القسم الأول
لعل من المناسب التعرض بالإشارة إلى كيفية الحصول على الشهادة الجامعية الأولية ( البكالوريوس ) ، أو شهادة الإختصاص الجامعية ( الماجستير أو الدكتوراه ) ، من داخل العراق أو خارجه ، عن طريق خطة القبول المركزية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، أو الزمالة أو البعثة الممنوحة بموجب إتفاقيات التبادل الثقافي بين دول العالم ، أو الدراسة على حساب النفقة الخاصة ، وكذلك الحال عن طريق الإجازة الدراسية (1) ، على أساس توفر المقاعد الدراسية داخل العراق ، أو عدم إستيعابها للعدد المطلوب في بعض الإختصاصات ، والتي تعد السبب الرئيس في عدم السماح بالحصول على الشهادة من خارج العراق ، سواء كان ذلك في ظل الظروف الإقتصادية الطبيعية أو العسيرة التي تمر بها البلاد ، ولأن مخرجات الدراسة والتعليم مآلها مقاعد العمل في دوائر الدولة في معظم الأحيان ، فإن من الموجبات أن يفهم الجميع ، بأن علاقة الموظف بالحكومة علاقة تنظيمية ، أي إحتكامها وخضوعها إلى قواعد القوانين والأنظمة والتعليمات حقوقا وواجبات ، وليس نزولا إلى توجيهات الأحزاب ، ورغبات العوائل ميسورة الحال ، وإعتماد الباطل من الإجراءات ، ومن ثم التبجح بأن منتمي الأحزاب وأبناء طبقة الأغنياء ، من خريجي كليات الخارج الأعلى منزلة ومقاما علميا ، من كليات العراق في زمن الفشل والفساد ، دون رد الأسباب إلى من تبوء مسؤولية إدارة التربية والتعليم العالي من حملة الشهادات المزورة ، وأساتذة الدمج القادمين مع قوات الإحتلال ، وتجاوزهم وخرقهم لقواعد الحصول على الشهادات ، التي يتصل بعضها بخطة القبول في المعاهد أو الكليات أو الجامعات ، كما يتصل البعض الآخر منها بخطة الوزارة المعنية وحاجتها إلى الإختصاصات العلمية والعملية ذات العلاقة بمهامها وواجباتها ، وإرتباط ذلك بالخطة السنوية التي يتقرر إعتمادها في ضوء الإمكانات المادية والبشرية المتاحة ، في إطار التصورات المستقبلية لحاجة البلد من الإختصاصات المختلفة التي تتطلبها خطة التنمية الوطنية ، على وفق المؤشرات التي تضعها وزارة التخطيط لإحتياجات خطط التنمية الشاملة والمستدامة من القوى البشرية العاملة .
لقد تعرضت القواعد العامة التي يجري بموجبها إختيار العدد المطلوب قبوله في مستويات الدراسات المختلفة ، والقائمة على أساس المنافسة والمفاضلة بين المتقدمين ، من حيث معدل درجات النجاح ، وشرط العمر ، إلى الكثير من التعديل والتبديل ، شأنها في ذلك شأن غيرها من القواعد القانونية المنظمة لشؤون الوظيفة العامة ، التي أصبح عدم الإستقرار سمتها الرئيسة والبارزة ، مما أدى إلى تعقيد الإجراءات ، وتعدد مصادر التوجيهات ، واختلاف الرؤى والإجتهادات ، فازدهرت صناعة الحصول على الشهادات ، مستهلة خطوتها الأولى بإضافة عدد من الدرجات إلى معدل بعض الطلاب ، تكريما ثالما قدر ومهابة العلم بما لم يأذن به سلطان ، مشرعة أبواب فرص إكمال الدراسة للبعض دون الآخر ، وعلى حساب الأكثر أهلية وإستحقاق ، مثلما هي معادلة شهادات الدارسين خارج العراق بمثلها في داخله ، بعد عدم قبولهم في مقاعد الدراسة المناظرة في الإختصاصات التي يرغبها الطالب أو عائلته داخل العراق ، لتضيع فرص تنمية وإستثمار الطاقات ، ببديل الحصول على المستوى الأضعف من مخرجات التعليم والتخصصات ، بدليل ما تضمنه كتاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / دائرة الدراسات والتخطيط والمتابعة / القبول المركزي المرقم (4734) في 1/7/2018 ، الخاص بآلية نقل دراسة الطلبة من خارج العراق إلى الدراسة المناظرة لها داخل العراق ، وفق قناة التعليم الجامعي الحكومي الخاص الصباحي الدولي ، ليصبح الدارس في الخارج في مقام من لم يستطع منافسته في القبول حينها في الداخل ، حيث جاء في الفقرة (2) من آلية النقل ، على أن يكون لدى الطالب ملف دراسي أو مذكرة بترويج معاملة فتح الملف الدراسي بعد صدور كتاب النقل ؟!، وليس من تأريخ بدء الدراسة خارج العراق ، التي ينبغي قيامها بموافقة دائرة القبول المركزي إبتداءا . مما يؤكد على غلبة روح الأنانية وبيروقراطية حملة الشهادات ، المتخفية وراء غطاء الشهادة المانع من كشف عدم القدرة العلمية والمهارات ، وعدم توفر إمكانيات التفوق على إمتلاك مقومات الكفاءة والخبرة والنزاهة والإخلاص عند الممارسات ، إلى الحد الذي حجبت غشاوتها رؤية ما لا يليق بمن يحمل إحدى تلك الشهادات ، بعدما أصبحت وسيلة للكسب غير المشروع ، لعدم ممارسة الإختصاص ، وتدني مستوى الأداء للأعمال ، مقارنة بنوعية العطاء الذي لا يتناسب ودرجات التحصيل الدراسي أو التخصص العلمي ، الذي أستبدلت معاييره وقيمه العلمية والمهنية ، بما يتحقق في غيرها من مكتسبات الرشا والدوائر ذات الإمتيازات ، وتلك من مقدمات ودعائم كارثة الفساد ، بدلا من أن تكون الشهادات طوق وحبل نجاة ، وركيزة تقدم وتطور مهني وتقني يأخذ بالأسباب .
إن تدني مستويات النوع من المخرجات التعليمية والتدريسية ، وتفشي مظاهر الفساد الإداري والمالي في أسسه وبين عناصر ومقومات بنيانه ، بمنح الشهادات من غير استحقاق ، مع إزدهار حرفة تزوير الشهادات بعد الإحتلال ، إضافة إلى فتح المدارس الأهلية داخل وخارج العراق ، القائمة على إستثمار رأس المال غير التربوي ، التي أوضحنا تفاصيل نظامها في أربع مقالات بعنوان ( التعليم الأهلي … رأس مال غير تربوي ) ، الذي زاد في فجيعة وكارثة ونكبة التربية والتعليم ، حين بدأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بمنح إجازة فتح المعاهد والكليات الأهلية داخل العراق ، لمنح الشهادة الجامعية الأولية وشهادات الإختصاص ؟!، على الرغم من تقاطعهما مع مبادئ مجانية التعليم والحد من مظاهر التفاوت الطبقي بين الناس ؟!. وجعل مخرجاتهما منافسا لمخرجات التربية والتعليم الحكومي الخاص بالفقراء ، في التعيين وفي التمتع بإمتيازات قانون الخدمة الجامعية لذوي شهادات الإختصاص ، الذين قامت قائمتهم يوم سمعوا بتخفيض رواتبهم والمخصصات ، وشمولهم بخطة تقليص الإنفاق الحكومي في شهر تشرين الأول من سنة 2015 ، عندها كتبت (12) إثنا عشر مقالا بعنوان ( قانون الخدمة الجامعية ، قانون رعاية الطلبة فكريا وتربويا ، أم قانون إمتيازات وتفاوت طبقي ) ، مقدما لذلك بالقول ( سمعت صوتا مرعبا ، ولم أقرأ نصا قانونيا ، فكتبت أسطرا بعنوان ( المخصصات بين المنح والحجب ) وبالنص ( لست مع إلغاء جميع المخصصات الممنوحة للموظفين ، كما لست مع الإعتراض المطلق على عدم إلغائها ، ولغرض بيان الإستحقاقات على وفق أحكام قوانين الخدمة العامة والخاصة ، أتوجه ببعض الأسئلة ، وأرجو الإجابة بمهنية الإداريين المحترفين المتجردين من دوافع النفع والمصالح الخاصة ، وعدم الإستناد إلى عوامل التأثر السلبي بهما ، وهي : هل منح مخصصات الشهادة صحيحة ؟، وهل يجوز الإستمرار في صرف المخصصات بعد الإحالة إلى التقاعد ؟، وهل أن منح مخصصات التفرغ الجامعي والخدمة الجامعية صحيحة وسليمة ؟، أكرر الرجاء بمناقشة الموضوع مهنيا خالصا ، وليس على أساس حسابات المنافع والخسائر ) ، وبدأت آراء الدفاع عن الدينار والدرهم ، ممن لم ولن أتوقع منهم ردة الفعل السلبية تلك ، لأن الأستاذ الجامعي يستحق راتبا مفتوحا مكتوبا على صك أبيض كما يقال في حق القضاة ، إن توفرت فيه الشروط المطلوبة كاملة من الناحية المهنية وليس الأكاديمية الصرفة فقط ، وكنت متأملا عدم مناقشة الموضوع من الناحية المادية فقط ، والتهديد بها ( لجهة أن هذا سيفتح الباب على إحتمالات هجرة الكفاءات من جديد ، أو تركهم الوظيفة العامة والإنخراط في العمل الخاص ، أو تراجع إندفاعهم نحو العمل الوظيفي وإيجاد بدائل أخرى إلى جانبه ، أو حتى عودة مظاهر الرشوة والفساد ) ، ذلك ما قاله أحد الأساتذة ، فقلت أن رسالة الأستاذ أسمى وأرقى من ذلك كله ، وقديما سمعنا من يفضل أن يسمع صوت الطالب مناديا له ( أستاذ ) في صباح كل يوم ، على أن يعين وزيرا ، ولكن عدم الإجابة على مدى صحة الإستحقاق برأي علمي دقيق للإفادة منه لأغراض البحث ، دفعني إلى كتابة هذا الزعيق ، عسى أن أنال ما لم أحصل عليه من سديد الرأي لإكتمال صروح البناء .