قلت لصاحب حوض اسماك كم تكبر الاسماك عندك؟ قال تبلغ حجمها الطبيعي وحسب نوع الطعام الذي نقدمه لها. حسناً فان اطعمت بعضها وحرمت اخرى ؟ قال: الاسماك تكبر اذا اطعمت وتهزل وربما تموت اذا حرمت. ومن باب الفضول سألته مرة أخرى: فهل حصل ان كبرت سمكة طولها قدم لتصبح عشرة اقدام أو عشرين مثلا؟ رد ضاحكا واحسبه استسخف سؤالي : نحن نربي اسماكاً وليس حيتاناً!
اذن ثمة مشكلة حقيقية في حوضنا، حين تظل اكثر الاسماك هزيلة ويتسارع نمو بعضها دون توقف حتى تبلغ احجاماً مخيفة. فلابد ان توزيع الطعام غير صحيح أو ان هناك طفرات وراثية تحول بعضها الى حيتان مفترسة.
وفي كل الاحوال ، ومادام موسم صيد الحيتان قد بدأ في بعض البلدان المجاورة وفي بلدان اخرى فانه الوقت المناسب تماما لتنظيف وطننا من كل حيتانه المفترسة وهي فرصتنا الاخيرة، فان لم نفعل ستفترسنا وربما عادت فافترست بعضها بعضاً.
هي فرصتنا الاخيرة، فان لم نستثمرها بوعي وحذر واصرار وعزيمة راسخة ورؤية واضحة فانها لن تمنحنا فرصة اخرى لانقاذ أنفسنا من خطرها المحدق ونهمها الذي لا حدود له.
ان هؤلاء الاقزام الذين اصابهم كرسي السلطة بطفرة وراثية فتعملقوا، لايعرفون معنى المواطنة ولا معنى الولاء للوطن.وهم خلايا سرطانية يجب ان تستأصلها يد القانون دون استثناء، فان الخلايا السرطانية اذا ترك بعضها استأنفت نشاطها وافسدت ماحولها.
وحين تطهر جرحا عميقا تعقم كل ادوات العلاج ويديك وكل ما له صلة بالعلاج، والا فان الجرح لن يبرؤ وربما تحول الى التهاب مزمن لاينفع معه دواء.
وحين نطهر جرح العراق النازف لابد ان نطهر ايدينا من فايروسات السفارات والاموال العابرة للحدود والولاءات التي تبيع كرامتنا وكرامة البلد في سوق النخاسة. واذا اردنا ان ندخل بلدنا مرحلة النقاهة فليس لنا الا ان نحرره من اغلال النظام الطائفي الذي فرضته علينا حاملات الطائرات، وبعدها من حقنا ان نعيش على أرضه الطيبة كراماً وان يعيش بنا كريما.
ليكن همنا الاكبر اقامة دولة حضارية يحكمها القانون الصارم الذي لا يميز بين القامات ولا بين رئيس ومرؤوس ولا بين قوي وضعيف، وسيتكفل القانون الصارم والصرامة في تطبيقه بتصحيح الكثير من الممارسات اللاإنسانية واللاحضارية وهذه الخلطة السرية وراء تطور البلدان الغربية، وسيستتبع هذا الامر كل المقومات الحضارية الأخرى من عمل وتعليم وصحة وغيرها.
أسفي على هؤلاء الذين جاءتهم الفرصة على طبق من ذهب ليخدموا شعبهم ووطنهم فاكتفوا بالأخذ دون العطاء ، ولم يدركوا ان لذة الاخذ محدودة بحدودهم الضيقة وستدفن معهم ولذة العطاء تشارك الاخرين في افراحهم واحلامهم وحتى ضحكات أطفالهم. ثم هي خالدة يحفظها التاريخ لهم. هؤلاء غلبت عليهم شقوتهم وانانيتهم ولن يستطيعوا مهما حاولوا شراء السعادة باموال اغتصبوها من أفواه المحرومين والجائعين، وسيجدون امامهم حساباً عسيراً بعد أن أُمهلوا أمدا طويلا: ” وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ “