سألَتْ، فبادرتُها بسرعة: “وهل من رجل لا يخون؟!”، لكن سرعان ما ابتسمنا وتابعنا الحديث. طبعاً كل منا تعلم أن ثمّة رجالاً لا يخونون وإن كانوا النسبة الأضعف والأقل بين رجال الكون الذين لا يجدون الى الإخلاص سبيلاً!
“يقولون إن الرجال غير النساء، وهل المرأة صخرة؟ هل مشاعر الرجال تختلف عن مشاعرنا؟ هل أحاسيسهم وحاجاتهم تختلف؟! لماذا يبرّرون لأنفسهم ويحرّمون على غيرهم؟”. أسئلة كثيرة تطرحها النساء في محاولةٍ لمعرفة سبب تبرير الخيانة للرجال واعتمادها قاعدة في الحياة عموماً، فالرجل اقترن دائماً بصفة الخيانة وما دام الاستثناء هو الرجل الملتزم والذي يحترم زوجته وعائلته وبيته، وقبل كل شيء يقدّر نفسه ويتمنّع عن الخيانة ويترفّع عنها. وهذا الإستثناء هو موضوعنا اليوم، فلماذا لا يخون بعض الرجال؟
كسر الحواجز التقليدية
“إذا خليت خربت”، هذا المثل الذي تصحّ استعادته هنا وإسقاطه على عصام، هذا الرجل الذي يؤكد أنه منذ زواجه قبل 15 عاماً، لم يخرج مع أي امرأة غير زوجته. “لم أتعرّض للمغريات؟ بلى طبعاً وكثيراً، وبعضها من أخي الأصغر الذي كان دوماً يبعث لي بنساء من أجمل الجميلات علّني أخطئ هدفي فتصيبني سهامهن وأخون عهداً قطعته على نفسي وزوجتي بألا أخون، لكن كل محاولاته باءت بالفشل. طبعاً ضعفت ولعب الشيطان في رأسي وعقلي، لكني لم أستسلم أبداً”.
ومثله ناجي الذي كسر حواجز رخاميّة وخرج عن القوالب المألوفة للرجل التقليدي الذي فُطر على الخيانة، واتخذ لنفسه قالباً خاصاً به يستحق أن يكون نموذجاً يُحتذى، قالباً لم يمنع حريته الذاتية من جريانها الحياتي الطبيعي. أولاً، يعتبر ناجي أن حبه لزوجته سبباً عميقاً كي لا يخون، “كما أنني أحترم كثيراً وعودي والتزاماتي والعهود التي اتخذتها ونذرت نفسي لأجلها”. وأيضاً، يصف الخيانة على أنها درب ملعونة لن يسلكها أبداً ولا ينصح بسلوكها. طبعاً، عاش ناجي حياته طولاً وعرضاً ولم يفته أي عرض وأي مغامرة نسائيّة، لكنه عرف قواعد اللعبة جيداً. وعندما وجد نصفه الآخر، قرر الالتزام وعدم التلاعب يميناً وشمالاً. لكن، هل لدى النساء إيمان بوجود هذا النوع من الرجال المخلص الصادق الذي يعرف متى يضرب قدمه بالأرض ويثبتها ويقول لا؟
في قاموس الرجال
لطالما كان الرجال منشغلين بأعمالهم المهنية والجنسية، والنساء غالباً ما يكن قرب اولادهن يرعينهن ويهتمين بشؤون منزلهن، ويأتي فجأة الرجال بعد انكشاف أمرهم ليعربوا عن أسفهم وندمهم. والآن، على النساء تصديق أن الرجال يتأسفون؟! بكل تأكيد هم يأسفون، لكن ليس على ما اقترفته غرائزهم إنما هم يذوبون أسفاً على افتضاح أمرهم! ثم يشرع الرجل مبرراً لنفسه أفعالاً شنيعة، مستحضراً أعذاراً نُقشت في قاموس الرجال منذ أزل الخيانة. فمنذ فجر الزلّات والانزلاقات، لم ينفكّ مَجْمَع الذكورة يقول إن الرجال لا يستطيعون كبح رغباتهم كونهم بتركيبتهم الفيزيولوجية يختلفون عن النساء. حسناً أيها الرجل، إذا كان الأمر كذلك، فماذا عن الإرادة وهي من صلب صفات الرجولة الحقّة التي تطبع الرجل؟ لماذا تتمكن النساء من كبح نفسها وإيقافها من الانحدار في عالم الخيانة؟ يعودون ليقولوا إن المرأة لا تتحكم بها رغباتها كما الرجل. ونعود لنقول أين الإرادة؟ وتطول لائحة
الأعذار، لكنها تبقى أعذاراً خلقها معشر الرجال لتبرير أفعالهم، لكن الخيانة من الطرفين تبقى خياراً دائماً، ويؤكد المعالج النفسي الدكتور باتريك فهد هذا الأمر، “فنحن البشر لم نولد ملتزمين بل نتعلم الالتزام، وتلك الأعذار إنما وُجدت كي يخدع بها الرجل نفسه أولاً ثم المرأة التي يخونها تالياً، فما من أحد وجد نفسه فجأة في الفراش مع امرأة أخرى من دون تخطيط مسبق، بل تحصل الخيانة عن سابق تصور وتصميم، وهم يخونون كونهم أنانيّين ولأنهم يهتمون بالجنس وبأنانيتهم فقط لا غير”.
معظم الناس يتحدثون عن أسباب خيانة الرجل، فالفرص جميعها متاحة أمامه كي يخون، لكن ماذا عن الرجل الذي لا يخون؟ فلنقلب الآية ونسأل عن الأسباب التي تدفع الرجل كي يكون مخلصاً ولا يخون. ويرى فهد أن ثمّة عدداً ليس قليلاً من الرجال المخلصين وإن كانت نسبة النساء المحظوظات اللواتي يلتقين بأولئك الرجال قليلة، ويفنّد أسباباً عدة تجعل الرجل يختار أن يكون مخلصاً، ومنها مثلاً أن “الخيانة حماقة بسبب أخطارها وسيئاتها والأضرار التي تعود بها على العائلة، وبعض من يختبر ضرراً من الخيانة، يتكوّن لديه نوع من الجرح فلا يُقدم على الخيانة. والبعض يعتبر أن الخيانة عبارة عن قلة احترام للشريك وللنفس، وقد يتمتع الرجل بالأخلاق العالية والنضج والوعي، وقد يكون ضمناً ملتزماً دينياً أو لديه وعي وحس عال بالأمور المحيطة به. وكثيرون يقولون إن الخيانة ليست فعلاً جيداً، لكن من يعتبر ذلك حقيقة لا مشكلة لديه أن يخبر شريكته بأموره اليومية بالتفصيل ومشاركتها أفكاره وتقديمها الى أصحابه ودمجها في دائرة معارفه”.
وثمّة من لا يخون لأنه لا يعرف كيف يخون، وبحسب فهد هم “لا يعرفون كيف يكونون قليلي التهذيب ويخونون من دون أن يُفتضح أمرهم. ورغم أنه عذر قبيح لعدم الخيانة، لكنّ ثمّة رجالاً لا يعرفون كيف يلعبونها بدهاء من تحت الطاولة ويكونون متسترين ومتخفين”. لكن في المقابل، ثمّة رجالاً لا يخونون لأنهم يخوضون علاقة يحترمونها ويخافون عليها، فهم يرعونها ويرونها تكبر وتنضج وتتقدّم لا تتراجع، والسعادة هي سبب وجيه لعدم الخيانة، فالرجال والنساء الذين لا يشعرون بالسعادة في علاقاتهم هم أكثر عرضة للخيانة”. كذلك يعطي فهد أهمية كبيرة للعلاقات المتعددة التي يخبرها الرجل قبل زواجه، “فالتجارب الكثيرة تمنح الرجل وعياً ونضجاً وتجعله يعلم جيداً ما يريد ويحدد أهدافه وحاجاته، وما ان يجدها في امرأة ما حتى يقرر الالتزام والانضباط والانخراط في علاقة جدية تغنيهم عن نساء الأرض جميعاً”. وللإرادة أيضاً مكانها في عدم الخيانة، “فالرجل المخلص قد يكون اتخذ قراراً واعياً بالإخلاص، وهذا النوع من الرجال لديه إرادة قوية وصلبة وواضحة، وهم إما أن يعتبروا الزواج تسوية ويأخذوه على محمل الجدّ، او أنهم يقدّرون بأن لديهم امرأة ولا يريدون أن يقوموا بأي خطوة ناقصة تجعلهم يخسرونها وهم واضحين في أسباب حبهم لها ولماذا هم معها ولماذا اختاروها، ويعتبرون أنهم محظوظين لأنهم معها ويكونون واقعين في الغرام، وهذا سبب عميق للإخلاص”. هذا الى جانب المبادئ التي يحملها الرجل في عقله، “فثمّة رجال يفكرون بنتائج العلاقة غير المشروعة، نجدهم مرتاحين في العلاقة التي هم فيها وبمواقعهم ولا يريدون أن يعكّر أي شيء صفو ما هم عليه، وهم لا يريدون أن يقعوا في أي مشكلة قد تدخلهم في فخ ما، كأن يؤدي ذلك الى الحمل أو التقاط مرض ما، أو انهم قد خانوا من قبل وكانت نتائج الخيانة مدمّرة لهم وقرروا ألاّ يخونوا مجدداً”.