المتحولون سلسلة أفلام أمريكية شائعة منذ سنوات ،تنتجها هوليود، تصور فئة من البشر تتحول إلى ذئاب تهاجم الإنسان وتمتص دمه . ولما أردت أن أتكلم عن صلافة وجشع الموظف المرتشي الذي تفشى في دوائرنا، لم أجد صورة تليق به إلا أن اخلع عليه تسمية وصفات هذه الذئاب الآدمية . فقد أصبح معظم موظفينا خارج نطاق السيطرة بمطالبتهم علنا بالرشوة وبمبالغ لا تصدق في بعض الحالات ، وبحيل قديمة وجديدة ووقاحة لاتضاهى ، تعطل شؤون المواطن وتقلب حياته إلى جحيم إن لم يستجب لمطلبهم. وما نقوله باعتراف مسؤولين كبار في الدولة ، فبالأمس وقف د. إبراهيم الجعفري رئيس حزب الاصلاح ، أمام البرلمان وقالها صراحة، في معرض حديثه عن الفساد المستشري في مفاصل الدولة، ومطالبة الموظف بالرشوة علنا ودون خوف . وكثيرا ما نجد ومن نفس الدائرة من يتواطأ معه أو يقف وراءه كمدير الدائرة أو مسؤوله المباشر ، لكونهما من المنتفعين منه أو يقاسمانه الرشوة. ترى ماذا فعلت حكومة القانون من إجراءات للقضاء على هذه الظاهرة .؟ الجواب لاشيء ، فموقفها، لا يختلف عن مواقفها الأخرى أمام الظواهر السلبية التي تغرق البلد. وسيظل الحال كما هو عليه .فظاهرة استذءاب موظفينا باتت مستشرية وتشكل خطرا وبيلا على المجتمع بعدما أصبح الموظف وقد لا استثني إلا القليل ، يتغذى على دماء المواطن وعلى عرقه وجهده بل على لقمة عيشه، في الوقت الذي يتقاضى راتبا لم يكن فيما مضى يحلم به إذ قد يصل راتب البعض منهم إلى مليونين وثلاثة ملايين . بينما كان راتبه قبل أحداث 2003 وسقوط النظام السابق لا يصل إلى عشرة آلاف . ترى كيف يفكر هذا الموظف المرتشي حين يأخذ رشوة من أرملة قتل زوجها في معمعة البلد الدامية وخلف لها عددا من الأبناء تعيلهم من الاستجداء او صدقة الغير، جاءت تراجع الدائرة وقد استلفت أجرة السيارة . وأي ضمير فاسد هذا الذي يرتضي أن يطعم أسرته من المال الحرام ، لا لسبب سوى انه يقدم خدمة يتقاضى عنها راتبا . ولو أردنا أن نروي حكايات عن هؤلاء المرتشين، خائني الأمانة الذين لم تخلُ دائرة منهم ولا مفصل حكومي لكتبنا المجلدات. حتى عمال نظافة المجاري ما أن ينتهوا من واجبهم حتى يدوروا على البيوت مطالبين باجرة التنظيف ، وعمال سيارة الزبل يأخذون من كل بيت مبلغا لقاء تكرمهم بالمرور _ بين أوقات متباعدة _ على البيوت ورفع برميل الزبل .الأمثلة لا تعد ولا تحصى لموظفين مرتشين صغار. أما الكبار الذين بيدهم الملايين بل المليارات فحدث ولا حرج .وقد سمعنا جميعا بأحدهم الذي اشترى فيللا في إحدى دول الخليج بمبلغ سبعة ملايين دولار والآخر يمتلك برجا سكنيا و” مولات” أسواق فخمة هناك. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن كيف قيض لحكومة وجهاز وظيفي أن يتشكل على هذه الصورة من البشاعة وغياب الضمير.؟ أم إن هؤلاء الصغار يقتدون بالرؤوس الكبيرة التي نالت الثراء والغنى بشكل مهول وباتت تملك المليارات من سرقة مال الشعب . فهؤلاء الأذناب وجدوا لهم بالمتنفذين قدوة . بينما فيما مضى ، كانت الرشوة من الجرائم المخلة بالشرف عقوبتها الطرد من الوظيفة والسجن إضافة إلى الغرامة . ولو إن الموظف الذي يثبت تقاضيه رشوة، يلقى عقوبة قاسية تقصم ظهره وابتداء بالمسؤول ذي السلطة . لنظفت أجهزة الدولة منهم ،وأصبحت النزاهة إحدى أهم ركائز بناء الدولة والمجتمع .