18 ديسمبر، 2024 12:43 م

موظفون لا يخضعون لعامل الوقت

موظفون لا يخضعون لعامل الوقت

من المتعارف عليه في جميع مؤسسات الدولة ان الموظفين فيها يخضعون لعام الوقت، فهم يبصمون للدخول في الساعة الثامنة، ويخرجون الساعة الثالثة، ويشطبون يومهم في المؤسسة سواء بإنتاج او بغيره، تبعاً لتباين عمل المؤسسات ونوعية المهام التي تؤديها، وتشملهم جميع العطل الرسمية وغير الرسمية التي تطلقها الحكومة تبعاً للظروف.

ولعل هذه القاعدة لا تشمل موظفي المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات الذين لا يخضعون لعام الوقت، فتجد عملهم ينطلق قبل أشهر طويلة على موعد الإنتخابات، دون انقطاع ويتجاوز التوقيت المحدد ويصل الى الساعة السادسة مساءً، ويستثنون من العطل الرسمية حتى يومي الجمعة والسبت، من اجل إنجاح التجربة الإنتخابية التي رست عليها العملية السياسية منذ التغيير الى اليوم.

في الإنتخابات المحلية كنت اراقب عن كثب عمل “خلية النحل” واخص بذلك “موظفي مراكز التسجيل” في منطقتي (التاجي/2)، الذين مارسوا دور الموظف والعامل والمدرب، وحتى تحولوا الى عمال صيانة عندما تسلموا المراكز الإنتخابية وتم توزيعهم كمنسقين على تلك المراكز، وكانت عبارة عن مدارس متهالكة وقديمة لا يتوفر فيها ابسط سبل إجراء العملية الإنتخابية سوى الجدران.

حيث وزعت المهام فيما بينهم، وأطلقوا حملة صيانة “الكهرباء” لتوفير الطاقة الى أجهزة التصويت، ومن ثم نقل صناديق الاقتراع وتوزيعها على المدارس، وترتيب المحطات الإنتخابية بالتعاون مع “موظفي اليوم الواحد”، الذي قدموا دوراً لا يستهان به ايضاً في تلك العملية.

وفي يوم الإنتخاب الخاص بالقوات الأمنية إنطلق العمل منذ الساعات الأولى من الفجر، واستمر حتى اوقات متأخرة بعد منتصف الليل، وكذلك في الإقتراع العام، عندما توزع المنسقين في الساعة الخامسة فجراً على مراكزهم، لتبدأ مرحلة السباق قبل الساعة السابعة صباحاً، وهو موعد انطلاق التصويت، وفتح الأبواب امام الناخب للإدلاء بصوته بكل شفافية، والحفاظ قدر المستطاع على إنجاح العملية الإنتخابية وسد ثغرات تعكيرها وتجاوز ازعاجات مراقبي الكيانات.

استمر العمل منذ السابعة صباحاً بعملية معقدة وصعبة على الموظفين لكنها سلسلة وجاهزة للناخبين، حتى وصلت الى الساعة السادسة أغلقت الصناديق واوصدت أبواب المراكز لتبدأ المرحلة النهائية لإنجاز العمل المتمثلة بسحب بيانات التصويت واجراء العد والفرز اليدوي وارسال النتائج عبر الأقمار الصناعية، ورزم العدة وتسليمها الى المخازن التابعة للمفوضية في اليوم الثاني صباحاً دون نوم او راحة او استرخاء او حتى “لفظ الانفاس”.

هذه الصور عرجت عليها بشكل سريع جداً، حتى يفهم الجميع مراحل العمل بشكل مختصر ويعرف دور الموظفين الذين كانوا خلف الكواليس وبعيداً عن عدسات الكاميرات بإنجاحها، كما اضعها بين يدي رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، لكي ينصفهم بفعل لا بقول، لان ديمومة الديمقراطية وسير عملية الإقتراع بالشكل السليم والمستدام لا يتم الا عبر الحفاظ على تلك الكوادر والطاقات الجبارة التي “حاكت” الصبح بالليل عبر صنارة العمل المتواصل لكي تجهز لنا ثوب العملية الانتخابية بأبهى صوره، متجاوزين في ذلك المعوقات الفنية واللوجستية التي واجهوها خلال العمل على مدار الأشهر الماضية.

كما يجب على المفوضية ان تفكر في المستقبل بانشاء مراكز ثابتة للانتخاب مجهزة بالكامل بوسائل من شانها تلافي الاخطاء التي تواجه الموظف خلال عملية الاقتراع، حتى تقلل العبء على عامليها وتصرف انظارهم الى صلب العمل، بدل الإنشغال بامور هي ليست من مهامهم.