23 ديسمبر، 2024 2:40 ص

موسم الهجرة الى برلين

موسم الهجرة الى برلين

أضع رؤيا لمقالي هذا برؤيتين الأولى للمفكر وقارئ المنبر الحسيني الدكتور أحمد الوائلي قوله وأظن انها منقولة عن مقولة للداعية الديني الاصلاحي المصري الشيخ محمد عبده: زرت أوربا ، فوجدت الاسلام ولم أجد المسلمين . والقول الثاني للمستشارة الألمانية التي يعتبرها الشباب العربي الأم الحنونة قولها : العرب يتوجهون الى بلادنا طلبا للأمان والحياة المستقرة وكان المفروض ان يتوجهوا الى مكة قبلة المسلمين وهي الاقرب اليهم لتمنحهم الأمان والسلام المفقود في بلدانهم . وقد قبلناهم بسعة صدر وسوف يسجل ويذكر لنا التاريخ ذلك بفخر.

ما ذكر اعلاه يضعنا أمام إشكالية حضارية يتفوق فيها الغرب في منح الشرق الامان والرحمة والملاذ ، وعلى الشرق أن يعترف أن الغرب تفوق في هذا الجانب وعليه أن يأخذ هذا في الحساب في حوار الحضارات الذي تم تداوله في اكثر من مؤتمر وكتاب منذ ان اطلقه الرئيس الايراني الإصلاحي محمد خاتمي.

يوم الثلاثاء نزلت في المحطة الرئيسية لقطارات مدينة دوسلدورف الالمانية فتعجبت من اعداد اللاجئين الذين يسألون عن القطار الذاهب الى مدينة دورتموند حيث مركز الايواء والتسجيل الرئيسي في مقاطعة ( نورد غاين فاست فالن ) أي مقاطعة شمال غرب الراين وعاصمتها دوسلدورف.

العديد الكبير الذي يحمل اسئلته بشتى اللغات العربية ، السواحلية ــ الارتيرية ، الانكليزية ، الفرنسية ، الالبانية . الكردية . يريكَ التنوع البشري الهائل لبشر يهربون من بلدانهم هربا من الصراعات والجوع والفوضى .

كاميرات الصحفيين وقنوات التلفزة الالمانية سكنت محطات قطارات ميونخ وهي تسجل توافد الكتل البشرية الهائلة القادمة من القطارات من هنغاريا عبر النمسا ومن ثم الى برلين وباقي المدن الالمانية سجلت التفاصيل واللقاءات .حتى ان تلك التقارير احدثت النقاش الاجتماعي داخل المجتمع الالماني الذي لم يتعود على هكذا اعداد هائل تدخل الى المانيا مما اثار حفيظة اليمين المتطرف ، لكن الحكومة الالمانية الملتزمة ببنود معاهدات الاتحاد الاوربي ومنها معاهدة دبلن وما يكفله الدستور الالماني في توفير الحماية واللجوء لجميع الذين لا يحصلون على الأمان في بلدانهم مما جعل التعامل الرسمي والاجراءات مع جموع اللاجئين هادئة وسلسة ومنها تلك الاجراءات التي اصدرتها وزارة الداخلية الالمانية في تسهيل اجراءات اللجوء والاقامة .

تعاني المانيا من مفاجأة ما يحصل وعدم الاستعداد لهذا المد البشري مما دفعها لتنشئ مخيمات مؤقته في حدائق برلين العاصمة التي يدخلها يوميا بحدود الفي لاجئ اغلبهم من السوريين وكذلك تم افراغ قاعات الرياضة ومقرات منظمات وكنائس لأجل الاسكان المؤقت لحين توزيعهم على مدن اخرى كما تفعل دورتموند وميونخ وفرانكفورت وكل المدن الالمانية الكبيرة.

ما تقدمه المانيا للاجئين العرب والكثير منهم من الشباب العراقي الذي عاش سيناريو الرعب في رحلة لاتشبه تلك الرحلة التي تمناها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عندما فكر بأنشاء سكة قطار بغداد ــ برلين قبل نشوب الحرب الكونية الاولى .

تلك الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر التي تبدا من ازمير وتبدا مع قوارب الموت الى جزر يونانية غير مؤهلة ثم يبدا الرعب الاخر في شاحنات الموت التي قتل فيها خنقا 71 لاجئا سوريا قبل ايام والذين وجدوهم في صندوق شاحنة غير بعيد عن العاصمة النمساوية فيينا .

موسم الهجرة الى برلين هو موسم الحزن والمصير الذي خلقته صراعات هذا الشرق وحروبه الطائفية والمذهبية التي اسهمت في ولادة هذا الفكر التكفيري الداعشي.

لهذا فأن رحمة برلين على شبابنا لها في القلب مكان تعيدنا الى ما قاله الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله.!