويتية.

اذا تجاوزنا الصحف الاربعة المذكورة سنجد ان الصحفي (باتريك تايلر) كتب تقريراً الى الواشنطن بوست وقد ظهر ايضاً في الطبعة الدولية لصحيفة الهيرالد تربيون وذلك في السادس من مايس والذي يتكون من سبعة عشر عمود ويذكر فيه القصة الكاملة للاتفاق الامريكي الكويتي، ومما ذكر ايضاً ان الولايات المتحدة في اتفاقها هذا قد كبرت من رقعة الحرب في الخليج واصبح مسرح العمليات واسعاً، كما وذكر اموراً، ابعد عن ذلك حينما استنتج ان هذا العمل قد يقود الى صراع كبير بين الدول العظمى اساسه الناقلات وحربها، وكيفية الحفاظ عليها، اما الامر الابعد من ذلك والذي ذهب اليه (تايلر) فهو اتهام الحكومة الامريكية بتبديل سياستها المنطقية في هذا الجزء من العالم، ولم يغفل هذا الصحفي دولة الامارات في مسألة الملاحة وحرب الناقلات.

اما الامر الابعد كثيراً مما سبق ذكره فان الهجمات الايرانية على السفن الكويتية، وعبر تصاريح رسمية من الموظفين الكويتيين قد اهملت ولم يجر التكثيف عليها، وعلى اساس ان اضرار الهجمات كانت طفيفة، ولذلك كله استنتج هذا الصحفي استنتاجاً مهماً هو ان هذا العمل عبارة عن تحريك سياسي لحرب الخليج، وليس الغرض منه الحفاظ على الامور الاقتصادية والناقلات..

مما تقدم نجد ان الصحف الاربعة التي اعتمدناها في الحديث عن اتفاقية رفع الاعلام الامريكية من قبل ناقلات النفط الكويتية لم تعط الموضوع اهميته الحقيقية وهكذا اهمل الاعلام البريطاني حدثاً مهماً وحيوياً. وكان هذا القصور نابع من عدم وجود مراسلين صحفيين في منطقة الخليج العربي، لينقلوا الصورة الحقيقية لكل الحوادث وقد اعتمدت الصحف الاربعة على جهود بعض الصحفيين الامريكان، وهكذا تركوا الكويت وحدها في المجال الاعلامي العالمي، ومع هذا يجب ان نشير هنا ان الفايننشيال تايمز والغارديان قد تكلمتا على الاتفاقية خلافاً للصحف الاخرى

الا ان كلاهما كان مختصراً اما بقية الصحف فقد اشارت اشارة عابرة الى الموضوع، ومن البديهي، ان هذه الصحف وقعت في الخطأ عندما لم تهيأ اذهان قراءها لهذا الموضوع الحيوي، حيث ان تتابع الحوادث في الاسابيع التي تلت الاسبوع الذي وقعت فيه الاتفاقية كانت ساخنة.

قرارمجلس الامن 598

ان القرينة التي استند اليها امين عام هيئة الامم المتحدة في صياغة قرار مجلس الامن الدولي (598) تختلف اختلافاً بيناً عن الاتفاقية الامريكية الكويتية في رفع الاعلام وذلك بطريقتين، الاولى هو ان هذا الاتفاق يعتبر اتفاقاً جماعياً حيث ان الخطوة الاولى كانت اجتماع ممثلي الدول الخمسة الكبار، ومناقشة الموضوع فيما بينهم، وان هذه المناقشة كانت شبه معلنة ولم تأخذ طابعاً سرياً مشدداً، كما انها اخذت وقتاً اطول من المفاوضات الثنائية بين الكويت والولايات المتحدة الامريكية، اما الطريقة الثانية فتتمثل بأن الصحافة البريطانية قد استيقظت على الموقف الجدي الذي انبثق في الخليج، المتمثل بذلك الصراع المستمر والذي يحمل في طياته كل يوم حدثاً، او قصة جديدة.

في الحقيقة ونتيجة للكارثة التي اصابت السفينة ستارك في السابع عشر من مايس من الصعوبة ان نجد يوماً من الايام يمر بدون ان تكون هناك حادثة جديدة تحدث في تلك المنطقة، وكانت تلك الحوادث تنشر في الصحف البريطانية وتحت عناوين كبيرة نسبياً، ومع هذا فهناك حدثاً كبيراً قد حدث في الثلاثين من مايس، الا وهو موافقة الرئيس الامريكي رونالد ريغن على مصاحبة الناقلات الكويتية التي ترفع العلم الامريكي من قبل السفن الحربية للاسطول، كأجراء وقائي، ومن الطبيعي ان هذه الموافقة قد تمت بعد ان اعدت خطة من قبل هيئة الاركان العامة حسبت بها الامور بكل دقة.

في الخامس عشر من حزيران حملت التقارير نبأ حصول ايران على صواريخ (سلك ورم) وتعبئتها في مناطق مختارة، ومن ثم تجربتها وقد اعقب ذلك تقارير في التاسع عشر من الشهر نفسه تقول ان ايران تقوم بزرع الالغام في الخليج، لكل ذلك ولاهمية القرار (598) بدأت الصحف البريطانية تكثف نظرتها حول الموضوع بشكل اشد الا ان جريدة الغارديان كانت هي السباقة في هذا المجال حيث انها اول جريدة طرحت فكرة مسؤوليات مجلس الامن حول تطبيق القرار فيما اذا حدث تعنت من هذا الجانب او ذاك (وافق العراق على القرار بعد يوم واحد من صدوره- المترجم).

في طبعتها الدولية، صرحت الغارديان في يوم الخامس والعشرين من مايس ان حرب الخليج اصبحت حرباً نمطية كلاسيكية بالنسبة الى الامم المتحدة. ولذلك اهابت ان يأخذ مجلس الامن قرارات جديدة بشأنها، بل دعت الى ان القوة يمكن ان تساهم في حل المسألة وذلك وفق المادة (42) من الميثاق الذي يخول مجلس الامن من استخدام القوات العسكرية للطرف الذي يخرج عن الاجماع الدولي .

ان صحيفة الغارديان، مع صحيفة التايمز بقت تعقب بصورة مستمرة ما يدور بأروقة الامم المتحدة وصولاً الى يوم 3/ حزيران حيث كتبت الغارديان حول الموضوع تقريراً من خمسة عشرة عمود، كان اهمها الاشارة الى الاتفاق الضمني بين كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي حول فرض عدم بيع الاسلحة للجانب الرافض للقرار (598) وقد علقت على هذا الامر كثيراً مستنتجة ان هذا يمثل الخطوة الاولى في سبيل حل المسألة.

اما جريدة التايمز فقد كتبت مقالاً في نفس اليوم الذي كتبت به الغارديان المقال، رحبت به بهذه الخطوة التي تشكل نقطة البداية لحل سريع كما حثت الدول العظمى الاخرى على نهج نفس الطريقة التي انتهجتها كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي، هذا بالاضافة الى ادانتها لايران والتي حملتها استمرارية الحرب غير المقبولة من قبل المجتمع العالمي، وعلى اية حال، فان الرغبة في انهاء الحرب حسب رأي الجريدة تجعل الحظر على الاسلحة شاملاً جداً، وهذا الامر يدعم القرار الى ابعد الحدود.

في الثامن من حزيران ناقش احد المحررين الكبار في جريدة الغارديان الفرص العظيمة التي منحتها هيئة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي الى ابعد من ذلك وهو ان اعلام الدول الكبرى يجب ان ترفرف مجتمعة فوق منطقة الخليج كالعلم البريطاني، والفرنسي، والسوفيتي، والامريكي وذلك من اجل اجراء مهمات خاصة.

اما الصحف الاخرى فكان لها موقفها ايضاً فصحيفة الانديبندنت طرحت اسئلة معينة تناولت بالتحديد اختطاف الدبلوماسي البريطاني في العاصمة الايرانية طهران والاعتداء عليه، والمدعو (ادوراد جابلن) كما اشارت الى قرار وزير الخارجية البريطاني (السير جفري هاد) باقصاء خمسة دبلوماسيين بريطانيين كرد على العمل الايراني.

المباحثات التي جرت في نيويورك حول الموضوع كانت تتقدم ببطأ ولم تتوصل الى حل تام، ومع هذا فكانت هناك ثلاثة صحف هي الغارديان، والتايمز والفايننشيال تايمز تكتب عن الموضوع بين فترة واخرى.

اذا عدنا فيما يخص الموقف البريطاني الرسمي حول القرار، فسنجد ان موقف بريطانيا كان مؤيداً للقرار، كما كان موقف الحكومة البريطانية مؤيداً الى زمن حظر على تصدير السلاح للجانب الذي يرفض القرار، لذلك لم يكن هناك اي اشكال بين الصحافة البريطانية المؤيدة للقرار والحكومة، هذا علاوة على ان الحزبين المتنافسين (حزب العمال والمحافظين) لهما نفس النظرة من حرب الخليج وذلك بوجوب انتهاءها حسب قرار مجلس الامن الدولي (انظر كل من الانديبندت في 5 مايس 1987، فايننشيال تايمز في 9 حزيران 1987، والغارديان في 10 تموز 1987، والغارديان ايضاً في 20 حزيران 1987، والتايمز في 25 حزيران 1078، و 22 تموز 1987، والغارديان في 20 تموز 1987).

لقد جرى تبني القرار من قبل الجميع بصورة رسمية في العشرين من تموز، وقد كرست الصحف الاربعة مساحات معقولة من صفحاتها لشرح ومداولة هذا القرار وقد طالبت بتطبيقه.

جريدة الغارديان، والتايمز استمرت في قيادة الحملة الصحفية الرامية الى تطبيق القرار نصاً وروحاً وبالكامل، وهنا علينا ان نذكر ان جريدة الانديبندت لم تكن متحمسة كزميلاتها للقرار حتى يوم 28 تموز عندما ارتطمت ناقلة النفط الكويتية العملاقة التي تحمل العلم الامريكي باحد الالغام المزروعة في الخليج العربي.

لقد رحبت كما قلنا كل الصحف بالقرار، الا ان كل من التايمز والفايننشيال تايمز قد رحب بالقرار على اساس انه قرار تاريخي اما صحيفة الغارديان وبالرغم من ترحيبها بالقرار الا انها طرحت نقطة قابلة للنقاش، وهي، لذا ان القرار 598 قد اتخذ بعد مرور اثنان وثمانون شهراً من بدء الحرب بين العراق وايران، ولذا يركز عليها المجتمع الدولي في الوقت الحاضر.(وقت كتابة الدراسة . المترجم )

صحيفة التايمز ضخمت من مطاليبها السابقة وكتبت تقول ان على على مجلس الامن الدولي ان يترجم القرار 598 الى فعل ملموس وعلى حد تعبيرها الدقيق لتترجم الكلمات الى حقائق، اما صحيفة الفايننشيال تايمز فكانت اكثر واقعية حيث كتبت ان تطبيق القرار يعتمد على ابطأ عضو في مجلس الامم في اتخاذ القرار المناسب لفرض العقوبات او غيرها من الامور.

اذا عدنا الى نقطة تتعلق بالزعيمين في كل من العراق وايران نجد ان جريدة التايمز قد لاحظت ان العراق يريد ان ينهي القتال في اي حال من الاحوال وهذا ما قادها الى الاستنتاج الذي ينص على: ان محور المشكلة هي ايران. جريدة الفايننشيال تايمز لاحظت ان ايران بمماطلاتها قد رفضت القرار وانها على العموم تتصرف ازاءه بصورة سلبية مع المطالبة بأن يكف العراق عن ضربه للسفن المحايدة والسفن الايرانية في منطقة الخليج العربي من دون اعطاء اي شيء مقابل هذا العمل، وحتى ايقاف الاعمال العدوانية الموجهة الى البر العراقي.

في الحقيقة صحيفة فايننشيال تايمز عالجت الموضوع في هذه الفترة بطريقة مختلفة، فقد عالجت الموضوع بنظرة تفائلية، حيث اعطت لطهران الحق بالدفاع عن قرارها الرافض لقرار مجلس الامن الدولي 598 وقالت ان على الامين العام لهيئة الامم المتحدة ان يحاول معرفة الاسباب الداعية الى الرفض بشكل غير متشنج وعموماً، فانها كانت تنظر بتفاؤل كبير، المسألة اما اذا عدنا الى الجانب العراقي فسنجد ان هذه الجريدة قد اعطت غفراناً كاملاً له.

الغارديان من الجانب الاخر تحدثت باسهاب عن كل من الشعب العراقي والايراني ووصمت الغرب بالخزي والعار، واخيراً طالبت ان تكون هناك قوات مسلحة لمعالجة الموقف، ومن الطبيعي يمكن ان نقول انها اي الغارديان قد ناقشت نقطة حرجة، وقد ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير مطالبة الولايات المتحدة الامريكية ان تحافظ على هيبتها وان تقوم بعمل مماثل لما قامت به تجاه ليبيا عندما قصفت مقر العقيد معمر القذافي، اي مهاجمة الخميني نفسه، كما وطالبت من الدول الاربع الكبار (فرنسا، بريطانيا، الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة الامريكية) ان تقوم برفع علم الامم المتحدة وتقوم بالتدخل الفعال بواسطة بحريتها وذلك حفظاً للسلام، وقد حذت جريدة التايمز حذوها وناقشت امكانية ايجاد قوة دولية من شأنها ان تحفظ السلام ولكن بطريقة تختلف عما طرحته جريدة الغارديان، حيث وضعت

المهمة الكبرى على الولايات المتحدة الامريكية على ان تقوم بمعاونتها الدول الغربية لامريكا سيكون افضل من مشاركة اثنين من اعضاءها، كما وانها اغفلت مشاركة الاتحاد السوفيتي في الموضوع . هذا واذا عدنا الى الفايننشيال تايمز سنجد انها ابتعدت بعض الشيء عن الموضوع، وقالت لا احد في الوقت الحاضر يفكر في استخدام القوات العسكرية من اجل هذا الموضوع، وعلى اية حال، فقد سمحت هذه الجريدة لنفسها ان تهاجم وبكلمات لطيفة رفض الولايات المتحدة الامريكية للعرض الذي قدمه الزعيم السوفيتي غورباتشوف بوجوب الدخول في مباحثات ثنائية حول موضوع القرار 598 وقد اسفت لضياع هذه الفرصة.

في النهاية وكخلاصة واستنتاج حول الموضوع المطروح يتبين لنا ان قرار مجلس الامن الدولي المرقم 598 قد عومل وبكل جدية، وبكامل التفاصيل من قبل ثلاث صحف يومية من مجموع الصحف الاربع التي ناقشناها وان هذا تابع من الاخبار اليومية التي تتسرب الى الصحافة البريطانية، وكذلك من المباحث التي كانت تجرى بوقت مبكر بين هذا الجانب وذاك، وكذلك من الاهتمام العالمي الكبير الذي حظى به هذا القرار من قبل دول العالم.

ان الصحف الثلاثة المذكورة اهتمت بالموضوع اهتماماً كلياً واخذت جميع الانباء ووجهات النظر المفيدة، واخرجتها بشكل جيد في اصداراتها التي توزع في الاسواق الداخلية وفي المستعمرات البريطانية، وكل ذلك يشير الى سيرها مع القرار وتطبيقه العملي، وهنا لا بد من الاشارة الى ان الاهتمام الكبير والمعقول جداً جاء من قبل كل من صحافيي جريدتي الغارديان والتايمز موقفاً معادياً الى ايران، ومجنداً استخدام القوة العسكرية الغربية لحسم الامور، اما الغارديان فقد كانت في موقف حرج من الولايات المتحدة الامريكية، وكانت تفضل الطرق السلمية في حل القضية او اتخاذ عمل مشابه لما قامت به في ليبيا، اما الفايننشيال تايمز فقد تقربت الى الموضوع بواقعية اكثر حيث اشارت الى موقف العراق الواضح وكيف يجب ان يتم التصرف مع ايران التي ترفض القرار.

التواجد البحري البريطاني في الخليج العربي:

كانت الصحف البريطانية المحترمة قد اخذت تتحسس رائحة حرب الخليج، وبدأت تلاحق قصصها بشكل لا يحمل الشفقة الى هذه الحرب. ومن الطبيعي ان هذه النظرة قد جاءت بصورة خاصة من الرؤيا البريطانية للامور والاحداث الخارجية، وكانت هذه الصحافة تتابع وتخصص معظم صفحاتها للاحداث الداخلية ولهذا جاء القرار البطولي للحكومة البريطانية بارسال كاسحة الغام الى الخليج العربي ليكون غير ملائم لهذا التفكير، وذلك في الحادي عشر من آب.

لقد كانت القضية لا تبدو للصحافة قضية جذابة، وكان ينظر اليها نظرة شكوكة من قبل الجمهور سيما وانها جاءت بطلب من رئيس الولايات المتحدة الامريكية رونالد ريغن الى الحكومة البريطانية وذلك في الثلاثين من شهر تموز.

ان الطلب الاولي قد رفض من قبل الحكومة البريطانية، اما بعد ذلك فقد نوقش الطلب باسهاب من قبل رئيسة الوزارة البريطانية مع وزير الدفاع، ومن ثم قبل هذا الطلب بعد اسبوعين من الرفض الابتدائي.

ان قصة البطولة في اتخاذ هذا القرار كان من الطبيعي ان يقف ضدها حزب العمال المعارض، ولهذا السبب فقد اخذت المسألة طابعاً سياسياً وطنياً وعموماً فان الحكومة البريطانية ادينت لاتخاذها هذا القرار ويمكن مراجعة جريدة الغارديان في الثاني عشر من آب 1987 للوقوف على تفاصيل اكثر. وعلى اية حال فان القضية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعملية رفع اعلام الولايات المتحدة الامريكية على الناقلات الكويتية، ولهذا فقد كانت هناك حساسية للموضوع من قبل المحررين التابعين لكل من (الغارديان والفايننشيال تايمز والتايمز).

في بداية شهر حزيران حملت الصحف تقارير من معتمديها ومراسليها في واشنطن، تنص على ان في نية الولايات المتحدة الامريكية الطلب من الحكومة البريطانية بمساعدتها في تعزيز الحضور البحري الامريكي في منطقة الخليج العربي، وقد اشارت الى هذا الموضوع وبأسبقية اولى صحيفة الغارديان، وعلى اية حال، وبمناسبة هذه الاحداث المتسارعة فان الولايات المتحدة الامريكية في النهاية قررت ان لا تحول املاً كبيراً على هذه المساعدة وبعبارة ادق ان لا تعتمد عليها كثيراً.

بقت الصحافة البريطانية صامتة، وسلبية تجاه مجمل الوضع حتى ارتطمت الناقلة (برجستون) بلغم بحري وهي ترفع العلم الامريكي، في منطقة الخليج العربي وذلك بتاريخ 24 تموز، وقد اصيبت ناقلة النفط المذكورة باضرار بالغة، ولهذا فان الحاجة الى كاسحة الغام اصبح فجأة من المواضيع المهمة، وذلك لحماية السفن التجارية، والسفن البحرية الاخرى المشابهة للسفن المذكورة، علماً ان الدول الغربية كانت تمتلك الكثير من هذه السفن عدا الولايات المتحدة الامريكية التي كانت تمتلك ثلاث منها فقط، ولهذا السبب فقد بدأ الضغط يتصاعد على الدول الاوربية لتقوم باسناد خاص الى البحرية الامريكية من اجل الحماية.

لقد ساعد الطلب او الالتماس الذي قدمته الولايات المتحدة الامريكية سفيرها الذي ذهب الى وزارة الخارجية البريطانية بزيارة خاصة اتخذت طابعاً دبلوماسياً عالياً في الثلاثين من تموز من اجل الحصول على كاسحة الغام بريطانية وعلى نشر الموضوع جماهيرياً، ولهذا حملت الصحف في اليوم التالي النبأ، عدا جريدة التايمز.

لقد نقلت جريدة الانديبندت خبرين، الاول من مراسلها في البرلمان البريطاني وقد نشر هذا الخبر في الصفحة الاولى، وقد تطرق كاتب هذا الخبر الى وجهة النظر الداخلية للطلب الامريكي، اما الثاني فقد جاء من مراسل لها في منطقة الشرق الاوسط، وهو الصحفي (جون بولوك) الذي طابق في رأيه رأي مراسل صحيفة الفايننشيال تايمز في منطقة الشرق الاوسط ايضاً، والذي يقول: (ان الموافقة على الالتماس تعني الانزلاق اكثر فاكثر في مشاكل المنطقة). رسالة الانباء التي كان يحررها ويعلق عليها الصحفي البريطاني (دافيد فرهول) وهو مختص في القضايا الدفاعية قد ذكرت في عنوان رئيسي لها: (الالغام البحرية السياسية تريد البحرية ان تتجنبها).

كان هناك شكاً قليلاً بان الفايننشيال تايمز، والغارديان، والانديبندت ان توافق وترحب باي قرار بريطاني يقبل بالمشاركة، وقد كتبت الانديبندت بعد ذلك بقليل موضوعاً صحفياً في الثلاثين من تموز تنصح به الحكومة البريطانية بتجنب الموضوع، وان هذا الموضوع يلقي المعارضة التامة، ولا يمكن باي حال من الاحوال ان تقوم كاسحة الالغام البريطانية باسناد سفن الولايات المتحدة الامريكية، وقامت ايضاً وكمسلك عمل بديل بنصيحة امريكا بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتي بتفجير هذه الالغام عبر قوة دولية، سواء باللقاء المباشر بين الزعيمين، او عبر اجهزة دبلوماسية اخرى.

جريدة الفايننشيال تايمز اعترضت على الطلب وعلى صفحاتها الاولى، بواسطة المحرر السياسي للجريدة (روبرت موثز) (انظر الفايننشيال تايمز في 1/ آب 1987) وقد شدد هذا الصحفي في مقاله على وجهات النظر المختلفة بين حكومة واشنطن والحكومة البريطانية والحكومة الفرنسية في بعض المسائل. كما والمح الى ان هذه لوجهات النظر المختلفة قد كانت مع دول اخرى مثل ايطاليا والمانيا، وقد اكد ان جواب الالتماس الامريكي بالحصول على كاسحات الغام بريطانية يجب ان يواجه بالرفض، وقد هز هذا المقال الرسميين البريطانيين والامريكان على حد سواء وفي الحقيقة، فان الشعور العام الذي كان سائداً هو الرفض، وقد اعطيت القضية ابعاداً سياسية كبيرة ربما لا تستحقها.

في صحيفة الغارديان كتب الصحفي (ديفد فرهول): (ان على الحكومة البريطانية ان لا تشعر بالحرج الكبير اذا ما رفضت الالتماس الامريكي بخصوص كاسحات الالغام البريطانية (راجع الغارديان في 31 تموز عام 1987)، ومع كل ذلك فان صحيفة الغارديان وافقت وسارت على نفس الخط الذي سارت عليه الفايننشيال تايمز ودعت الى مسؤولية اشمل لجميع دول اوربا الغربية في موضوع الخليج العربي، ومن الطبيعي ان ذلك يعطي ثقلاً الى البرلمان الاوربي كما ويعطي ثقلاً لاوربا، من دون ان تشير الى التدخل المباشر، لذلك ارتأت ان تقاطع كل هذه الدول القرار الامريكي بالاشتراك الفعلي البحري في هذه المنطقة الحيوية من العالم كل على حدة.

كان هناك نقطة متشابهة اخرى بين الجريدتين، وهو جعل دول اوربا الغربية اكثر متانة، وعدم زج وتعريض الكيان البريطاني الى هزة في منطقة الخليج، وقد ذهبت العناوين الرئيسية في صحيفة الغارديان الى حمل عبارة: (لتكن بريطانيا بعيدة عن المنطق الذي يغيظ ويستنفر ايران) اما صحيفة الفايننشيال تايمز فقد اختارت لتكون اكثر دقة واكثر مباشرة نحو الموضوع عندما قالت: (ان بريطانيا متشوقة لادامة اوثق العلاقات في الخليج العربي (وهنا يعني الكاتب ان لا فرق لدى الصحيفة بين ايران والعرب- المترجم)اما اذا عدنا الى صحيفة التايمز فسنجدها الصحيفة الوحيدة من الصحف الاربعة المختارة المنحازة حول القضية التي نحن بصددها، ففي مقال افتتاحي في الثامن والعشرين من تموز اعطت الجريدة عرضاً الى الرأي القديم القائل بان الاجراءات الاحتياطية هي خير وسيلة للنجاح تجاه الالغام البحرية التي يجب ان تكتسح وان ذلك الاجراء يمكن ان يساعد الكثير من الدول على الملاحة

في الخليج وعليه فان كل البلدان المستفيدة يمكن ان تقوم بالعمل بصورة مجتمعة (ينظر بصدد ذلك التايمز في 28 تموز 1987).

وان مظلة فكرية للرأي المار اعلاه والذي جاء بصيغة مقترح، قد جرى بعد ان قدمت الجريدة المذكورة بعض الآراء القيمة التي من شأنها ان تحفز في ارسال كاسحات الغام الى المنطقة، وقد بين المقال الافتتاحي ان جريدة التايمز سوف تقوم وكخطوة اولية باسناد الحكومة الامريكية في واشنطن وموقفها القوي في منطقة الخليج لانها تعتقد ان بريطانيا والحالة هذه ان تدعم الولايات المتحدة الامريكية بكاسحات الالغام المطلوبة من اجل اغراضها العملياتية، وان هذه الكاسحات وبما لا يقبل الشك يجب ان ترسل.

حدث في هذه الاثناء حادثاً اخر مهماً، وهو تسرب غاز الادرينالين خلال الحج في مكة مما سبب الموت الجماعي للكثير من الحجاج وذلك بتاريخ 31 تموز، وهو تاريخ انتهاء الحج تقريباً، ولهذه الاحداث، فقد قامت صحيفتين من الصحف البريطانية بارسال اثنين من المراسلين الى المنطقة والصحيفتين هما الانديبندت بمراسلها (هارفي موريس) والفايننشيال تايمز بمراسلها (اندرو وتلي) هذا علاوة على ان مواد متفرقة قد كتبت في الصحافة البريطانية حول الموقف (ينظر الانديبندت في عددها الصادر في 6 آب كمثال حول الموضوع).

اذا عدنا الى الجانب الامريكي سنلاحظ ان حكومة الولايات المتحدة الامريكية لم تفقد الثقة ابدا لقد كان لها ثقة كبيرة ان بريطانيا سوف توافق في الاخير على تزويدها بالكاسحات، وان المسألة لا تتعدى مسألة وقت ومسألة مبررات واقعية من اجل اعلان رسمي بالموافقة من الجانب البريطاني، وقد جاءت المبررات عقب اكتشاف الغام بحرية في خليج عمان بالقرب من ميناء الفجيرة التابع لدولة الامارات العربية المتحدة والتي تتجمع فيه الكثير من السفن التجارية قبل دخولها الى مضيق هرمز (ينظر كل من بلاك وكارفيل في جريدة الغارديان يوم 12 آب 1987).

لقد جاءت الاحداث بصورة سريعة لتكثف الرؤيا البؤرية للصحف حول اهمية كاسحات الالغام في منطقة الخليج ولتعطي الضوء الاخضر اليها بالتحبيذ، واتخاذ موقف مغاير لمواقفها السابقة.

اذا عدنا الى كاسحات الالغام المطلوبة فسنجد ان الكاسحة المطلوبة هي كاسحة حديثة لذلك فهي اهلاً للمهمات التي ستقوم بها وللاسباب المارة الذكر فقد اعيد النظر بالموقف سيما واذا ما علمنا ان هناك تهديدات اخذت تطلقها ايران ضد كل من بريطانيا وفرنسا (كمثال على ذلك ينظر الى الفايننشيال تايمز يوم 13 آب 1987) خلال هذه الفترة، ومن هنا تحتم على كتاب الصف الاول ان يبقوا مشغولين في هذا الخصم المتلاطم من الاحداث. ان الصحف الاربعة التي نوهنا عنها سابقاً اعطت الى قراءها فوائد النصائح التي حدثت في احد عشرة مناسبة، والواقعة تواريخها بين الثالث من آب وحتى الثامن عشر منه، وان الصحف الاربعة قد اعطت الموافقة على ارسال كاسحات الالغام بصيغة او باخرى ما كان من اختلاف في طرح وجهات النظر.

لقد كانت جريدة التايمز هي الجريدة الوحيدة التي طرحت افكارها بكل وضوح لا شائبة للغموض فيه، وان رأيها ينص على التحرك نحو الطلب الامريكي وقد قالت ما نصه بالحرف الواحد: (ان جريدة التايمز وكما ناقشت الامور سابقاً تعتقد ان سياسة الوايت هول كانت خاطئة، ولهذا على الحكومة ان تغير اتجاهها بالوجهة الصحيحة).

اما صحيفة الانديبندت فقد قالت ان الحكومة البريطانية كانت على حق عندما رفضت الطلب الامريكي اول الامر والذي يقضي بالمساعدة البريطانية للعمليات البحرية الامريكية ولكنها في الوقت الحاضر تبرر وجهة نظر الحكومة البريطانية التي تغيرت لان زرع الالغام من قبل ايران لم يقتصر على منطقة الخليج العربي فقط وانما شمل اجزاء اخرى خارج نطاق هذا الخليج.

صحيفة الغارديان التي حملت صفحاتها مقالاً افتتاحياً ليومين متتاليين (انظر جريدة الغارديان يوم 21 او 13 آب 1987) فقد كررت التزاماتها القاضية بتأيدها الى مشروعها السابق المتضمن قوة بحرية ترفع علم الامم المتحدة وعلى اية حال فقد لوحظ وتبين بوجه سافر ان الافكار التي كانت تنادي بالجهود السليمة من اجل ايقاف ايران من عمليات الغام الخليج قد تبين بطلانها، وان عمليات الزرع لا تزال مستمرة وعلى نطاق واسع ، وهنا تنبه الجميع على ان الطرق التدريجية او سياسة الخطوة خطوة تجاه الالغام لا يمكن الاعتماد عليه وان السياسة الدفاعية البريطانية التي سارت عليه البحرية الملكية البريطانية منذ العام 1980 لا تناقض استخدام هذه الكاسحات في الخليج.

اذا عدنا الى صحيفة الفايننشيال تايمز فسنجد انها تلزم نفسها بهذا الموضوع كثيراً، وانما كانت تكتب مقالات او ايضاحات قصيرة حول ما طرحته سابقاً حول الموضوع والذي ينص على التفاهم بين كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية تجاه الخليج والذي ترفضه امريكا بكل قوة. (انظر عدد الفايننشيال تايمز في 21 آب 1987).

لقد ذكرت الصحيفة اعلاه، ان الاتحاد السوفيتي ومن الناحية النظرية يملك الكثير من الافكار التي يمكن الحديث عنها في منطقة الشرق الاوسط وقد لامت هذه الصحيفة واشنطن على اضاعتها فرصة اللقاء مع الروس، وقد نوهت ان الولايات المتحدة الامريكية في الاخير قد بدأت تظهر عليها علامات الشيزوفرينيا وهذا ما يعد نقداً الى الحكومة الامريكية نفسها، بينما نجد ان صحيفة التايمز كان الامر بالنسبة لها مقصوراً على الحكومة البريطانية وكانت تشجع هذه الحكومة على ان لا تبيع حليفتها امريكا بهذه السهولة، كما ذكرت ايضاً ان منح السفن للولايات المتحدة الامريكية يجب ان يجري بنوع من السهولة، وان على الحكومة البريطانية ان تقوي علاقتها مع امريكا وهذا ما يجعل الدولتين قويتين ويوثق البلدين في المحيط الدولي بالاضافة الى انه يقوي سمعتيهما بين الدول.

في الحصيلة النهائية للموضوع فان اعتبار مسألة ارسال كاسحات الغام بريطانية للخليج تعتبر مسألة اعطيت اهتماماً اكبر في الصحف الاربع المذكورة من قبل الكتاب والصحفيين او من قبل محرري الاخبار، وتزيد هذه الاخبار في محتواها على الاخبار والتحليلات التي درسناها سابقاً والتي تتعلق بقضية رفع العلم على الناقلات

الكويتية، او على موضوع القرار 598 المتخذ من قبل مجلس الامن الدولي والذي يخص الحرب العراقية الايرانية وذلك يعزى الى ثلاثة اسباب هي اولاً ان خلفية الصراع في منطقة الخليج كان لا يأخذ طابعاً جدياً وانما اخذ هذا الطابع مؤخراً، اذ بدأت بوادر الحساسية فيه خلال حرب الناقلات ومهما يكن فقد عومل هذا الموضوع بالطريقة الصحيحة من قبل الاعلام البريطاني وقد كتبت حول الصحافة اخباراً جيدة جديرة بالقراءة، اما ثانياً فكانت هناك نظرية بريطانية قوية للمسألة، وهذه تتعامل مع القراء البريطانيين بصورة مباشرة حيث انهم لا يهتمون كثيراً بالاحداث الخارجية ولا باخبارها، لانهم يعتقدون ان الارواح البريطانية كشيء ملموس وكسياسة هي المسألة المركزية، اما ثالثاً واخيراً، فان القضيتين السابقتين تختلف حولها الاراء، بالاضافة الى تعدد مناظيرها السياسية المختلفة وان القضية يمكن ان تستمر من دون ان يبدو التعب على جانب من الجوانب، هذا ناهيك عن الشؤون الخارجية بالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية ودول اوربا لا تمثل قضية داخلية حساسة ومع هذا يجب عدم الانكار من ان المنظور التعبوي “التكتيكي، والسوقي، الستراتيجي” يجعل من هذه المواضيع مواضيع تتعلق بالاهتمامات الانسانية وما تقدمه من اخبار.

الزورق الايراني (آجار)

لقد اكتشف المركب الايراني آجار يزرع الالغام البحرية ليلاً في منطقة تبعد خمسين ميلاً عن البحرين، وقد شخص هذا المركب من قبل طائرتي هليكوبتر تابعتين للولايات المتحدة الامريكية مساء يوم الحادي والعشرين من شهر ايلول ووفقاً الى رواية البنتاغون الامريكي، فان هذا المركب قد تمكن من زرع ما لا يقل عن ستة الغام بحرية (راجع جريدة الانديبندت في 23 ايلول 1987).

لقد جاء هذا الحدث الى قمة الاحداث عندما قامت طائرتي الهليكوبتر الامريكيتان بمهاجمة المركب المذكور، وشله عن الحركة مع قتل ثلاثة من الايرانيين ممن كانوا على متنه، وقد كان مجموع القوة العاملة على متنه اثنان وعشرون بحاراً والذين انقذوا من قبل الفرقاطة الامريكية (جاريت) واخلوا الى احد الموانئ وقد اكتشف فريق عمل نزل من الفرقاطة الامريكية الى سطح هذا المركب الغام اخرى كان عددها عشرة الغام بحرية، مصعقة من اجل استخدامها.

لقد شاع هذا الخبر حتى قبل ان يقدم رئيس الجمهورية الايرانية شكوى الى هيئة الامم المتحدة في الثالث والعشرين من ايلول.

الصحافة البريطانية لم تقم بالغوص بالحدث الا بمقدار ضئيل وبقت تراقب ما سيحدث لاحقاً، وقد جاء هذا التصرف لسببين هما اولاً، توقيت الحادثة التي جرت خلال الليل وهذا يعني بالتحديد ان الصحافة لا تتمكن من تغطية الحدث في اليوم الثاني لان الحدث عندما حصل كان كل فرد يقبع في فراشه منذ زمن طويل، ولذلك فسيجد

الجميع انفسهم امام الخبر من وسائل الاعلام الاخرى عندما يستيقظون في اليوم التالي، اما ثانياً، فأن آجار قد شارك في التعرض سابقاً الى ناقلة النفط جنتل بريز التي تحمل العلم البريطاني، وذلك من قاعدة انطلاق تقع في جزيرة “فارسي” الواقعة شمال الخليج العربي.

لقد كان هذا الهجوم حدثاً غير عادي بالنسبة للصحافة البريطانية، وقد قامت بتغطيته تغطية كاملة يوم 22 ايلول وعلى صفحاتها الاولى كما وكتبت حوله بعض المقالات الرئيسية، مع الاعتراف ان جريدة الفايننشيال تايمز لم تكتب حوله.

ان العدوان الايراني هذا كان يشابه من بعض الوجوه عدواناً ايرانياً سابقاً على بعض الناقلات وعلى اية حال فان الحقيقة تشير الى ان قصة المركب آجار الايراني قد استمرت تأخذ عناوين بارزة في اروقة الامم المتحدة حتى يوم 12 ايلول، كما واخذ الرأي العام البريطاني في الداخل ينظر الى القضية، على اساس انها قضية سياسية وليس قضية هجوم عسكري بسيط، لذلك فقد صرح السير جفري هاو وزير الخارجية البريطاني عن رغبة الحكومة البريطانية في اغلاق مكتب مبيعات الاسلحة الايرانية في العاصمة البريطانية لندن، هذا من جانب، اما من الجانب الاخر فان الحكومة الايرانية هي الاخرى قد اعلنت عن قطع العرى الاقتصادية بينها وبين بريطانيا وذلك يوم 25 ايلول (راجع الفايننشيال تايمز يوم 23 ايلول والانديبندت يومي 25 و 26 ايلول 1987).

ان الحوادث المثيرة التي وقعت بين يومي 25 و26 ايلول كانت حوادث قد اخذت حيزاً كبيراً في الصحافة البريطانية لكثرة المواد المكتوبة عنها وعلى سبيل المثال، لا الحصر، ففي يوم 23 ايلول حملت جريدة الانديبندت ستة مواد رئيسية تتعامل بصورة مباشرة مع ازمة الخليج العربي، وكان اثنان من هذه الاحداث يتصدران الصفحة الاولى.

المقال الرئيسي من ناحية الحجم كان يتكون من سبعة اعمدة، وقد ركز هذا المقال حول حديث رئيس الجمهورية الايرانية غير المسؤول، والمباحثات الجارية في مجلس الامن الدولي في الكيفية التي يجب ان يجري بها حظر الاسلحة الى ايران، اما المقال الرئيسي الثاني فكان يتكون من نصف صفحة، مزودة بالصور ارسله الصحفي (مايكل شريدان) من دبي والذي شاهد الزورق الايراني آجار وركب على متنه، اما في الصحائف الداخلية فكانت هناك تعليقات كبيرة حول رئيسة الوزارة البريطانية مارغريت تاتشر التي استنكرت الحادث الذي حصل للناقلة (جنتل بريز) ووصفته بانه عمل وحشي، وعنيف، وغير محتمل، هذا وقد حملت الصحائف الداخلية سبعة عشر مادة حول التصنيع العسكري الايراني، هذا علاوة على مقتطفات كتبها محرر منطقة الشرق الاوسط.

اذا عدنا الى الصحف الاخرى فسنجد ان صحيفة الغارديان قد زادت على ما جاء في جريدة الانديبندت معلومات اخرى، حيث رسمت خرائط للمنطقة ومكان الحادث، والقوات البحرية، وقد حذت جريدة التايمز حذوها في هذا المجال واضافت مقالاً آخر يحمل عنوان (جبهة الامم المتحدة في الخليج) وقد كتب هذا المقال من قبل المبعوث البريطاني السابق الى الامم المتحدة السير (انطوني بارسون).

وعلى اية حال فان خلاصة القول هو ان المحررين والصحفيين البريطانيين كانوا مشغولين جداً بين يومي22و25 ايلول وان الصحف الاربعة المنتخبة للبحث كانت تناقش الاوضاع بصوت عالي، وقد ذهبت هذه الصحف بمقالاتها الى حدود ابعد من الحدود البريطانية والى اروقة الامم المتحدة نفسها او ما سوف تتخذه المنطقة بشأن الاعمال الايرانية، وقد حملت الفايننشيال تايمز عنواناً بارزاً هو: (التعرض الايران) .(راجع جريدة الفايننشيال تايمز يوم 24 ايلول 1987)

اما صحيفة الانديبندت فقد بقت تهاجم هذا الحادث للايام المذكورة، وقد حذت حذوها صحيفة التايمز، والصحيفتان الاخيرتان على وجه العموم كانتا في صف الولايات المتحدة الامريكية وبكل ما اوتيت به من قوة اعلامية اذا ما نوت امريكا اتخاذ اي اجراء ضد ايران، نتيجة فعلتها تجاه الناقلة (جنتل بريز). صحيفة الاندبنيدت خلال تلك الفترة، وفي مقالها الرئيسي صرحت بما يلي: (ان الولايات المتحدة الامريكية كانت عادلة جداً، وطبيعة صفة الشرعية عندما قامت بمهاجمة مركب ايراني كان يقوم بزرع الالغام البحرية في المياه الدولية).

صحيفة التايمز كان لها تحليلاً للحادث مادته الاساسية القانون الدولي، وقد اسهب هذا التحليل في شرح الابعاد القانونية للحادث، وقد خرج المقال التحليلي باستنتاجات اهمها ان عمل الولايات المتحدة هو عمل عادل جداً وان هذا العمل حق واعتبر عملاً سياسياً، الا ان تأثيراته المعنوية كانت ايجابية قانوناً.

صحيفة الغارديان افادت ان مهاجمة الناقلة التي ترفع العلم البريطاني (جنتل بريز) من قبل ايران انما هو عمل جاء كنتيجة رد فعل على قيام القوة الجوية العراقية بمهاجمة الناقلات المتوجهة الى ايران، وكجزء من حرب الناقلات بين البلدين هذا علاوة على تضمينها رأياً يقول بان مهاجمة الزورق الايراني من قبل البحرية الامريكية سمح للحكومة الامريكية ان تكون طرفاً في النزاع مع ايران وبتحريض عراقي.

كان حصيلة الاسبوع من قبل الصحافة البريطانية، هو النقد اللاذع الموجه الى ايران، اذ ان صحيفة الانديبندت في يوم 23 ايلول كشفت عن عدائها السافر الى ايران ونظامها الايديولوجي، واتهمتها باثارتها للمشاكل في المنطقة مما يؤثر على السلام، والا بعد من ذلك، فقد اعترضت على السياسة البريطانية التي تقف موقف الحياد، وقد اوردت بالحرف الواحد ما يلي: (من المهم جداً، ومن اجل الاستقرار لجميع المنطقة فان ايران والقتلة المناوئين الى الغرب يجب ان لا ينتصرو). صحيفة الفايننشيال تايمز وبعد يوم واحد اتهمت رئيس الجمهورية الايرانية خامنئي بانه يعطي بيانات كاذبة بعيدة عن الذوق حول حوادث زرع الالغام في الخليج، واحتجت عليه لانه هاجم مجلس الامن الدولي عندما قال عنه: (ان مجلس الامن الدولي عبارة عن مصنع للورق يصدر كلمات غير مجدية ولا تغني احداً) وعلى اية حال، بقت الصحافة البريطانية تناقش الموضوع باسهاب الا ان معظم الامور المتداولة كانت في الاخير تنصب في نهر يحمل فكرة واحدة هي حظر السلاح على ايران.

الصحف الاربعة المذكورة اعلاه كرست صفحاتها واعمدتها الاولى لمناقشة الحظر المذكور على الاسلحة لايران، وكانت هذه المناقشات تحمل صفة العمق في الاراء ولكنها بنفس الوقت لم تعطي رأيها النهائي بشأن حظر الاسلحة على العراق بل كانت تقوم بعملية موازنة عند اجراء الحظر على العراق وايران بيد ان معظم الصحف كانت من ناحية التفكير المنطقي تحبذ حظر السلاح على ايران فقط، وقد حملت صحيفة التايمز في الرابع والعشرين من ايلول عنواناً رئيسياً كبيراً يقول: (لا سلاح لايران) وقد حلل المقال هذا العنوان في متنه بان العراق قد قبل دعوة مجلس الامن الدولي من اجل اقامة السلام ووقف اطلاق النار، لذلك فان ايران هي الجانب الذي يجب ان يوقف تصدير السلاح اليه، وان الموقف يتطلب الآن جعل الايرانيين يقبلون بالقرار ايضاً، وهذا لن يأتي الا بعد ان يمنع عنهم السلاح وقد وافقت الفايننشيال تايمز على هذا المقترح ايضاً (راجع فايننشيال تايمز 24 ايلول 1987) وقالت ان وقف تصدير الاسلحة يجب ان يشمل اي طرف لا يريد تطبيق قرار مجلس الامن الدولي، وبما ان العراق لا يفتح النار على الايرانيين الا اذا ما قام الايرانيون بفتح النار عليهم اولاً. ولذلك فانهم في حالة دفاعية وعليه فان حظر الاسلحة يجب ان يشمل ايران فقط.

اما صحيفة الانديبندت فقد تجاهلت البلدين العراق وايران وركزت على قرار مجلس الامن الدولي 598 ومن ثم ناقشت باسهاب بعض القضايا الستراتيجية حيث ناقشت القوة العددية الايرانية والتي كانت في جانب ايران ومن ثم ناقشت القوات المسلحة حيث اعطت الاولوية للجيش العراقي من ناحية التسليح ومن ناحية الكفاءة العلمية وعليه فان الحظر يشمل الطرفين ومع هذا فقد تابعت هذه الصحيفة الموضوع وتوصلت الى فكرة جديدة هي ان الحظر للاسلحة يجب ان يكون جزئياً اول الامر ويشمل ايران فقط، وان هذا الحظر الجزئي ربما يجعل ايران تتراجع عن موقفها.

صحيفة الغارديان في يوم 23 ايلول 1987 كانت الصحيفة الوحيدة من الصحف الاربعة تنفرد بمعالجة مختلفة، فقد توصلت الى نتيجة تقول ان العراق هو الذي يقوم بحرب الناقلات، وان ايران تقوم بحرب الالغام البحرية وعليه فان كلا الطرفين لا يملك يداً بيضاء، ولا يريد للصراع الدائر في منطقة الخليج بالتطور نحو الافضل، وعليه فان حظر الاسلحة يجب ان يشمل الطرفان المتنازعان وبعد يومين من هذا المقال كررت نفس الشيء عبر تحاليل لها، ولكن بشدة اكثر من السابق.

ان الصحافة البريطانية لم تنشر بالتفاصيل حادث المركب الايراني آجار وان هذا تابع من تماذج شيئين هما الواقعية واسباب اخرى تعزى الى الاخبار القادمة من منطقة الحدث، ومع هذا فالحدث اخذ ما يستحقه من مقالات في حدود الوقت المتاح بالنسبة للصحف اليومية، ولكن الخبر جاء بارداً ولا يحمل الحرارة حيث كانت الاحداث تسبق الصحافة، وعلى اية حال، فان قصة المركب آجار قد غطت عليها احداث اخرى اصبحت في المقدمة واخذت تتصدر انباء الصفحات الاولى للجرائد، وحتى حادث الناقلة البريطانية (جنتل بريز) بدأ تجاهها حدثاً غير مشوق

جداً، وهذه الاحداث هي احداث تخص الساحة الداخلية التي نحن في غنى عن شرحها، ومع كل هذا فان عموم الصحافة البريطانية قد ادانت ايران لانها تقوم بزرع الالغام في الخليج العربي.

لقد انبثقت بعد ذلك حوادث اخرى في منطقة الخليج العربي، وقد جرت تغطيتها هذه المرة بصورة جيدة في الصحافة البريطانية علماً بان هذه الصحافة لا تملك مراسلين ووكلاء لها في المنطقة وان التسهيلات التلفونية مشكوك بها، ومع هذا فان الصحفين الكبار تمكنوا من كتابة مقالات ذات شأن كبير ووقفوا موقفاً حازماً من الامور، ومع ذلك فان نصائحهم كانت لا تتطابق مع الواقع بصورة دائمية.

الخلاصة والاستنتاجات

ربما يكون اول استننتاج نقوم به في هذا المجال وعبر هذا المجال وعبر هذا البحث هو اي شخص يجب ان لا يعطي للصحافة البريطانية حجماً اكبر من حجمها، ففي الاخبار الواردة وعلى سبيل المثال، الى جريدة الانديبندت حول الموضوعين اللذين تطرقنا لهما اولا لم تقم بتغطيتها صحفياً بصورة جيدة بينما غطت المواضيع الباقية بصورة جيدة، وهذا يعود الى مصادر المعلومات المعتمدة لديها، وحسها الصحفي تجاه الحدث ومدى اهميتها لها ثانيا.

ان الشيء الاكثر اهمية هو من غير العدل ومن الخطأ ان نضخم موقف الصحافة البريطانية، حيث ان الدراستين الاخيرتين قد بينتا ان لكل من الصحف الاربعة التي تناولها البحث موقفها وادراكها المختلف للامور التي تناول الاخبار، وحتى اذا كانت هذه الاخبار اخباراً خارجية، وهذا يعود الى من يقود هذه الصحف ومن هو الذي يعطي النصيحة المطلوبة الى صانعي القرار.

جريدة الغارديان، وجريدة التايمز قدمت الكثير من الامور الثابتة، ولكن بصورة تختلف كلياً الواحدة عن الاخرى، وهذا نابع من اختلاف الادراك حول الصراع في منطقة الخليج العربي، ومع هذا، فان الشخص يتمكن من تكوين افكار عامة حول الصحف الاربعة المنتخبة بعد مراجعة لها، ومع اخذ العلاقة بين مفاهيمها الاساسية حول تدارك الاخبار، وكذلك الطريقة التي تمت بها معالجة مسألة الصراع المسلح في منطقة الخليج في الصيف لعام 1987.

اذا ما اخذ عامل الادراك الصحفي للانباء، ففي البداية يمكن لأي شخص ان يقرر ان لا جريدة واحدة من هذه الجرائد الاربع لها مراسلون دائميون يتواجدون في اي من اقطار الخليج العربي وهذا يعزى لعدة عوامل وقسم منها عملي (وعلى سبيل المثال ان مستوى المعيشة في اقطار الخليج العربي مكلف جداً) ومع هذا، فان واحداً من اهم العوامل الاساسية هو ان الصحافة البريطانية لا زالت مستمرة في تصوراتها ان اسرائيل هي اهم اجزاء الشرق الاوسط وصراعها مع العرب، وان هذا الصراع يعتبر الصراع المركزي حسب تفكيرهم، وكما يعتبرون اسرائيل البلد الوحيد ذو

الاهمية والذي يزخر بالاخبار. في الواقع ان الجرائد الاربعة المعتمدة لها مكاتب في القدس تستنير بواسطتها عن انباء المنطقة.

ان الاستنتاج الاخر هو ان اي فرد يمكن ان يلمس ماهي المنطقة التي تزخر بالاحداث التي تجدها الصحافة مهمة لديها، وتأتي في قمة القائمة او كما بيّنا سابقاً منطقة الوطن اي الاخبار الداخلية وما يهم البريطانيين مسائل خاصة بهم.

اما الاستنتاج الاخر ان الاخبار القادمة من الولايات المتحدة الامريكية تشكل اخباراً لها وزناً كبيراً لدى القارئ البريطاني، وعليه فان الصحافة تتداولها وتروجها، وبعد ذلك من ناحية الاهمية الاخبار القادمة من القارة الاوربية.

بعد كل سنجد ان الاخبار القادمة من اي مكان في العالم لا يشكل الا اسبقية متأخرة وحسب سخونة الموضوع وعلاقته بالاجواء الداخلية البريطانية، ولذلك فان اخبار الشرق الاوسط والخليج تأتي بمرتبة متأخرة.

اذا عدنا مرة ثانية الى الصراع مع الخليج، وتحديداً في العام 1987، سنجد ان الصحافة البريطانية، ومهما قيل سابقاً قد غطت كل الحوادث في المنطقة، فهي كانت تغطي الحرب البرية بين العراق وايران، كما وكانت تغطي الهجمات على السفن في الخليج، وهنا يجب ان نعترف ان التغطية الاعلامية هذه كانت تجري بالاوقات التي لم يكن هناك طلباً متزايداً على الصفحات المخصصة للانباء الخارجية بصورة كبيرة.

مما تقدم وللاسباب الواردة في الشروح السابقة يمكن ان نستنتج استنتاجاً آخر، وهو ان الصحف الاربعة المذكورة سابقاً لم تكن متهيئة لتغطية الحوادث التي حدثت العام 1987 بصورة واسعة، والتي بدأت بالتحديد خلال خريف 1986 عندما تعرضت ايران للسفن الكويتية، والابعد من هذا، ان هذه الصحف لم تتحسس المسألة الا بعد فترة طويلة وعندما اصبح الموضوع يحتاج الى تدخل قوى خارجية في هذه المنطقة ولذلك فان هذه الصحف لم تهيأ سلفاً اذهان قراءها حول خطورة الاحداث في المنطقة، مما جعل القراء يباغتون تقريباً بالحوادث اللاحقة المتتالية والسريعة.

الصحف البريطانية كانت بطيئة في رد فعلها حول مسألة رفع علم الولايات المتحدة الامريكية على ناقلات النفط الكويتية، ولم تقدر الاهمية الكبيرة، والخطورة لهذا العمل، اما قرار مجلس الامن المرقم 598 فانها قدرت الجهود المبذولة من اجل انجاحه، ولكنها لم تحاول حث الاطراف على تطبيقه بالسرعة القصوى من قبل هيئة الامم المتحدة ولهذا لم يظهر هذا القرار بصورته العملاقة المتميزة.

ان الصراع في منطقة الخليج وبالرغم من عدم تغطيته بصورة جيدة جداً الا ان حوادثه الجسام كان يفرض على الصحافة البريطانية ان لاتهمله مطلقاً، وهل من المعقول ان تهمل الى درجة عدم الاشارة قضية حمل ناقلات النفط الكويتية للعلم الامريكي او مصاحبة السفن الحربية التابعة للولايات المتحدة الامريكية لهذه الناقلات او اصابة

الناقلة برجيستون في منتصف شهر تموز، وعلى اية حال فاذا كان هناك زاوية معينة تخص بريطانيا نجد ان الصحافة تشير اليها باسهاب وستقوم بتحليل حوادثها وتكتب عنها المقالات الرئيسية، اما حوادث لا علاقة لبريطانيا بها فانها ستأخذ صيغة ثانوية حتى لو كان حادثاً مهماً مثل حادث المركب الايراني (آجار).

* ألفت نظر القارئ الكريم الى اني للأسف لم اجد ضمن ارشيف ترجماتي نص الدراسة الاصلية بلغته الاجنبية (الانكليزية) حتى اتمكن من توثيق عنوان الدراسة، والمطبوع المنشور فيه، ورقمه وتاريخه كما هو متعارف عليه في الكتابة المنهجية التي احرص عليها.

*[email protected]

أحدث المقالات