19 ديسمبر، 2024 12:46 ص

موغريني تبكي .. «دي ميستورا» يستنجد .. « أمّ القضايا » تحتضر

موغريني تبكي .. «دي ميستورا» يستنجد .. « أمّ القضايا » تحتضر

كانت إلى جوار جودة حين أجهشت بالبكاء. لم تتمكن ممثلة الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوربي «فديريكا موغريني»، من كبت دموعها وهي تتحدث عن هجمات بروكسل الإرهابية وتقول لوزير الخارجية الأردني «ناصر جودة» خلال مؤتمرهما الصحفي في عمّان، بأنهم يعانون الألم ذاته وهم متحدون معا حول معاناة الضحايا وطبيعة الردّ على الإرهاب ومنع التطرف والعنف.
غادرت موغريني مؤتمرها الصحفي، بينما كان دي مستورا يتأبط بيانات وقرارات الأمم المتحدة، وقلقه على اتفاق وقف الأعمال القتالية ونقل المساعدات الإنسانية، من خطوات جنيف البطيئة على طريق الانتقال السياسي، ليعلن بأنّ الوفد السوري قال له: “من المبكر جداً مناقشة الانتقال السياسي”، وأنّ « أمّ القضايا » تحتضر، فيعلو نحيب هيئة الرياض على وقت يبدده “وفد النظام”.
الرئيس الأميركي يعلن في عقيدته بأنّ أردوغان مستبد وفاشل ولا يريد استقرار سورية، والمملكة الوهابية تدعم الإرهاب والتطرف الإسلامي وتنشر الحروب والفوضى في الشرق الأوسط، وأن ليبيا غرقت في الفوضى بسبب “كاميرون” و”ساركوزي”. وعلى الدولة السورية أن تحاور الممثل الشرعي والوحيد لأردوغان والمملكة الوهابية والدول الغربية حول الانتقال السياسي. الحوار مع ممثلي مستبد فاشل لا يريد استقرار سورية ومملكة الإرهاب والحروب وغرب الفوضى والتدمير.
من جنيف، تبدو الأزمة السورية معلّقة بمصير الرئيس الأسد. الإجابة الوحيدة التي تعكس جدية الوفد السوري بالنسبة لوفد الرياض ودي ميستورا هي رحيل الأسد عن مستقبل سوريا. يمكن للمجتمع الدولي القبول على مضض، أن يبقى خلال المرحلة الانتقالية، مع عدم ترشحه للإنتخابات الرئاسية المحددة في قرارات وبيانات الأمم المتحدة. الوفد السوري المرابط على جبهة جنيف أعلن رفضه مناقشة مصير الرئيس الأسد، فهي ليست جزءا من المحادثات مع المعارضة. القرارات الدولية تحدثت عن هيئة حكم شامل ذات مصداقية وغير طائفية. لم يرد مستقبل الأسد في أي منها.
سؤال المصير كان يتكرر دائما خلال لقاءاته الأخيرة. وكان الرئيس الأسد يقول دائماً بأن مسألة الرئاسة ملك الشعب السوري فقط، لا شأن لأحد بها. لا يمكن لرئيس لا يريده شعبه أن يقف في وجه الثورة التكفيرية الكبرى المدعومة خليجيا وتركيا وغربيا. وأنّ مشاركته في الإنتخابات الرئاسية محكومة بأمرين: قراره الشخصي ورغبة الشعب.
لم يعد لدى الغرب والخليج والعثمانيون الجدد غير حلم إزاحة الأسد عن مستقبل سورية، وهم يرددون الرواية الدولية عن “قاتل شعبه” أو استبداد وديكتاتورية. التي يسوّقها تجار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدمّ والتدمير والفوضى، والتي لا زال البعض منساقاً خلفهم، بحكم الغريزة أو الإنتهازية أو الخيانة المعلنة. رغم أن استطلاعات الغرب لرأي “الشعب القتيل”، كانت تشير إلى ارتفاع نسبة مؤيدي “قاتلهم”. مما يعني أن فوز الأسد في أي انتخابات رئاسية أمر محتوم. يمكن لدي ميستورا أن يقول ” الشعب السوري وحده من يحدد مصير بلاده”، وأنه لن يترك الشعب السوري يحاسب “قاتله” بطريقة ديمقراطية وعبر الصناديق الإنتخابية. ثمّ يعتب على الوفد السوري الذي يضيع وقت معارضة الرياض وهو “يتحدث عن المبادئ”.
مايجري في جنيف هو صراع على مستقبل سوريا، بين رؤيتين متناقضتين. لذلك كان محقا دي ميستورا حين قال مع ختام اسبوع جنيف الأول بأن الخلاف لا يزال كبيرا. لا يمكن لمن يتمسك بسيادة بلاده وشعبه إلا أن يكون على الضفة الأخرى. بعيداً جداُ عن حاملي لواء العثمانية والوهابية التكفيرية والغرب الاستعماري.
مع اقتراب كيري من موسكو، بدأت معارضة الرياض ولفيف من الدبلوماسيين الحديث عن تكثيف هجمات البراميل المتفجرة وزيادة المناطق المحاصرة. بينما كان دي ميستورا يأمل أن تكون اجتماعات موسكو بناءة بما فيه الكفاية لاستئناف مباحثات جنيف بصورة “أكثر عمقا” مع قضية الانتقال السياسي.
موغريني التي غادرت مؤتمرها، لترافق جودة الأردن إلى عاهله. لن يجهشا بالبكاء. بل سيجهشان بالتفكير العميق حول الألم الذي يجتاح بلادهم بعد دعمهم للإرهاب والتطرف والعنف. بينما لا يزال دي ميستورا جالسا إلى جوار سرير “أم القضايا”، وهو يتضرع إلى السيدين كيري ولافروف لبث الحياة في رهان ميت منذ خمس سنوات.