بدأت المرحلة “الجديدة” من المواجهة مع النفوذ والدور والاحتلال الإيراني، بالبحرين، وبعدها اتضحت ملامح تلك المرحلة في اليمن.
حين اطلقت عاصفة الحزم، وامتدت المواجهة إلى سوريا – تحت الغطاء السياسي والإعلامي للعاصفة – فتعززت قوى الثورة، حتى صار المشهد العسكري للصراع جديدا إلى درجة التوقع بأن يكون العام الراهن هو عام حسم المعركة ضد نظام الأسد ومعه النفوذ والدور والاحتلال الإيراني. ما جرى في اليمن وسوريا، يطرح السؤال حول موقع العراق في تلك المواجهة الشاملة؟، وهل يمكن الانتصار في المواجهة مع إيران دون الحسم في العراق؟.
هذا السؤال هو أحد ضرورات المعارك الواسعة المركبة التي تجري في عدة دول دفعة واحدة، إذ تحتاج تلك المعارك لوضوح الفكر حول محطاتها ووزن وأهمية كل محطة أو مرحلة من محطاتها أو مراحلها، حتى لا تتوه اتجاهات المعارك عن هدفها النهائي.
للأسف لا تصدر إجابات واضحة بشأن مكانة المعركة في العراق، على صعيد تلك المواجهة الاستراتيجية، التي تبدو شاملة ضد ايران.
ربما يبدو الأمر غير واضح لدى من لا يفكر في الرؤية الشاملة للمعركة الجارية، فلا يبرز اهتماما بالمعركة في العراق.
وربما يتعامل البعض مع مكانة المعركة في العراق، باعتباره أمر غير مصرح به، لضرورات عدم تفجير حرب مباشرة مع إيران.
وهناك من يتخوف من الإشارة للحرب الجارية في مواجهة إيران على أرض العراق، حتى لا يتهم بالإرهاب أو بسبب خضوعه لعملية الابتزاز الفكري والسياسي بتعميم تهمة الإرهاب على كل المواجهين للنفوذ الإيراني.
وللأسف يبدو هناك من يصل حد الموافقة على إمكانية الاكتفاء في المعركة عند حدود وتصورات لا علاقة لها بطبيعة وجوهر المعركة الجارية.
البعض لا يدرك أن العراق هو نقطة الفصل والحسم الاستراتيجي للمعركة ضد إيران، وأن كل المعارك في مواجهة إيران يمكنها أن تعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى إن لم يتحقق حسم الأمر في العراق.
والبعض لا يدرك أن العراق هو النقطة التي سيجري بعدها إعادة رسم التوازنات والعلاقات في الإقليم، وأنها النقطة التي يمكن بعدها التحول لمواجهة العدو في الطرف الآخر من المواجهة الشاملة، أي الكيان الصهيوني.
هناك من لا يفهم أن الحسم في العراق ضد إيران، ليس إنهاء للنفوذ والاحتلال الإيراني فقط، بل هو النقطة التي سيجري بعدها تغيير الاتجاه في مواجهة الشق الثاني من معركة الأمة سواء على صعيد ميلادها الجديد أو على صعيد إنهاء أصل الشرور الذي جاءت تحركات إيران الاستعمارية نصرة ودعم له، وأن ادعت غير ذلك، على طريقة الولايات المتحدة التي اختارت تحريك القضية الفلسطينية عبر المفاوضات العبثية وحل الدولتين، مع بداية شن كل عدوان ضد العراق، لا يدرك البعض أن عدم انجاز معركة العراق ضد إيران وانهاء احتلالها هو ما يمكن وحده من العودة إلى معركة فلسطين زخما وإعلاما وحيوية ودعما للمقاومة .. الخ.
تلك الرؤية لا تعود، فقط، إلى الخبرة الاستراتيجية التي يعلمها التاريخ، وهي أن العراق هو بوابة الصد للهجوم الفارسي ضد الأمة، وأن عدم العودة لبناء سور العراق عاليا في مواجهة إيران، لا يعني سوى ترك الباب مفتوحا أمام اللص.
ولكن الأمر يعود أيضا، إلى درس آخر أفرزته وقائع المعارك والصراعات، إذ لم تتحرك الأطماع الفارسية جيوش الفرس، إلا حين تهاجم الأمة من قبل عدو خارجي.
تلك هي شروط التحرك الفارسي دوما، ولذا لا يمكن العودة للمواجهة الشاملة مع الكيان الصهيوني على أُسس حشد القوة وتعظيم القدرة فيما العراق محتلا أو فيما إيران تضع أقدامها وتمارس دورا حربيا ضد العرب ومن داخل دولهم خاصة، وإلا لكنا كمن يختار أي اللصين يتركه يسرق وطنه.
وفي المعركة الجارية الآن، لا يحسم الانتصار في اليمن المعركة ضد إيران، مثل هذا الانتصار يغير حركة الأحداث، وهو قد غيرها بالفعل، إذ كان اطلاق عاصفة الحزم، بمثابة بداية تغيير اتجاهات حركة الأحداث في الإقليم، من هجوم إيراني تواجهه مقاومات شعبية يتيمة تقاتل بأقل وأضعف الإمكانيات في كثير من البلاد العربية، إلى هجوم عربي رسمي الطابع يردع هجوم إيران في نقطة محورية هي اليمن.
غير أن الانتصار في اليمن لا يحسم المعركة، إلا في شقها الجنوبي وحده، والحال في سوريا له خصوصية تأثيره على توازنات الصراع وإدارة المعركة الجارية.
النصر في سوريا على إيران – وحكمها المتمثل في نظام الاسد وميلشياتها المستقدمة من لبنان وباكستان والعراق – يغير التوازنات في الإقليم، لكنه لا يحسم المواجهة لمصلحة العرب والمسلمين، هذا النصر لا يحسم المعركة الاستراتيجية في الإقليم.
يحقق النصر في سوريا تغييرا كبيرا في التوازنات، فهو حين يتحقق بعد نصر في اليمن تكون حركة الصراع قد تغيرت، بتحول إيران إلى وضعية الدفاع في آخر نقاط سيطرتها، وهو نصر يؤكد سير المعارك لمصلحة حركة التحرر العربي ويغير التوازنات في لبنان، لكنه لا يحسم المعركة الكلية والمواجهة الكلية ولا ينهي المعركة.
وحده النصر في العراق هو ما يحسم المعركة بإعادة إيران إلى داخل حدودها – إذا ما كانت المعركة ستتوقف عند هذا الحد – أو هو يعيد الأمور إلى ما كانت عليه، إذ كان كسر قوات الاحتلال الأمريكي لأسوار العراق هو ما أدخل ايران قتلا واحتلالا هناك.
وهو النصر الذي يقطع الطريق على ما توفر من قاعدة للتمدد، أوصلت الإيرانيين حد القول بأنهم باتوا يحكمون عواصم عربية أربعة.
استمرار فتح بوابة العراق أمام إيران لا يعني المرور البري فقط، أو ضم الاقتصاد العراقي للاقتصاد الإيراني أو الهيمنة السياسية والاستراتيجية الإيرانية على العراق، بل هو مثل النموذج أمام آخرين، ووفر الخبرة والقدرة على قلب الأوضاع في دول أخرى، وأشاع مناخا في الإقليم بقوة إيران وقدرتها وضعف الدول العربية وظهر عدم قدرتها، بما هيأ مناخا عاما أمام مجموعات سكانية للتعاون مع إيران ضد أوطانها.
النصر في العراق هو ما يحسم المعركة مع إيران.