22 ديسمبر، 2024 7:21 م

موسوعة شهداء العراق : الشهيد مقداد الحلفي

موسوعة شهداء العراق : الشهيد مقداد الحلفي

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}

أثناء ممارسة مهامه النضالية، قادماً من الخارج.. حيث يقيم في لندن، تمكنت مخابرات النظام السابق، من الإيقاع بالشهيد مقداد خضير الحلفي.. العضو القيادي في المؤتمر الوطني، في فخ أمني محكم الخبث والخبرة والدراية، في إنطباق كماشتي القبض عليه، فتداعى من جهة الى جهة، بين المخابرات والأمن ووزارة العدل و… و… “هل غادر المناضلون من متردم!؟” بالنتيجة قضت المحكمة عليه بالإعدام، سنة 1996 وفق المادة 57.. تنظيمات سياسية، من قانون الغاب الصدامي المترامي الجور والظلام والقسوة.
مكث ثمانية أشهر، في قاعة الإعدام.. الشعبة الخامسة، يستعجل السجانين بالتنفيذ؛ جراء العذاب الجسدي الذي يلقاه من عنت البعث الجائر، وجبروت الطاغية المقبور صدام، فضلاً عن القلق الممض الذي يقطر شآبيب من وهن النفس الإنسانية العظيمة التي تخشى الإنهيار، بين يدي سجانين تشبعت دواخلهم بنشوة إذلال كبرياء المثقفين، ناهيك عن دمامل وحشرات قارضة إستوطنت كهوف أجساد السجناء كافة.. لا حمامات ولا… ولاأبسط الحاجات الإنسانية.
حين قدمت فرقة الإعدام فجراً؛ كي يسوقوه للممشنقة، أقبل إثنان من السجانين لتكتيفه؛ بحكم العادة المتبعة.. هنا في هذا المكان المريع، إذ يقاوم المأخوذ للموت عنوة، لكن مقدام تأملهم ببساطة مبتسماً: “لا حاجة بكم لتكتيفي وسحبي؛ أنا قادم معكم؛ بمحض إرادتي”.
تكمن المفاجأة في كون المؤتمر الوطني، تنظيم سياسي معارض.. ليبرالي الإيديولوجيا.. يؤمن بإطلاق الحرية الفردية، الى أقصى مدياتها، من دون الإنفلات عن الجمع، في تبني القضايا العامة… بالنتيجة المؤتمر الوطني، ليس دينياً، لكن الشهيد مقداد الحلفي، حين ساقوه للإعدام، إستوقفهم في الممر، المؤدي الى دهليز المشنقة، تفصله بضعة أمتار عن نهايته، وقف دونها واثقاً من نفسه.. بهدوء الأمراء وكبرياء الفرسان.. يردد قصيدة “يحسين بضمايرنا” للشاعر الرادود عبد الرسول محي الدين: “ياحسين بضمايرنه.. صحنه بـيك آمنّه.. لا صيحة عواطف هاي.. لا دعوه ومجرد رأي.. هذي من مبادئنه.. صِحنه بيك آمنّه” الى آخر القصيدة، التي وقفوا يصغون لها بإحترام لموته؛ كآخر حق له.. يتمتع به في الثواني الأخيرة من وجوده قبل الذهاب من حبل المشنقة، الى العدم بحسابات الدنيا والمطلق بحسابات الآخرة، خالداً ببطولات موقفه.. قبل وأثناء الإعدام، الذي تكاملت برسالة المجد، صلة وجد واعٍ يميط لثام الخفاء عن الموت.. كاشفاً أسرار التفوق على النهاية، خالدا في ذاكرة الأبدية، لثغة شكر في أبجدية شعب تهجى حريته، بأضواء دم الشهداء.