23 ديسمبر، 2024 4:28 ص

موعد مع الفوضى وانهيار وشيك للنظام العالمي

موعد مع الفوضى وانهيار وشيك للنظام العالمي

معطيات عالمية عدة واحداث متسارعة شهدها المسرح الدولي خلال العقدين الاخيرين تعطي اكثر من مؤشر الى ان النظامين السياسي والاقتصادي العالميين يتجهان وبسرعة فائقة نحو الانهيار وفق جميع المعايير الادارية المعمول بها لدى النظام الجديد الذي بدأ تطبيقه فعليا بعد انقضاء الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفيتي السابق الذي انهار بعدها مباشرة وقامت روسيا الاتحادية على اطلاله فيما بعد ..
وحتى لا نستغرق حيزا في تداول قضايا سابقة قد طوتها احداث التاريخ ومن بينها سقوط الاشتراكية العالمية التي كانت تديرها الشيوعية السوفيتية وانحسار الشيوعية الصينية ضمن حدود هذا البلد والذي لسنا بمعرض تقييم نجاحاته السياسية والمالية في موضوعنا الحالي ، ارتأينا الخوض في النظام الرأس مالي الغربي الذي بدأ يدير العالم فعليا بعد انقضاء الحرب الباردة نهاية عقد الثمانينات من القرن المنصرم ..
النظام الرأس مالي العالمي الذي تصدت له اميركا بعد الحرب العالمية الثانية باتفاق مع البريطانيين ضمن سياسة تبادل الادوار شهد تنقلات عدة بدءا من حالة الصراع مع المعسكر الاشتراكي في خمسينيات القرن الماضي وصولا الى السيطرة على مفاصل الاقتصاد العالمي في سبعينيات نفس القرن ثم التحكم بهذا الاقتصاد وادارة دفته بشكل مطلق بعد ازاحة المنافس ..
هذا النظام الذي لا يمكن اعتباره حديثا وحصر ولادته وانبثاقه بمدة سبعين او ثمانين عاما كونه يمثل منهجا ذات ابعاد ايديولوجيه لها عمق في جذور التاريخ الا انه في ذات الوقت اخذ منهجا اكثر خطورة في المدة الاخيرة والتي حددناها ضمن مواقيت ذكرت سلفا في موضوعنا الحالي ..
خطورة هذا النظام بدأت تتجلى مع سيطرة اصحابه على اليات التحكم بالمزاج العالمي وتسييره ضمن مناهج علمية موضوعة من الاساس للانسجام مع مفاهيمه وما يصبو اليه في نهاية المطاف .
ولان مفاتيح الاقتصاد العالمي والسياسة المالية كان يقودها اشخاص محددين كان العالم لا ينتبه حتى مدة ليست بالبعيدة على العيوب الكارثية والسلبيات الخطيرة لهذا النظام ، غير ان ارتفاع نسبة التضخم المالي بدأ يكشف الثغرات وبدأت اصوات المختصين تتعالى وتحذر ما فتح مجالا لحكومات عالمية عدة كانت لا تجرأ على الحديث برفع مستوى صوتها والتفكير جديا بالحصول على قدر من الحرية في ادارة دفة سياستها المالية .
وبقي هذا الصراع لعقدين ماضيين ظهرت خلالها ازمات كادت تودي بانظمة سياسية لدول عظمى من بينها اميركا نفسها فيما يعرف بازمة الرهن العقاري وكيف كانت تداعياتها فيما بعد على المنظومة المرتبطة بالمركز الرأس مالي وهو اميركا .
معالجة الثغرات علميا كانت مفقودة لذلك لجأت القوى التي تدير هذا النظام الى سياسة التحايل عبر رفع مستوى التضخم المالي لحماية المنتج الداخلي مع تأجيل الحلول الناجعة للازمات الكبيرة ، رافق ذلك رفع مستوى السطو المالي على ارصدة الدول المرتبطة بالمنظومة وابتزازها تارة وتارة اخرى تهديدها فضلا عن استخدام اساليب عدة حاول خلالها القائمون على النظام اجراء تغيير جزئي يتمثل بتطبيق سياسة المقايضة مع تلك الدول والغاء التعامل المالي المباشر في محاولة للحفاظ على مركزية التعامل المالي ضمن حدود المنبع ويمكن توضيح هذه الحقبة تحديدا في بداية القرن الحالي وصولا الى حقبة دونالد ترمب الذي جيء به من قبل اقطاب النظام العالمي لانقاذ ما يمكن انقاذه عبر استخدام اقبح السياسات للوصول الى مبتغى رئيس واحد وهو انقاذ الاقتصاد الاميركي .
وبعد اربعة اعوام قضاها هذا الرجل المكلف بما فعل كانت النتيجة كما توقعها الخبراء والمختصين كارثية على اصحابها الذين حاولوا دون جدوى تدارك ما يمكن تداركه ، كون ان المخاطرة المستخدمة بمجيء ترمب كشفت للعيان الوجه القبيح لمركز الاقتصاد العالمي والذي يمثله الكيان السياسي المعروف بالولايات المتحدة الاميركية وبالتالي فأن المعارضين للنظام المذكور حصلوا على الدليل القاطع امام العالم وامام شعوبهم للثورة على هذا الواقع ، فبرزت ازمة سياسية لا تقل اهمية عن الازمة المالية للنظام الاقتصادي العالمي والمتصدين له والذين هم مجموعة من رؤوس الاموال العالمية المتحكمين في مفاصل القرار المالي العالمي ..
ان فقدان ادوات السيطرة على مفاصل الاقتصاد العالمي نتيجة للمعارضة العالمية له والتي بدأت ملامحها تظهر من خلال المقاومة الاوروبية للسطوة الاميركية ثم بدء محاولات التحرر المالي في شرق اسيا واميركا اللاتينية والمقاومة الشرسة للسياسات الاميركية في الشرق الاوسط والتي هي على وشك اعلان النصر النهائي على واشنطن خلال هذه المرحلة الزمنية فضلا عن تفاقم الازمة المالية لدى اقطاب هذا النظام وعجزهم عن اعادة الدفة للوراء كل ذلك يعد دليلا دامغا على قرب اعلان انهيار النظام الاقتصادي العالمي الذي تديره واشنطن .. لكن ما يهمنا كيف يمكن لنا كشعوب غلب على امرها خلال عقود مضت مواجهة الفوضى المالية التي ستعقب هذا الانهيار الوشيك ، لان هذا الانهيار لن يكون بأي شكل من الاشكال انهيارا باردا وهادئا انما سيكون عاصفا بالاحداث التي تنذر بوقائع بعضها متوقع والاخر لم يكن يوما في الحسبان ، فمع اعترافنا بظلامية النظام العالمي المذكور سلفا الا ان الشعوب الحرة لم تخلق لغاية الان نظاما بديلا جامعا عالميا ، فهي ترتبط بمتعلقات عالمية ولا يمكن ان تنأى بنفسها عن اي انهيار عالمي ربما يحصل في ليلة وضحاها .. فالنظام هو نظام بايجابياته وسلبياته وان الانهيار هو انهيار لا يحمل جنبة ايجابية بل هو سلبي في جميع معطياته ..
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع او الهجوم على اي من الاطراف مع انحيازنا لايجاد بديل عالمي ناجح والتخلص من سيطرة امبريالية سيئة الصيت على مقدرات الشعوب ، الا اننا نجد ومن صميم مسؤولياتنا الادبية او الفكرية او الثقافية ان نحذر من خطورة فوضى لم يعد لها وبدائل لم يفكر معارضو هذا النظام بايجادها ..
فهل نحن امام معارضة جادة لايجاد البديل لهذا النظام ؟ ام اننا نبحث عن استبدال الشخوص القائمين عليه بشخوص اخرين يختلفون عنهم ايديولوجيا او عرقيا ؟ هنا تكمن المسؤولية الاخلاقية الجامعة التي تحتم علينا ان نكون صريحين مع الذات قبل الاخرين بهدف دفع الاذى عن المجتمع والامة والانسانية جمعاء ..