الاستعدادات اللوجستيه اكتملت لاكثر من عشرين مليون ناخب عراقي بانتظار يوم الحسم و في الثلاثين من نيسان سيبدأ الحصاد الكبير فالعراقيون يترقبون كل اشاعة و يلتقطون كل حدث و يسمعون كل خبر و كل شئ.. العراقيون اخذوا يحبسون انفاسهم فالسباق الكبير لم يبدأ بعد.
لقد قدم كل شئ و بذل كل جهد و استخدمت و وضفت جميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة حتى تلك المبالغ بيها و افرغت جميع الحقائب و اغدقت الاموال بسخاء دون حدود او انصاف (او وجع راس كما يقال) و اقيمت المهرجانات و الاعلانات الجذابة بمختلف الوسائل و الادوات تخللتها حفلات مبهرة الوانها ساطعة و اصواتها شجية كما اقيمت احتفالات اخرى ادارها الممسكون بجببهم الدينية و صلواتهم و دعواتهم و صراخهم الذي صم الاذان و عويلهم الذي يلف فضاء ساحات الاحتفالات حتى بلغ ما بلغته غيوم السماء بكل احمالها و هي تنتظر ان تحين ساعة وقت هطول زخاتها من المطر الغزير ليبهج الارض و يروي الزرع و بالجانب الاخر غيوم داكنة تحول رشقات مطرها وبالاً من الاوحال في ارض اخرى لتغرقها و تدمر زروعها.
غداً سيظهر كل شئ و ينكشف المستور حيث لا حلم غيره سواء المفرح منه او المبكي لدى الكثير ممن استنزفوا مالاً و جهداً و اقاموا الولائم للناس من مال مشكوك حلاله و وزعوا الهدايا العينية حتى اطلق عليه البعض بموسم الهدايا و التي اشتملت على (مواد التموين الغذائية و البطانيات و كارتات الموبايل و علب الدخان) و من التمسوا الجار و القريب و ابن المدينة و العشيرة فقد ذهب دور الاحزاب و بقيت حبر على الورق و انحسر تاثيرها و افل نجمها على غير رجعة كما سموها (و ودعها الجمهور بعد ان ابتلاهم الله بها بكلمة باي باي) و حل رجال الدين و العشائر محلها فما عاد الناس يعيرون اهمية للستيراتيجيات الفارغة من مضامينها و المعتقدات السياسية التي ودعها اصحابها و المروجون لها حتى الهوية و الوجود و الانتماء العربي و من ينطق به ليذكرهم بتاريخ امتهم المجيد يطلقون عليه (قومجي) فهكذا اصبحت لغة هذا الزمان فالشيخ هو الملاذ و المرجع و من يطلب من المرشحين المساعدة و الدعم و هو الذي يؤشر للمتنافس القبول به و الاستعداد لمساعدته (لكنه يتسائل عن كمية المبلغ الذي سيدفع له بالمقابل و يتم القبول بالدفع بعد المساومة التي تتقرر حسب درجة تاثير الشيخ و منزلته لدى افراد القبيلة و ولائهم له) و عند الاستلام و الموافقة تنتهي الصفقة باهازيج و هوسات امام المضيف و ياتي دور مرشح اخر فيمثل عليه الدور نفسه و هكذا تتكرر العملية فلقد تعلم الشيوخ اللعبة و اجادوها بحيث اصبحت اليوم ظاهرة الشيوخ مهنة تجارية و استثمار رابح هذه الايام فما عليك الا ان تلبس الزي العربي (عباية و صاية و يشماغ و عقال و سبحة) فانت اذا شيخ حتى لو ورائك افراد اسرتك فقط و ان يكون لديك مضيف فانت شيخ!
لقد انتهت مرحلة التمهيد للسباق الكبير و استكملت التحضيرات له و تمت الاجراءات المطلوبة لتشكل اضخم موسم انتخابي سواء في العراق او في المنطقة و عموماً فقط حل موعد الحصاد و تم تحديد كل شئ فمضمار السباق جاهز الان و انتظار اليوم الموعود غداً في الثلاثين من نيسان حيث ستقف ٩٠٤٠ فرس و حصان بحالة تاهب بخط بداية الشوط لتنتظر صافرة البدء بالسباق.
الاكف على القلوب و الصلوات تملا السماء و الدعوات تقرا بخشوع و ترتل بكل مكان فالمطلوب فوز ٣٢٨ فرس و حصان من هذا الحشد الكبير فلقد حمل الجميع الوزر الاكبر و عليهم ان يحسموا النتيجة فكل مرشح و مؤيدوه يتمنون الفوز دون غيرهم فهكذا هي الامنيات و الباقون سيخرجون من السباق يندبون حظهم العاثر فالبعض سيخرج فرحاً مسروراً و البعض يلطم على المال و الامل الذي تبخر و خيانة الشيوخ و نكثهم لوعودهم (فلربما هم ليسوا قادرين على الزام اقاربهم بالتصويت لانهم لم يحصلوا على شئ مادي) لقد حصل الشيوخ على الكثير مما ملء جيوبهم و اما الباقون فمن خسر خسر و من ربح ربح و عموماً فقد كانت بحق اكبر الحملات الاعلانية وزعت خلالها تلال من الدولارات و بطرق و اساليب مختلفة فقد اكتسب الجميع يقين و تجربة خاصة الخاسرون منهم يرون ان الصور و الاعلانات المسموعة و المرئية و الدعوات و الالتماسات لا تنفع و الذي يخدم المرشح هو من تعلم و اتقن فن الرشوة و من اتخذها مهنة و من احتاج اليها فلا احد منهم يمكن ان يقال له لقد اخطأت و من يدخل البرلمان بعدالفوز مضمار سباق الانتخابي لا يعني بالضرورة ان له قيم افضل من الاخرين الا اللهم ما نزر منهم و هم قليل القليل.. اولست معي يا اخي بصحة هذه الصورة؟
غداً سينتهي فصل لكنه سيكتب بسجل تاريخ العراق السياسي و اسمية انا العبد لله (فصل دوخة الراس) و سنرى..